كنا ننتظر من رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران أن يقنعنا بجدوى الزيادة في أسعار المحروقات ويشفي لنا الغليل، ويجعلنا ننام قريري العين بعد أيام من الصخب، لكنه وكعادته فضل تمرير خطاب شعبوي، لن يزيد الوضع إلا تأزما، بل أكثر من ذلك وفي الوقت الذي كان فيه المغاربة ينتظرون تصريحات مسؤولة من رئيس الحكومة يبرر بها الزيادة الكارثية فضل الإطناب في الخطاب من خلال اعتماد خطاب الأحجيات، وهو أمر أثار كثيرا من الحنق على رئيس الحكومة الذي منحه الدستور الجديد كثيرا من الصلاحيات.
والواقع أننا كنا سنعذر بنكيران لو أنه قال للمغاربة إنه يجهل الإشكالات الإقتصادية وهو القادم من عالم الفيزياء والدعوة، لكنه عكس المنتظر عمل على تبخيس الدورة الإقتصادية وهو يحسب كم سيوفره له صندوق المقاصة مستقبلا، وكأن أرقام الميزانية العامة تعالج بكل هذه البساطة والتسطيح التي اعتمدها بنكيران، فصندوق المقاصة ورغم أهميته لا يمثل سوى جزء من الميزانية، صحيح أن يحمل نفقات الدولة كثيرا لكن إلغاؤه ستكون له عواقب خطيرة مستقبلا، ويمكن أن يشكل إلغاؤه إيذانا بأوقات عصيبة ستأتي على الأخضر واليابس فقط لأن بنكيران قرر الزيادة في أسعار المحروقات وطلب من المغاربة تقبل الأمر بصدر رحب.
وحتى يزيد في تعميق الإحساس بالبساطة الفكرية، سرد أمثلة دول متخلفة من قبيل جيبوتي، أو أخرى تعيش أزمة خانقة تكاد تذهب بها مثل اليونان، ولأن بنكيران فرض الأمر الواقع على المغاربة فإنه فكر في طريقة مثيرة لتبرير كل ما فعله من خلال وعد قدمه للأسر المغربية بمنحها 500 درهم في الشهر شريطة أن تكون مسجلة في نظام راميد، لنصبح أمام حملة انتخابية سابقة لأوانها، يقودها رئيس الحكومة لفائدة حزبه العدالة والتنمية.
كان بإمكان بنكيران أن يعفي نفسه ومعه المغاربة من كل هذا الوجع والألم الذي تسبب فيه، لو أنه ظل مستترا ولم يظهر بتلك الصورة العبثية، على الأقل كنا سنستمر في اجترار الخيبة دون أن يفرض علينا وجه بنكيران، لكن والحال كما عاينا فإن مصيبتنا كانت أعظم، لأننا شاهدنا كيف أن رئيس حكومة يتحول في زمن العبث السياسي إلى بقال يحسب ميزانية الدولة بكم سيتبقى لنا، لو أننا ألغينا صندوق المقاصة.
ما فعله بنكيران ليس سوى بروفة للقادم من الأيام حيث سيحمل رئيس الحكومة معه "زرواطة" يضرب بها كل من عارض توجهاته، وقد رأينا كيف مارس القمع على الصحفي جامع كلحسن فقط لأنه حاول إثارة القضايا الحساسة التي يثيرها الشارع المغربي، وهي قمة البيروقراطية والتحكم التي ظل يواجهها بنكيران حين كان في المعارضة.