القطار في طفولتي كان قطار يمر كالبرق من أمام مدرستي ولما كان يمر كانت الريح تصفر فتطير عصافير صغيرة من داخل حقيبتي المدرسية. حجر كانت أمي تقول لي: " اجلس هنا على العتبة لا تتحرك…" فأصير حجرا… وأملأ عيناي بالتراب الآن، لما كبرت… لم أعد أسمع صوتها ياليتني كنت حجرا… في مطعم وحانة كوكودريلو في الحانة أصوات كالعاصفة أعمدة دخان كؤوس ورياح يحمل كأسا أحمرا من نوع " بوناسيا" ويسكر وحيدا يحمل – أيضا- ندبا في وجهه فتحيط به الفراشات الغيوم والكلاب… وحده البحر يتأمله في هدوء ويعلمه الاختلاف الذي لا رجوع منه. نورس وحيد في مطعم وحانة كوكودريلو لم أكن وحيدا… نافذة مفتوحة على البحر عشاق يتحادثون في احتشام ضبع أكول أسد يشرب الويسكي مائدتي نظيفة بيضاء كالقمر آكل سمكا طريا مخلوطا بصلصة حمراء مطبوخا في مقلاة سوداء. بقول… وزيتون أخضر أرز أصفر… وأطعمة دقيقة أخرى… أقول لحبيبتي:" أوه ! لنحتفل معا هذا المساء"… تضحك، وتقول: " نعم، أنا دائما معك"، وشرعت تأكل ذات السمك الطري المطبوخ في مقلاة سوداء. الوقت يمر كالقطار القمر يشع وسط السماء ينعكس ضياؤه على الرمل فأبصر من النافذة نورسا وحيدا ينتحب في صمت غير قادر على التحليق… غير قادر على التطويف… ربما، كان جريحا… ربما… فأحسست بأن قلبي ينبثق من فمي وقلت لحبيبتي: " لنغادر الآن هذا المطعم"… فلم تبتسم، ولكنها وافقت… غادرنا المطعم… امتطينا السيارة البيضاء القريبة من البحر وحين ألقيت نظرة على الرمل كان النورس الوحيد لا يزال غير قادر على التحليق… وغير قادر على التطويف…