منذ انطلاق الحراك الشعبي بمناطق الريف، على إثر وفاة محسن فكري طحنا في شاحنة للنفايات، واستمراره لمدة تناهز سبعة أشهر، تميز الحراك بقيادة فريدة من حيث تنظيم وتأطير المحتجين، بالإضافة إلى سلمية الحراك، وكان ملفتا للانتباه العمل الكبير الذي تقوم به المواقع الإلكترونية المحلية وصفحات "الفيسبوك" التي ينشطها مدونين وصحافيين مواطنين، من خلال تقنيات البث المباشر لكل الأشكال الاحتجاجية، في ظل حصار إعلامي رسمي. الدور الذي لعبه الصحفيون المحليون في تغطيتهم للحراك، إلى جانب المدونين، أزعج السلطات الأمنية، فبعدما أقدمت على اعتقال رموز الحراك وقادته، اعتقلت ما يزيد عن 9 إعلاميين يديرون مواقع إخبارية محلية أو صفحات بمواقع التواصل الاجتماعي بالحسيمة ونواحيها، ويتعلق الأمر بكل من الزملاء محمد الأصريحي وجواد الصابري من موقع "ريف 24"، وعبد العلي حدو من صفحة "أراغي تيفي" والحسين الإدريسي من "ريف بريس"، وربيع البلق مراسل "بديل أنفو"، ومرتضى إعمراشا وفؤاد السعيدي من صفحة "أوار تيفي". الذين يوجدون اليوم رهن الاعتقال الاحتياطي بالبيضاء ويتابعون بتهم ثقيلة بمقتضيات القانون الجنائي ومنهم من يتابع بقانون الإرهاب. مطاردات ومنع الصحافة الدولية والداخلية تتابع نشطاء "الفيسبوك" لم تسلم الصحافة الدولية، من مطاردة الشرطة، ومن الحصار المفروض على معاقل الاحتجاجات بالريف، خصوصا بحي سيدي عابد بالحسيمة، وبإمزورن المدينة التي تبعد عن الحسيمة ب15 كلم، حيث تعرض بعض منهم لمضايقات حالت دون نقلهم للأحداث بشكل مستمر، بالإضافة إلى التدخلات الأمنية العنيفة التي لم تراعي في بعض الأحيان مهمة العمل الصحفي. السلطات أقدمت كذلك على منع برنامج تلفزي كان من المقرر أن تبثه قناة "فرنس 24" ويتداول الحراك بمناطق الريف، وهو ما أثار استياء عدد كبير من المتتبعين للشأن الإعلامي ولحريات التعبير. من جانب آخر، خرجت وزارة الداخلية، للرد على التفاعل الكبير والتضامن الواسع مع الحراك الشعبي بالريف على المواقع الاجتماعية، عندما أصدر عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية السبت الماضي بلاغا وصفه "منتدى الكرامة لحقوق الإنسان" بأنه "محاولة للتضييق على حرية التعبير"، حيث أعلن الوزير في بلاغه عن متابعة كل من ينشر صور وصفها ب"المفبركة" لها علاقة بحراك الريف. منجب: وصلنا إلى الحضيض والسلطات تمول صفحات ومواقع للتشهير بالمناضلين الحراك الشعبي بالريف، الذي يصفه بعض المتتبعين ب"الربيع المغربي"، أفرز قيادة ناصر الزفزافي الذي لم يسلم رفقة نشطاء آخرين من حملات تشهيرية ممنهجة تقف وراءها جهات مجهولة. المعطي منجب، رئيس جمعية "الحرية الآن" التي تهتم بحريات التعبير والإعلام بالمغرب، يرى أن تلك الحملات مقصودة وتتم عبر تمويلات ضخمة من الصناديق السوداء بهدف تشتيت الحراك. منجب قال في اتصال مع موقع "لكم"، إن التضييق على حرية الإعلام والرأي بدأ منذ سنة 2013، وأن تأسيس جمعية الحرية الآن التي تتعرض لمضايقات من قبل السلطات المغربية، كان الهدف منه الرد على هذه التراجعات الحقوقية والتي تميزت بقمع المظاهرات والتحكم الإعلامي عبر السيطرة على أموال الإشهار وتوجيهه إلى مؤسسات معينة للقيام بالتشهير في حق المناضلين والضغط على الإعلاميين المستقلين". وأضاف منجب، أن أسلوب التشهير الذي تعتمده السلطات جعل بعض المناضلين يتراجعون عن دعم حراك الريف بعدما تم تهديدهم بالتشهير، معتبرا هذا الأسلوب يتم وفق سياسية عمومية ترصد لها الملايين. وتابع منجب القول: "ما يمكن قوله هو أننا اليوم وصلنا إلى الحضيض خصوصا في 20 سنة الأخيرة، والإعلام لم يعد يقم بمهمته بسبب الحصار الممارس عليه". البقالي: حرية التعبير تعرف تراجعات مقلقة من جهته اعتبر عبد الله البقالي، رئيس النقابة الوطنية للصحافة، في تصريح لموقع "لكم" أن حرية التعبير والإعلام بالمغرب يشهد تطورات جد مقلقة، خصوصا وأن المشهد الإعلامي يعرف تراجعات مؤلمة. البقالي، عبر عن أسفه عندما "تحول الإعلام العمومي الرسمي إلى فاعل سياسي في مواجهة الحراك شعبي بالريف، بالإضافة إلى تكثل بعض الصحافة المستقلة لمناصرة وجهة نظر وحيدة تروجها السطات". وتساءل رئيس النقابة الوطنية للصحافة، عن سبب اعتقال مجموعة من الصحفيين الذين ينشطون في مواقع محلية بالحسيمة بتهمة "انتحال صفة صحفي"، بالرغم أن الآلاف الذين يشتغلون بالمواقع الإخبارية بالمغرب لا يتوفرون على بطائق صحفية، وبالرغم أن سند الملاءمة لن يتم اعتماده حتى 15 غشت المقبل". وعبر المتحدث عن استغرابه، لما أقدمت عليه وزارة الداخلية عندما أصدرت بلاغا تحذر فيه مستعملي "الفيسبوك" والمواقع الإلكترونية من نشر صور "مفبركة"، وأنه كان من الأولى أن يشمل التحقيق قناتي "الأولى" و"ميدي 1 تيفي" اللتان روجتا لصور مفبركة عن حراك الحسيمة. وقال البقالي إن هناك عملية تحريض ممنهجة ضد أي فاعل سياسي يدلي بدلوه في حراك الريف ويتم استهدافه عن طريق التشهير أو التحريض ضد أفكاره، مشيرا إلى أنه حتى وكالة المغرب العربي للأنباء يتم تسخيرها لمناصرة وجهة نظر وحيدة وواحدة. المئات من الصحفيين المغاربة يطالبون بالإفراج الفوري عن إعلاميي الحراك في السياق ذاته، أطلق المئات من الصحفيين المغاربة، من مختلف وسائل الإعلام الوطنية والمحلية والدولية، عريضة للمطالبة بالحرية للصحفيين المعتقلين بالريف ومن أجل توفير الحماية للإعلاميين خلال تغطية الحراك. العريضة اعتبرت متابعة صحفيين مهنيين وصحفيين مواطنين خرقا سافرا لكل المواثيق الدولية والقوانين المغربية التي تضمن حرية الرأي والتعبير وكذا ممارسة حرية الصحافة والحق في الوصول للمعلومة. وأوضحت العريضة أن "التعامل الأمني للدولة مع هؤلاء الزملاء جاء نتيجة تغطيتهم للحراك الشعبي بالحسيمة ونواحيها من خلال مواقعهم الإخبارية والنقل المباشر عبر صفحات التواصل الاجتماعي".