في ظل احتدام الصراع بمدينة الحسيمة ما بين الساكنة التي تقود احتجاجات شعبية محفوفة بمطالب اجتماعية واقتصادية وما بين قوات الأمن، كثر الحديث عن دور الإعلام العمومي ومدى تأثيره في هذا الحراك الذي يشارك فيه عدد كبير من ساكنة أبناء الحسيمة، خصوصا وأن جل الأحداث أصبحت وجهت الأنظار العديد من المنابر الإعلامية الوطنية خصوصا الإلكترونية، أو الدولية. وأمام هذا التجاهل من طرف وسائل الإعلام العمومي لمواكبة المطالب الشعبية للمواطنين والمواطنات، ارتأت "شمال بوست"، أن تقربكم من وجهة نظر بعض الإعلاميين المغاربة حول الإعلام العمومي وكيفية تعاطيه مع الحراك بمنطقة الريف. عبد الرحيم بلشقر صحفي بيومية أخبار اليوم: احتجاجات شعبية لا يوجد صداها في الإعلام العمومي عبد الرحيم بلشقر أسجل تناقضا صارخا في تغطية الإعلام الرسمي للاحتجاجات الشعبية المتواصلة بإقليم الحسيمة، إذ في الوقت الذي تغلي بعض المناطق الترابية بالمملكة بغضب شعبي عارم، فإنه يكاد لا يوجد لصداها أي وقع في التلفزيون العمومي، وهذا تناقض يعكس الارتباط الوظيفي بين القنوات العمومية التي يفترض فيها الحياد، وبين السلطة التي لديها موقف معادي للاحتجاجات، وتكيل له تهم خطيرة من قبيل العمالة للخارج وتهديد سلامة ووحدة التراب الوطني، في محاولة لتسفيه شرعية مطالب اجتماعية صرفة. في البداية كانت القناتان الأولى والثانية إلى جانب ميدي آن تقوم بتغطية محتشمة للحركية الاحتجاجية، لكن ما لبثت أن غيرت طريقة تناولها لقضية الاحتجاجات، تارة بتغيبها بشكل كلي عن النشرات الإخبارية، وتارة أخرى تقوم بمواكبة إجراءات رد الفعل من طرف الحكومة، ووزارة الداخلية والسلطات القضائية، دون الاستماع إلى وجهة ممثلي الحراك بإقليم الحسيمة، ولا إلى وجهة نظر هيئة دفاع المعتقلين السياسيين، وهكذا يمكن القول أننا أمام توظيف مؤسسة الإعلام العمومي لإدانة المعتقلين على ذمة التحقيق في التهم المنسوبة إليهم، دون احترام لقرينة البراءة. إسماعيل عزام صحفي ب CNN عربي: الإعلام الرسمي بقي وفيا للتغطية الدعائية التي تخدم وجهة نظر السلطة اسماعيل عزام أعتقد أن الإعلام الرسمي بقي وفيا للتغطية الدعائية التي تخدم وجهة نظر السلطة أكثر ممّا هو نقل لما يجري في الحراك، فتقريبا باستثناء تغطية المسيرة التي أتت ردا على تصريحات الأغلبية الحكومية، لم يقم الإعلام العمومي بإعطاء نشطاء الحراك الفرصة في الكلمة، واعتمد هذا الإعلام في تغطية ما يجري على بلاغات النيابة العامة والأغلبية والحكومة، بشكل أفقد التغطية توازنها المفروض، وقدم وجهة نظر أحادية للأحداث. مشكلة ما يوصف بالإعلام العمومي في المغرب أنه إعلام رسمي ولم يستطع القيام بالخدمة العمومية المطلوبة حتى يصل إلى إعلام عمومي، كما أنه لا يزال يحافظ على الطرق الدعائية القديمة التي تعود لسنوات خلت، فالإعلام الدعائي تطوّر في أكثر من بلد وصار يستخدم تقنيات حديثة في تقديم الأخبار والبرامج عكس ما يجري بالمغرب. وما يؤكد هذا الأمر هو وقوع قناتين مغربيتين في فخ استخدام مشاهد قديمة لشغب جماهيري على أنها مخلفات احتجاج الحسيمة، فلا يمكن أبدا استدعاء مشاهد مغايرة في موضوع معين للحديث عن موضوع آخر، لأنك تربط بين حدثين مختلفين تماما، زيادة على أن القناتين لم تنوها المشاهدين إبان بث التقريرين، أن المشاهد قديمة، ممّا يعني وجود رغبة واضحة في تضليل المشاهدين. عبد الواحد ستيتو صحفي بهسبريس: هناك الكثير من التعتيم على الحراك عبد الواحد استيتو بالنسبة للإعلام العمومي فمن الواضح أن هناك الكثير من التعتيم على الحراك، وإن تم تناوله يحدث ذلك في عجالة وبرؤية أحادية من نفس زاوية النظر التي لم تتغير لسنوات دون إعطاء الفرصة للآخر للحديث والدفاع عن نفسه إلا فيما ندر، وأظن أن الإعلام العمومي كان سيلعب دورا هاما في التهدئة فعلا لو كان انفتح على زعماء الحراك ونشطائه منذ اليوم الأول، فكان سيشكل بذلك متنفسا لا بأس به للضغط الذي كان يتراكم تدريجيا.. تبدو أفكارا حالمة في عمومها، لأننا نعرف كيف تسير الأمور.. لكن، الإعلام العمومي يؤدي الثمن أثناء تعاطيه بهذا الشكل مع الحراك عبد الرحيم العسرى صحفي بموقع كشك: الإعلام العمومي مطالب بإعادة النظر في طريقة تغطيته لنبض الشارع المغربي عبد الرحيم العسرى بخصوص تغطية الإعلام العمومي لحراك الريف بمدينة الحسيمة، أعتقد أنها لم تكن في المستوى المطلوب، خصوصا من حيث إبراز الرأي والرأي الآخر، والتقيد بقواعد وأخلاقيات العمل الصحفي المهني. مثلا، في واقعة الإضراب العام تعمدت التلفزيون العمومي في إحدى تغطياته إلى إظهار الحياة كما لو أنها عادية، دون إعطاء الفرصة للداعين للإضراب أو للمتفقين معه، وهذا يعد في أخلاقيات المهنة تعتيماً إعلاميا يضع مصداقية القنوات العمومية على المحك، ناهيك عن جدل "فبركة" صور حراك الريف. الإعلام العمومي ممول من ضرائب المغاربة وعليه أن يمنح الفرصة اليوم للمغاربة سواء في الحسيمة أو مناطق أخرى للتعبير بكل أريحية عن تطلعاتهم ومشاكلهم، لأن الاستجابة لمطالب الحراك كما تدعي الحكومة ومؤسساتها تبدأ من هنا. اليوم الإعلام العمومي مطالب بإعادة النظر في طريقة تغطيته لنبض الشارع المغربي، خصوصا وأنه يساهم عن طريق التعتيم واللامهنية في هجرة جماعية للمشاهد المغربي نحو المواقع وشبكات التواصل الاجتماعي التي تشهد ثورة رقمية وانفجار معلوماتي غير مسبوقين، وبالتالي تساهم بدورها في تقليص نسب المشاهدة التي تعرف تراجعاً في ظل هجرة المغاربة نحو القنوات الأجنبية. حمزة المتيوي صحافي بيومية "المساء": حراك الحسيمة يعيد من جديد النقاش حول هوية الإعلام العمومي حمزة المتيوي حراك الحسيمة يعيد من جديد النقاش حول هوية الإعلام العمومي، والذي صار في الحقيقة إعلاما "رسميا" يمثل الدولة، أو بالأحرى جهة معية في الدولة، عوض أن ينقل قضايا المواطنين الذين يمولونه من ضرائبهم. تغطية وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية لهذا الحراك المستمر منذ 7 أشهر، كانت في الواقع دليلا آخر على أن المواطنين المغاربة في واد وهذا النوع من الإعلام في واد آخر، حيث اختار في فترات طويلة إغماض عينه عن قضية ناقشتها وسائل إعلام دولية لها تأثير عابر للقرات بكثير من الاهتمام كما يفرضه ذلك حجمها، وفي أحيان أخرى اختار الإعلام الرسمي المغربي أن ينحاز تماما لأطروحة الداخلية في تغييب تام للفاعل الرئيس في القضية وهم أهالي الحسيمة الذين صنعوا الحراك والذين يحق لهم إيصال رسالتهم المطالبة بحقوق اجتماعية واقتصادية عبر إعلام يدفعون ضريبته مجبرين. لكن ما أفقد الإعلام الرسمي المغربي آخر ورقات التوت التي كان يختبئ خلفها هو اللجوء إلى الفبركة لتشويه صورة المحتجين، متجاهلا أن وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات البديلة وكذا وسائل الإعلام المحافظة لنفسها على قدر معقول من الاستقلالية، قادرة على فضح مثل هذه المواد غير المهنية وغير الأخلاقية. باختصار، حراك الريف يؤكد مرة أخرى بشكل فاضح هذه المرة أنه لا يمكن الحديث عن إعلام عمومي حقيقي بالمغرب دون أن ترفع الداخلية يدها عنه، ودون أن يؤمن المسؤولون عنه بأنه تابع للوطن والمواطنين لا لأي طرف آخر كان رسميا أو غير رسمي. هشام العمراني موقع بديل: الإعلام لم يخرج عن عادته في ممارسة تظليل الرأي العام وتغليطه. هشام العمراني في البداية لا بد من التوضيح أن ما يقصد بالإعلام العمومي، هو ذاك الإعلام الذي يمول من أموال دافعي الضرائب من أبناء وبنات الشعب، وذلك من أجل تقديم خدمة عمومية تتجلى في احترام الحد الأدنى من الضوابط المهنية على الأقل، وهي الإخبار والتثقيف والتنوير. لكن من خلال تتبع الكيفية التي تمت بها تغطية حراك الريف عموما والأحداث الأخيرة خصوصا، يتضح حليا أن هذا الإعلام لم يخرج عن عادته في ممارسة تظليل الرأي العام وتغليطه من خلال نقل معطيات خاطئة عن ما يدور بالريف. وكمثال على ذلك ما أقدمت عليه القناة الأولى المغربية وقناة "مدي1تي في"، الشبه عمومية، من بث لشريط مفبرك يتضمن لقطات بها تخريب لممتلكات خاصة وعامة، لأحداث لا تمت بصلة لحراك الريف، وإرفاقها بربورتاج عن هذه الأحداث، تمت خلاله تلاوة بلاغ للوكيل العام للملك وبلاغ لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بهما تهما ثقيلة جدا، مما سيوحي للمتتبع البعيد عن الحدث، أن المتحدث عنهم مجرمين خطيرين يهددون الأمن العام. وهذا ليس بغريب عن هذا "الإعلام"، فهو أنشئ لهذه الغاية، وهي خدمة الأجندة الرسمية وتسيدها، ويجب أن لا ننسى أن هذا "الإعلام" العمومي بكل أصنافه هو عبارة عن فرع تابع لوزارة الداخلية بشكل مباشر سابقا، وبشكل غير مباشر حاليا. لكن الذي لم يستوعبه بعد الواقفين على هذا النوع من "الإعلام" العمومي، هو أن العالم يعيش في ظل ما يسمى " الإعلام المواطن"، أي أن كل مواطن له هاتف به كاميرا فهو ناقل للمعلومة، ومع الانتشار الواسع لشبكة الانترنت والهواتف الذكية ووسائط التواصل الاجتماعي سيصبح هذا الإعلام العمومي متجاوزا وعبء على الدولة، وذو نتائج عكسية عليها، وهو ما انتبهت له (الدولة) وسارعت إلى الدفع في انشاء العديد من المنابر "الإعلامية"، سواء إذاعات أو صحف أو مواقع إلكترونية، تحت مسمى "منابر مستقلة"، فيما هي تقوم بنفس الدور الذي تقوم به القنوات العمومية، لكن بأسلوب معاصر، وهنا تكمن الخطورة. والإعلام واجهة من واجهات الصراع من داخل المجتمعات لدى وجب التصدي بالفضح والتعرية لهذا النوع من "الإعلام" التضليلي لكشف الوجه الحقيقي لنظام الحكم، وسياساته اتجاه الشعب. محمد المساوي صحفي بأنوال بريس: بالإعلام العمومي هو مجرد اشاعة محمد المساوي بالنسبة لي كصحافي وكمتتبع، وبعيدا عن لغة الخشب، فما يسمى بالاعلام العمومي هو مجرد اشاعة، ليس هناك اعلام عمومي، هناك اعلام في يد السلطة توجهه كما تشاء، ولعل تعامله مع حراك الريف لم يخرج من هذه القاعدة؛ سبعة أشهر من المسيرات الشعبية السلمية تناقلت اخبارها جل القنوات التلفزية العالمية إلا القنوات التابعة للاعلام العمومي في هذا الوطن، أليست هذه مفارقة تغني عن أي سؤال… ما يسمى بالاعلام العمومي هو جهاز في يد السلطة يأتمر بأوامرها، ينقل وجهة نظر السلطة لا ما يقع فعلا في الواقع، والحالات القليلة التي نزل فيها هذا الاعلام الى الحسيمة كانت بأمر من السلطة لغرض في نفسها، من غير هذا فهذا الاعلام سجل غيابا تماما عن الحراك، وكأن لا شيء يحدث في هذا البلد، ولذلك كان المغاربة ينتظرون القنوات الاجنبية ليتابعوا اخبار الحراك والنقاش الدائر حوله، وهذا استخفاف بئيس بالمواطن المغربي الذي يؤدي الضرائب التي بها يموّل هذا الاعلام…