بات الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق وشيكا، بعد رفض مجلس العموم مساء أمس الثلاثاء، لمسودة الاتفاق حول بريكسيت، ليزج بالعلاقات الأوروبية – البريطانية في أتون المجهول. كما كان منتظرا، صوت النواب البريطانيون بغالبية ساحقة (432 صوتا مقابل 202 (ضد اتفاق بريكسيت الذي توصلت إليه لندنوبروكسل ليترك مصير الخروج من الاتحاد معلقا .
وشكل تصويت مجلس العموم البريطاني ضد مسودة بروكسل هزيمة بالنسبة لرئيسة الوزراء تيريزا ماي التي ظلت متشبثة بأمل الموافقة على مشروعها حتى آخر لحظة، من أجل التخفيف من وطأة مغادرة الاتحاد الأوروبي بعد 40 سنة من العضوية فيه.
وأكدت ماي أنها ستمتثل إلى قرار مجلس العموم، لكنها عابت عليه في نفس الوقت، افتقاده لرؤية واضحة بخصوص الطريقة الأمثل للانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
وقالت في هذا الصدد "من الواضح أن المجلس لا يؤيد هذا الاتفاق لكن التصويت هذه الليلة لا يكشف ماذا يؤيد".
ويبدو أن ملف بريكسيت قد بعثر أوراق الحكومة البريطانية التي يبدو أنها تعيش حالة من الانقسام غير المسبوق. فقد أظهر تصويت أمس انشقاقا واضحا في صفوف الأغلبية حين صوت عدد من المحافظين إلى جانب نواب الحزب العمالي المعارضين لاتفاق بريكسيت، وهو ما قد ينعكس بدون شك على أداء الحكومة.
وبالفعل، لم يفوت زعيم المعارضة العمالية جيريمي كوربن، الفرصة عندما أعلن مباشرة بعد تصويت مجلس العموم عن تقديم مذكرة لحجب الثقة عن حكومة تيريزا ماي، والذي وصف هزيمة الحكومة في عملية التصويت بأنها "كارثية".
وعلى الرغم من أنه من المستبعد جدا أن يؤثر مقترح حجب الثقة هذا على استمرار حكومة تيريزا ماي، بحكم توفر هذه الأخيرة على أغلبية مريحة بمجلس العموم، إلا أن هذا المقترح قد يساهم في إضعاف حكومة ماي بشكل أكبر، خاصة وأن هذه الأخيرة مدعوة إلى تقديم خطة بديلة ، بعد ثلاثة أيام، طبقا لتعديل قانون البريكزيت الذي تمت المصادقة عليه الأربعاء الماضي.
وللتخفيف من هذا الضغط، وعدت ماي النواب بتعميق المشاورات والمحادثات على أمل التوصل إلى اتفاق يحظى بدعم كاف من مجلس العموم قبل حوالي شهرين من دخول بريكسيت حيز التنفيذ في 29 مارس المقبل.
غير أن تعنت النواب المؤيدين والرافضين للخطة على السواء، بين من ينادون بالبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي، وبين أنصار الخروج الصعب بدون اتفاق، قد يحكم على أي مقترح جديد بالفشل في ظل غياب أرضية للتوافق بين الطرفين.
ومن بين النقط الشائكة في هذا الملف، الإجراء الذي يبقي على الحدود مفتوحة مع إيرلندا وهو ما يجبر بريطانيا على التقيد بقواعد الاتحاد الأوروبي التجارية، حتى توقيع لندنوبروكسل شراكة اقتصادية جديدة وهو ما يمكن أن يستغرق العديد من السنوات.
صعوبات التوصل إلى مخرج يزيد من حدتها، أيضا، رفض الأوروبيين لأي مفاوضات جديدة بخصوص اتفاق الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي، حيث باتوا مقتنعين بأن انسحابا بدون اتفاق يبقى السيناريو الأكثر احتمالا. كما أن الاتحاد الأوروبي مقبل على أجندة مكثفة خلال الأشهر القادمة، على رأسها إعادة انتخاب برلمان أوروبي جديد.
فقد أكد رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر ، مباشرة بعد الإعلان عن نتائج التصويت أن الاتحاد الأوروبي سيبدأ تكثيف استعداداته لاحتمال خروج بريطانيا من الاتحاد دون التوصل إلى اتفاق.
وحذر يونكر من ازدياد مخاطر حصول بريكسيت ب"لا اتفاق"، وهو ما يمكن أن يسبب اضطرابا في التبادلات التجارية ويبطئ الاقتصاد البريطاني ويسبب فوضى في الأسواق المالية.
ومن بين السيناريوهات المتداولة لإيجاد مخرج لهذا المأزق الذي دخل إليه مسلسل الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي، يبقى تأجيل الانسحاب هو الاحتمال الأقرب، خاصة وأن بعض البلدان الأعضاء، كفرنسا، تؤيد هذا الطرح، حيث أكدت على لسان وزيرتها المكلفة بالشؤون الأوروبية ناتالي لوازو على أن هذا الخيار يبقى ممكنا على المستوى القانوني والتقني.
غير أن تجاوز هذه المرحلة يبقى رهينا أولا بمدى قدرة تيريزا ماي على تجاوز هذه الظرفية الصعبة وانتزاع موافقة مجلس العموم على اتفاق حول بريكسيت، وثانيا بإظهار ليونة أكبر من قبل الاتحاد الأوروبي من أجل تجنب انسحاب صعب قد ينعكس سلبا على مصالح بريطانيا وبلدان الاتحاد ال 27 على حد سواء، خاصة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.