نجلاء ورجاء شقيقتان تطوانيتان اختارتا دراسة الميكانيك من أجل كسر الصورة النمطية – التي يستسلم لها المجتمع عن المرأة – من حولهما، تحلمان بفتح مرآب للميكانيك خاص بسيارات النساء، وذلك لتمكينهن من إصلاح السيارات دون الاعتماد على وسيط ذكر، كما أنهما تهدفان إلى مساعدة المرأة على تعلم كيفية الاعتماد على نفسها من أجل مراقبة وصيانة سياراتهن. صحيفة "الموندو" الإسبانية سلطت الضوء على هاتين الحمامتين اللتين اختارتا اقتحام عالم الميكانيك الذكوري بامتياز، غير معيرتان أدنى اهتمام لبقع الشحم والزيت التي ستكسو ملابسهما وسط أزقة حيهما الشعبي البسيط. كسر النظرة النمطية كانت نجلاء ورجاء الفتاتان الوحيدتان وسط فوج زملائهم بشعبة الميكانيك التي درستاها بإحدى مراكز التكوين لمدينة تطوان، وبحكم أن الآباء عادة لا يقبلون فكرة توجه بناتهم للعمل في وسط يكتسحه الذكور، فقد كان الأمر برُمته يدعو إلى الغرابة وسط بيئتهما التي تحوي أشخاصاً محدودي الأفق. تمر نجلاء ورجاء الأشقر بشوارع تطوان متجهتان إلى درسهما بصف الميكانيك بكل اعتزاز، مرتديتان بذلتهما الرمادية وقد ابتلّت أيديهما الناعمة ببقع البنزين الداكنة. "اخترت مهنة الميكانيك لكسر الحواجز المفروضة على النساء، واقتحام مجالات بقيت لزمن طويل حكرا على الرجال"، تقول نجلاء مبتسمة، وهي التي أنهت لتوها سنتها الأخيرة من التدريب. مرآب الأميرة تحلم نجلاء بفتح مرآب لإصلاح السيارات خاص بالنساء، على أن يتم تصميمه بلمسات أنثوية خاصة، تطليه باللون الوردي، ثم تطلق عليه إسم "الأميرة"، حيث تستطرد: "نريد فتح المرآب في وجه كل النساء اللواتي تضطررن لطلب المساعدة من إخوانهن أو أزواجهن لجلب سياراتهن للغسل أو الإصلاح". سيتم تمويل مشروع الشقيقتين الميكانيكيتن من قبل منظمات محلية غير حكومية بدعم من "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (Usaid)"، إذ تقول نجلاء بثقة:"سنخصص المرآب للنساء ،ونعلمهن كيفية الاعتناء بسياراتهن دون اللجوء لمساعدة الرجل، كتغيير الإطارات أو البنزين، ثم تضيف: "أسهل شئ هو تغيير الإطارات، خطؤنا نحن النساء أننا لا نقوم بالمحاولة.. هذا كل شيء !" نشأت الشقيقتان رفقة 9 إخوة آخرين بأحد الأحياء الشعبية لمدينة تطوان، أكثر المدن تضررا من ظاهرة هجرة الشباب المغربي للقتال في سوريا والعراق، إذ غادرها حوالي 1500 شاب للالتحاق بصفوف تنظيم داعش الإرهابي، وفقا لدراسة أجرتها "The Soufan Group"، ووسط هذا الجو المضطرب والمشحون بالسواد، كانت الفتاتان على ثقة أنهما بهذا التغيير المُفاجئ والجرئ الذي تطمحان إلى الخوض في تفاصيله، قد تدفعان الشباب الفاقد للأمل إلى التفكير مُجدداً في المستقبل. طموح بلون الشحم حضور نجلاء ورجاء الأنثوي في دورة تكوين الميكانيك شجع فتيات أخريات على الالتحاق بالصف الذي يكتسحه الحضور الذكوري، غير أنهن لم تكملن السنة، وذلك بسبب الضغوط التي تتعرض لها النساء الشابات في المجتمعات المحافظة، عندما تحاولن دخول مجال يهيمن عليه الذكور. وتؤكد الشقيقة الصغرى نجلاء على ضرورة التغلب على الضغوط الاجتماعية التي يمارسها من يعتقدون أن مجال الميكانيك حكرٌ على الرجال، حيث تقول: "كان الانتقال من الدروس النظرية إلى التطبيق صعب للغاية، ومعظم الأسر لا تشعر بالارتياح حيال ولوج بناتهن هذا الميدان". في الوقت الذي يعتقد فيه الكثيرون أن "مرآب الأميرة لإصلاح السيارات" مجرد وهم أو طيش شباب لا أكثر، يعبثان بمُخيلة الشابتين الطموحتين، لم تتوانَ الميكانيكية الجديدة نجلاء عن التواصل مع مرشدة الجمعية الأمريكية التي أعلنت تبنيها للمشروع، لتشكرها في رسالة قصيرة عبر "الواتساب" على مشاركتها في رسم ملامح هذه القصة، ولإبلاغها بتفاصيل الإعلان عن فتح الورشة بمدينة تطوان رفقة شقيقتها رجاء. لتستمر أجنحة هاتين الحمامتين في الرفرفة ونثر الأمل، ببدلتيهما الرماديتين مطلوقتان نحو تحقيق حلمهما بأن تكونا أول أميرتان في مملكة الميكانيك الذكورية، إذ حتى بقع الشحم والبنزين السوداء التي تكسو أيديهما، سرعان ما تتألق حين تمرّان بشموخ بين أزقة تطوان الضيقة.