إنقطعت المفاوضات الدبلوماسية بين بلاثيو وبن عيسى بمجرد انتهاء المكالمة، كان الأمر أشبه بالركض في حلقة مفرغة، لأنه في تلك الأثناء التي تحدثت فيها بلاثيو إلى بن عيسى، كان التدخل العسكري الذي خطط له أثنار وفريق العسكريين، على رأسهم وزير الدفاع فيدريكو تريو، قد إنطلق فعلا. يعيد بن عيسى نسج خيوط ما جرى، في مقابلة له مع المؤلف، بعد مرور 12 عاما على الأزمة، قائلا : " في الوقت الذي كانت فيه بلاثيو تهاتفني فجراً، كانت العملية العسكرية لاحتلال جزيرة ليلى قد إنطلقت، ولم تكن هي على علم بالأمر، لقد طلبوا منها إشغالي لكسب الوقت ". تكشف هذه الواقعة أن آنا بلاثيو لم تكن رقما صعب في معادلة الحكومة رغم شغلها منصبا حساسا، وكانت أرقام أخرى داخل قصر المونكلوا تدبر كل شيء بسرية تامة وبعيدا عن بلاثيو التي لم تجلس حتى داخل مكتبها بوزارة الخارجية الإسبانية، فبدت تائهة تنفذ ما يطلب منها وسط إعصار وضعها حظها العاثر في عينه. من داخل قصر المونكلوا إتصل أثنار بوزيره في الدفاع تريو وكان محاطا بعدة مسؤولين عسكريين وقال لهم : " وزارة الدفاع أعطوا تعليماتكم للمسؤولين العسكريين بتنفيذ العملية وقولوا لهم إنهم يحظون بكل ثقة ودعم الحكومة، فليرافقهم الرب وليعودوا بالنصر ". وقرر أثنار متابعة العملية من المونكلوا وشدد على ضرورة إخباره بشكل مباشر بجميع التفاصيل، كانت تلك حربه الخاصة التي يقودها ضد جار طالما اعتبره ضعيفا أمام عظمة إسبانيا المتنامية، وقرر الإشراف على دقائقها، فيما ظل تريو بقاعة متابعة العمليات الدفاعية بوزارة الدفاع يشرف على سير العملية بحماس كبير. وفي الساعة الرابعة فجرا بتوقيت إسبانيا، من يوم 17 يوليوز إنطلقت العملية وطلب من دوريات الحرس المدني التي كانت في المنطقة التراجع واتخذت جميع البواخر الحربية مواقعها في البحر، إذ تموقعت الفرقاطة " كاستيا " في خليج قادس والفرقطتان المتبقيتان " نبارا " و" نومانسيا " والطرادات في الخلف ما بين سبتة ومليلية، فخلال نهاية الأسبوع كانت البحرية الإسبانية قد أرسلت عددا من الفرقطات إلى المياه القريبة من الجزيرة ببعثها للفرقاطة " نبارا " و" نومانسيا " والطرادات " إنفنتا إلينا " و" كاثاردو " والغواصة " تارمونتا " ولتكتمل قطع " البازل " أرسلت عشية يوم الأربعاء 16 يوليوز الباخرة الحربية " كاستيا " من قاعدة " روتا " بخليج قادس بهدف تنسيق العمليات البحرية والبرية والجوية، ناهيك عن نظام المراقبة ( SIVE ) الذي يمكن من رصد جميع التحركات بمضيق جبل طارق. وبعدما جاء الضوء الأخضر من المونكلوا إنطلقت المروحيات تحمل أفراد القوات الخاصة المعروفة ب (3 GOE ) من قاعدة " مورون دي لا فرونتيرا " قرب إشبيلية والتي تتقاسمها إسبانيا مع الولاياتالمتحدة، كانت سرعة الرياح 35 عقدة وفق المعهد الوطني للأحوال الجوية الإسباني، وكانت رياح الشرقي القوية إحدى عوامل الخطر في العملية. وفي الساعة السادسة صباحا، الرابعة بتوقيت المغرب، كانت المروحيات تحلق فوق سماء الجزيرة الخضراء، وفي الساعة 6.21 دقيقة تمكنت ثلاث مروحيات من نوع ( Cougar ) من الوقوف فوق الجزيرة ونزل منها 28 جنديا من القوات الخاصة يتقدمهم رئيس الفرقة وكانت المروحية الرابعة وهي التي تدير العملية، في حين كانت مروحيتان من نوع ( HU-10) تطوفان بالجزيرة ذهابا وإيابا لرصد كل تحرك أو هجوم مباغث. وكانت المروحية الأخيرة مزودة بمكبرات للصوت ووجهت إنذارا للجنود المغاربة للاستسلام بالعربية والإسبانية والفرنسية، كل شيء تم بسرعة قبل أن تتم السيطرة على الجزيرة بالكامل ورفع العلم الإسباني عليها الساعة السابعة والنصف بتوقيت إسبانيا. ظل أثنار مهتما برفع العلم على الصخرة أكثر من أي شيء آخر، ولم يبد رجال الدرك المغاربة الستة الذين كانوا في دورية حراسة الجزيرة الصغيرة أية مقاومة تذكر، فتم اعتقالهم ونقلهم إلى مدينة سبتة بطريقة صورها الجيش الإسباني بعدما وضعت أكياس لتغطية رؤوسهم حيث تم تسليمهم إلى السلطات المغربية في الساعة العاشرة صباحا عبر معبر تاراخال بمعية الأسلحة المحجوزة، وكانت تلك الصور التي نشرت مهينة للشعور العام للمغاربة. أخطر لحظة في التدخل العسكري هي عندما إقتربت إحدى المروحيات كثيرا من سطح الجزيرة الصخري، فارتطمت إحدى شفراتها بحجر طائر، أما الإصابة الوحيدة فقد سجلت في صفوف أحد أقراد القوات الخاصة (3 GOE ) الذي أصيب في ركبته أثناء الفقز من المروحية التي كانت تحركها الرياح بشدة، وكات تلك هي الإصابة الوحيدة في تدخل عسكري سريع لم تطلق فيه أية رصاصة. بعدها مباشرة توصلت قاعة العمليات الدفاعية من الفرقاطة البحرية " كاستيا " التي كانت تنسق العمليات البرية والجوية والبحرية، برسالة تقول : " قد وضع العلم الإسباني فوق الجزيرة، وهي تحت السيطرة " وعلى الساعة 7.59 دقيقة، رفع وزير الدفاع تريو سماعة الهاتف ليبلغ أثنار النبأ " انتهت المهمة سيدي الرئيس ". أبلغ تريو المسؤولين العسكريين عبر مكبر للصوت تحايا أثنار لهم على العمل الذي قاموا به، وسيأخذه الحماس بعدها، ليصيح : " عاشت إسبانيا " ثم دعا إلى حضور قداس في كنسية وزارة الدفاع صباح نفس اليوم. يتبع