يتذكر وزير الخارجية محمد بن عيسى تلك اللحظات العصيبة قائلا : " الجنرال حسني بنسليمان أول من اتصل بي ليخبرني بوصول أفراد القوات الإسبانية إلى الجزيرة، وأخبرني أيضا أنه أبلغ جلالة الملك بالأمر، وصربنا موعدا للقاء، وفي حوالي الساعة السادسة صباحا اجتمعت بمقر وزارة الخارجية أنا والجنرال حسني بنسليمان وإدريس جطو وزير الداخلية، والجنرال احميدو لعنيكري المدير العام للأمن الوطني، والجنرال أحمد الحرشي وزير الاستخبارات العسكرية، وتحدثنا في المسائل الأمنية التي أدلى بها كل طرف برأيه لمواجهة التطورات، وأيضا تحدثنا حول العرض الذي سنقدمه لجلالة الملك ". وكانت تلك خلية الأزمة التي تشكلت من مسؤولين سياسيين وعسكريين لبحث الرد على قيام إسبانيا باحتلال جزيرة ليلى، وكان استبعاد رد عسكري أمرا محسوما منذ البداية، كان الخبر أشبه بالصاعقة بالنسبة للمغاربة الذين استفاقوا على خبر صادم، ولم يصدقوا تصرف جيرانهم الإسبان، فمنذ الاستقلال لم يسبق أن وصلت العلاقات بين الرباطومدريد إلى مستوى إشهار الأسلحة وقرع طبول الحرب. وهي نفس الصدمة التي عبر عنها إسماعيل العلوي، الأمين العام لحزب التقدم والإشتراكية السابق، المشارك في الائتلاف الحكومي، عندما قال لحظتها : " أنا مذهول، وكأنني أحلم، نحن نعود إلى عصر المدافع ". ظل هاتف وزير الخارجية بن عيسى يرن دون جواب، وكان المتصل هي وزيرة الخارجية آنا بلاثيو، " اتصلت بي عدة مرات في اليوم الأول للتدخل العسكري، لكنني قررت عدم الرد على مكالمتها ". في نفس اليوم سينعقد مجلس وزاري إستثنائي ترأسه الملك محمد السادس لتدارس تطورات بعد التدخل العسكري الإسباني، وسيصدر بعد المجلس بيان شديد اللهجة تم توزيعه على وسائل الإعلام يعتبر فيه المغرب " أن لجوء مدريد للقوة لإخراج الجنود المغاربة الموجودين بجزيرة ليلى ليس له ما يبرره ويتنافى مع قواعد العلاقات الدولية ". وأن " ما قامت به إسبانيا يعد مساويا ل " إعلان حرب ". وأعلن البيان أن المغرب لجأ إلى مجلس الأمن الدولي ودعا أيضا الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي إلى التدخل بشأن هذا " العدوان " الإسباني، وتابع البيان أن المغرب باشر أيضا " بشكل ثنائي اتصالات مع العديد من الدول الشقيقة والصديقة التي تتابع تطور الوضع ". ويسترجع بن عيسى تلك اللحظات مع المؤلف : " قال لي جلالة الملك في اليوم الأول للأزمة إن الجو تغير في إسبانيا، وطلب مني عقد لقاءات مع عدة محطات تلفزيونية بالإسبانية لشرح الموقف المغربي، وخصوصا قناة CNN بالإسبانية، وطلب مني جلالته أن أقول كل شيء في الندوة الصحافية، التي عقدتها مساء نفس اليوم، عما دار بيني وبين وزيرة الخارجية الإسبانية قبيل الإنزال العسكري، وطلبت من الطيب الفاسي ان يحضر معي الندوة من باب التضامن وأيضا لأنني قررت أن تكون الندوة باللغة الفرنسية، ولم أستعمل اللغة الإسبانية في الإجابة عن الأسئلة قاصدا ". وبالنسبة إلى وزير الخارجية المغربي، الذي يعرف عقلية الإسبان ويتحدث لغة قشتالية راقية، فإن سياسة استعراض العضلات العسكرية لم تعد وسيلة لإقامة علاقات التعاون والصداقة بين الدول، فقد كان مزعجا جدا انتشار القوات البحرية الإسبانية على مسافة طويلة بالقرب من السواحل الشمالية المغربية، واختراق الطائرات العسكرية لمدريد الأجواء المغربية خلال الأيام التي سبقت التدخل العسكري. وأعلن في نفس اليوم عن إلقاء الملك محمد السادس خطابا حول التطورات في زيرة ليلى، وهو الخطاب الذي ألقي بعد ذلك، في نهاية الشهر بمناسبة عيد العرش، واكد على مغربية جزيرة ليلى، وطرح مسألة سبتة ومليلية مجددا… وفي ظهر نفس اليوم أيضا، علق مجلس النواب أشغال جلسته العمومية العادية المخصصة لجواب الحكومة على الأسئلة الشفهية الأسبوعية، لبحث آخر مستجدات جزيرة ليلى، مثلما أن أجهزة مكتب مجلس النواب ومجلس المستشارين وكل الفرق النيابية، عقدت اجتماعا طارئا لمناقشة نفس القضية، حيث انعقدت لجنة الخارجية والدفاع الوطني للمجلسين في المساء بتنسيق تام بين رئيسي مجلسي البرلمان والمستشارين عبد الواحد الراضي ومصطفى عكاشة وبحضور وزير الخارجية محمد بن عيسى للخروج بموقف موحد. وبقي جميع الحاضرين مشدوهين وهم ينصتون مساءا إلى خطاب بن عيسى حول تفاصيل مكالمته مع آنا بلاثيو. عبد الواحد الراضي، رئيس مجلس النواب وقتها، الذي كان يستمع إلى خطاب بن عيسى في البرلمان خلال ذلك اليوم المشهود، يحكي للمؤلف قصة " علاقة ودية " جمعته مع فيدريك وتريو حينما كان رئيسا للبرلمان الإسباني والذي كان يتحدث بشكل إيجابي عن المغرب، ويتذكر الراضي تلك اللحظات، " قبل الأزمة كان الجميع يدعو غلى الحوار مع المغرب وساهم " تريو " شخصيا إلى جانبي في تأسيس لجنة الصداقة المغربية – الإسبانية البرلمانية نهاية التسعينيات من القرن الماضي، لكني فوجئت بتصرفاته عندما صار وزيرا للدفاع، كيف لعب شخصيا دورا كبيرا في أزمة جزيرة ليلى، وأتذكر أن تريو كان مقربا جدا من أثنار ". وفي مدريد، ساعات بعد التدخل العسكري، كان على وزير الدفاع فيدريكو تريو، ووزيرة الخارجية آنا بلاثيو، أن يقدما تفسيرا للجنة الخارجية في البرلمان حول التدخل العسكري الفريد من نوعه الذي تم في الجزيرة، واختار وزير الدفاع عبارة من رواية " دون كيشوت " للكاتب الإسبانيا " ميغيل دي سرفانتيس " ليصف بها العملية العسكرية بقوله : " فجرا، وعندما كانت رياح الشرقي تهب بقوة، خرجت خمس طائرات مروحية لاستعادة جزيرة بيريخيل " وهو ما اثار ضحكات عالية في صفوف بعض لنواب الحاضرين، فيما بدا زعيم الحزب الاشتراكي لويس رودريغيث ثباتيرو، منزعجا من كلام وزير الدفاع تروي، ولم ترتسم على شفتيه أية ابتسامة، وفق ما يظهره شريط فيديو بث لاحقا على موقع " يوتيوب " وسيكشف ثباتيرو عن شعوره عندما سخر من العملية العسكرية، وهو رئيس للحكومة، في البرلمان الإسباني بعد سنوات من وقوعها. أما بلاثيو التي كانت تسلمت منصبها قبل أربع وعشرين ساعة من اندلاع الأزمة مع الرباط، فقد قالت أمام أعضاء اللجنة البرلمانية أن " الحكومة الإسبانية تعتزم إنهاء العملية العسكرية في جزيرة بيريخيل في أقرب وقت ممكن " وأضافت في مداخلة امام لجنة برلمانية رفقة وزير الدفاع أن " الحكومة لا تعتزم الإبقاء على تواجد عسكري دائم في الجزيرة ". وحتى بعدما اتخذ أثنار قرار التدخل العسكري في الجزيرة، فقد ظل متخوفا من فشل العملية وأفشى بذلك لوزير دافعه الذي سرد في مذكراته، كالتالي : " ماذا سيحصل لو ان العملية فشلت، قال لي رئيس الحكومة، معيدا نفس السؤال الذي طرحه عليه الجنرال أندرو واجبته : – هذا امر غير وارد سيدي الرئيس، أريد القول أنه خلف قوات العمليات الخاصة هناك قوات مستعدة لأخذ الجزيرة في جميع الاحوال، من اللازم توقع الأمر على هذه الشاكلة، لأننا لا نعلم بالضبط عدد المغاربة الذين سنواجههم، المشكلة التي سنواجهها مرتبطة بعناصر الجيش الموجودين حاليا في عطلة. – إذن ؟…، أجاب أثنار. – الرئيس يمكنه إقالتي، وفي حال فشل العملية، سأتحمل كامل مسؤولتي ". يتبع