لم يتفاجأ الرأي العام المغربي بحصول الشركات العاملة في مجال الوقود على أرباح بلغت 21 مليار درهم وليس فقط 17 مليار درهم كما قيل في البدء، بقدر ما يتفاجأ بصمت الدولة المغربية على استعادة هذه الأرباح رغم طابعها الإجرامي، وهذا يطرح تساؤل عميق ومقلق عن نوعية رؤية المسؤولين في هذا البلد لمصالح الشعب والوطن في آن واحد. وفي ظل المقاطعة التي يخوضها الشعب المغربي ضد بعض المنتوجات، وهي المقاطعة المرشحة كشكل راقي للاحتجاج للتطور لتشمل الكثير من البضائع الأخرى، بدأت تظهر ملفات مقلقة الى مستوى الخطر. ومن ضمن الملفات التي طفت الى السطح تقرير لجنة برلمانية يؤكد حصول شركات الوقود على 21 مليار درهم كأرباح نتيجة المؤامرة بينها في تحديد الأسعار بعد عملية تحرير الأسعار. وقدمت الدولة عملية تحرير الأسعار بمثابة المفتاح السحري لتخفيف الأسعار على المواطن المقهور من علاء المعيشة ودخول المغرب مرحلة متطورة من الليبرالية. وما حصل كان العكس، فقد تركت الدولة المغربية للشركات حرية التحكم في الأسعار، ومان كان يفترض بليبرالية متقدمة منتظرة لتطوير الحقل الاقتصادي المغربي خاصة في معاملات السوق، تحول الى ممارسات كارتيلات الإجرام مثل المافيا لا أقل بل ربما أكثر لأن المافيات تعمل خارج القانون وهاته الشركات تحت أنظار القانون. وكانت الطامة الكبرى هو تجميد مجلس المنافسة بعدم تعيين أعضاء جدد لتشهد الأوضاع تفاقما أكبر، وهو المجلس الذي يفترض فيه القيام بدور الشرطي الاقتصادي في مراقبة السوق لحماية الشعب. إن صمت الدولة المغربية مريب ومشكوك فيه ويجعلها شريكة في مؤامرة الشركات التي تصل الى مستوى الإجرام المنظم. وهو صمت يتعارض وشعارات المسؤولين بالدفاع عن مصالح الشعب والوطن، وإن كانت تصريحات هؤلاء المسؤولين سوى در للمراد في العيون بعدما باركوا بكل دناءة قانونية عملية أراضي خدام الدولة التي تعتبر بدورها عملية سرقة موصوفة. إن مبلغ 21 مليار درهم في ملف واحد، وهو ملف المحروقات، يعد اغتصابا لمصالح الشعب والوطن. فهذا المبلغ المالي كافي لإصلاح التعليم، وكافي لبناء عشرات المستشفيات الكبرى، وكافي لتمويل مشاريع الشباب المغربي حتى لا يموت في البحر ولا تخضع بعض نساءه للعبودية الجنسية كما يحدث في جنوباسبانيا والخليج ومناطق أخرى تحت قهر الزمان، وكافي لعقد صفقات أسلحة كبرى مثل شراء سرب أو سربين من مقاتلات ف 16 لتعديل الكفة مع الجزائر ضمن أشياء أخرى. إن ما يحدث من صمت الدولة بشأن اغتصاب ممتلكات الشعب والوطن يطرح تساؤلات مقلقة حول ماهية هذه الدولة ومؤسساتها ورؤيتها وغيرتها على مصالح الشعب والوطن في آن واحد ويتم التشديد على: لماذا لا تتحرك الدولة؟ إن ما يحدث من صمت يضفي مزيدا من الشرعية الأخلاقية قبل القانونية على مسلسل المقاطعة ليطول ويشمل قطاعات أخرى.