الهموم الأمازيغية و الانتخابات التشريعية من منطلق الانشغال بمستقبل المشروع الديمقراطي الوطني، اجتمع ممثلو التنسيقيات و الجمعيات و الفعاليات الأمازيغية بوسط المغرب يوم الأحد 30 أكتوبر 2011 بمكناس، لاستعراض الأجواء التي يتم التحضير فيها للانتخابات التشريعية ل25 نونبير 2011 والتي ستفرز مؤسسات تتولى، للفترة التشريعية المقبلة، قيادة البلاد و التقرير في القضايا المصيرية، على أساس توجهات إيديولوجية ترسخت في الواقع السياسي المغربي منذ 1934، أي بعد انهزام المقاومة المسلحة الأمازيغية ضد الاحتلال الاستعماري الذي وفرت له معاهدة الحماية لسنة 1912 المشروعية، لتدمير البنيات السوسيوثقافية الأمازيغية، عسكريا، تحت دريعة محاربة السيبة. وبعد استعراض مختلف التقارير التي حملها المندوبون عن مختلف جهات وسط المغرب، توصل المجتمعون إلى خلاصات نعرضها في البيان التالي: 1- التأكيد على الطبيعة المدنية للحركة الأمازيغية و استقلالها عن الأحزاب. إننا، كمكون من مكونات المجتمع المدني، نِؤكد على تشبثنا بتفعيل الاختيار الديمقراطي للدولة، وهو ما يعني التحرر من رواسب المخزن التقليدي و أساليبه العتيقة التي تتعارض مع شروط الانتقال الديمقراطي الكفيل بتحقيق الإصلاح الذي تطالب به قوى التغيير في المجتمع، من أجل بناء ثقافة سياسية جديدة، قوامها القيم الديمقراطية في تدبير الشأن العام وتعزيز مكانة المواطنة تجاه مختلف السلط. 2- استمرار مظاهر مقاومة التغيير، في الواقع. في أفق اقتراع 25 نونبر تحولت الأحزاب إلى حلبة للصراع حول التزكيات وما يرافقها من ممارسات تتنافى و المبادئ الديمقراطية، طمعا في الوصول إلى مؤسسات أفرغتها، من كل مصداقية، الانتهازية السياسية التي ترسخت في المشهد السياسي المغربي، وتنامت في أحضان التنظيمات الحزبية، برعاية القائمين عليها والذين لا يرون في الانتخابات إلا مجرد فرصة للتموقع في الخارطة السياسية، قصد الاقتراب من مصادر السلطة، للتحكم في منابع الثروة وحماية المصالح الفئوية والعائلية و تركيز لوبياتها الإدارية، ضمانا لهيمنتها المستمرة. وما التعيينات الجارية الآن على رأس المؤسسات والإدارات العمومية والشبه العمومية، مركزيا وجهويا، قبل نهاية الحكومية الحالية، إلا تأكيد من القوى المحافظة على عزمها محاربة التغيير، في المستقبل كما حاربته في الماضي. 3- حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية، وعقدة مشروعية الوجود. اتخذ حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية الهوية العربية الإسلامية، في الأرض الأمازيغية، أساسا لوجودهما، ورمزا للوحدة الوطنية، بينما جعلا من التشبث بالأمازيغية دعوة إلى التفرقة ومسا بتلك الوحدة. لقد كانت خدعة سياسية، وجدت لها صدى في المشهد السياسي المغربي، كما هيأ لها نظام الحماية سنة 1934، على مقاس النخب المدينية المحمية، والمتشبثة بانتمائها الموريسكي، والتي لا تزال تحلم بإقامة وطن لها، تعوض به عن ضياعها للأندلس. إن الأمر إذن، لا يتعلق بعدم استيعابهما للتحولات الجارية في الداخل كما في الخارج، بل بوعيهما أن مشروعية وجودهما وثراء عشائرهما، تقوم على إلغاء الأمازيغية، وهي المهمة التي استنجدت من أجلها، بالجيوش الاستعمارية الفرنسية و الاسبانية التي شنت على المقاومة الأمازيغية حربا مدمرة، خلفت سبعمائة ألف شهيد (1/6 سكان المغرب آنذاك) ما بين 1912-1934. والى جانب هذه الإبادة البشرية، جردت القبائل الأمازيغية من سيادتها على خيراتها الطبيعية، من أراض خصبة ومياه وغابات وثروات معدنية وبحرية استغلتها القوى الاستعمارية. وبعد الاستقلال، وبمقتضى اتفاقية "ايكس ليبان"، تقاسمتها عشائر من ينازعون اليوم في حياة الأمازيغية، لأنها تقوم حجة على اغتصابهم للخيرات التي يصنعون بها أمجادهم وقوتهم لقهر الملاكين الشرعيين. وهاهم اليوم، في ظل عدم تكافؤ الفرص وغياب شروط المساواة، يتحدون، على لسان حزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية، الحركة الأمازيغية ذات الطبيعة المدنية لمنازلتهم في معارك انتخابية غير متكافئة، علهم يكسبون من مشاركتها شرعية مزيفة ليقرروا، من منطلق هواجسهم، في مصير الأمازيغية لغة وهوية وثقافة وثروات... إننا من جهتنا، نعدهم، رغم إمكانياتنا المتواضعة، ولكن بإرادة صلبة، بالعمل على حماية الأمازيغية وتنمية استعمالها وتقوية وحدتها. وهي مهام مشروعة، بجميع المقاييس، لأنها تحمل بذور الحياة. وفي ذلك بالضبط،، عقدة الوجود المشروع بالنسبة لحزب الاستقلال وحزب العدالة والتنمية، اللدين أقاما مشروعية وجودهما على موت الأمازيغية. 4- 1912- 2012 : قرن من التهميش و الظلم. لقد حرصنا، من خلال هذا البيان، وبمناسبة الانتخابات التشريعية، أن نتوجه إلى الرأي العام المغربي ككل، لنعرض عليه هموم الأغلبية من هذا الشعب، سواء منهم المنحدرون أوالمقيمون بمناطق الريف و الأطلس التوسط و الجنوب الشرقي و الأطلس الكبير و الأطلس الصغير وما يحيط بهذه المناطق من سهول و هضاب، أصبحت جميعها، جزءا من ذاكرتنا الوطنية، لما تحمله من رموز المقاومة و التضحية، دفاعا عن الأرض و الإنسان والهوية. وبهذا الصدد، إذا كانت مشروعية الاستشارات الديمقراطية تقوم على الحقيقة الديمغرافية، فإن ساكنة هذه المناطق والمنحدرين منها، يضعون بالمناسبة، على بساط النقاش الهادف، همومهم المشتركة، بخصوص مصير ثرواتهم الطبيعية التي انتزعها منهم المستعمر بالسلاح، ثم تم، بعد الاستقلال، استرجاعها دون أن تعود إلى أصحابها الأصليين أو على الأقل، تساهم في تنمية مناطقهم. ويتساءلون بالمناسبة، كيف وهم أمازيغيون، في أرضهم الأمازيغية، يستجدون الدولة لتعترف مؤسساتها وقوانينها بهويتهم؟ كيف لا تحظى لغتهم وثقافتهم بالاهتمام الذي تحظى به اللغات و الثقافات الوافدة عليهم من بعيد؟ كيف تغدق الدولة العطاء، من محصول الضرائب التي يدفعونها، على قنوات فضائية وإذاعية تهتم بتلك اللغات وثقافاتها، بينما تقتر على الأمازيغية؟ كيف لا تولي برامج الدولة اهتمامها بتنمية مناطقهم، رغم أنها تشكل المصدر الرئيسي للموارد الطبيعية و اليد العاملة و الأطر المؤهلة؟ أليس فقر تلك المناطق، رغم ما يزيد على 50 سنة من الاستقلال، سببا في هجرة الملايين من أبنائها إلى مختلف مناطق العالم، ليدروا على خزينة الدولة مداخيل لا تحصى من العملة الصعبة؟ أليس انسداد الأفق أمام طموح شبابها الحالم بحياة كريمة، سببا في موت الكثير منهم غرقا في البحر؟ أليس احتجاج شباب الحركة الطلابية الأمازيغية على تهميش مناطقهم، والذي أضحى مؤسساتيا، هو الجريمة التي انتهت بقادتها إلى السجن، في أكادير و الرشيدية وبومالن ومكناس حيث لا يزال اثنان منهم، منذ حوالي خمس سنوات، يقضيان عقوبة بعشر سنوات من السجن؟ إننا ونحن في أجواء الحملة الانتخابية وصخبها ومناوراتها وتغطيتها الإعلامية المنشغلة بالصراعات الحزبية حول المقاعد، نتساءل عن مدى وعي الفاعلين السياسيين وإلمامهم الموضوعي بالتاريخي الحقيقي لوطنهم، خلال المرحلة الاستعمارية، لما لمخلفاتها حتى اليوم، من أثر مباشر على تهميش المناطق المقاومة. إنه شرط لاستحقاق صفة تمثيل الأمة. فهل يميزون بين ما عاشته، حقيقة، المناطق المقاومة للاحتلال من 1912 إلى 1934، وما ترتب عن تلك المقاومة من آثار إنسانية و اقتصادية واجتماعية وسياسية؟ وبين التاريخ الوهمي و المضلل الذي وضعته ورسمته ما يسمى مجازا "بالحركة الوطنية" التي اختارها المستعمر ممثلا ومحاورا باسم الشعب المغربي سنة 1934، أي بعد انكسار المقاومة المسلحة الأمازيغية، المعبرة عن الإرادة الشعبية، تجاه الاحتلال الأجنبي للأرض، ثم سنة 1944 للمطالبة بالاستقلال بعد 32 سنة من التأييد لنظام الحماية، والتي هي طرف فاعل فيه، وأخيرا في سنة 1955 ب"إيكس ليبان" لتسلم مقاليد السلطة من المستعمر، وتولي مكانه في استغلال الثروات المغتصبة، في ظل النظم و القوانين الاستعمارية التي تم تمديد العمل بها حتى اليوم، وهي أصل المعاناة التي يتردى فيها أبناء تلك المناطق، الذين ليس لهم إلا الخيار بين التهميش أو الهجرة. لكن، مع حلول 2012، أي بعد مرور قرن على معاهدة الحماية المشؤومة لسنة 1912، أخذ يلوح في الأفق خيار ثالث، يتمثل في النضال من أجل استكمال مقومات السيادة الوطنية، المتمثلة في إلغاء القوانين الاستعمارية التي تقف حاجزا أمام التغيير. إن تلك القوانين تجعل من نهب المناطق واستنزاف ثرواتها نشاطا مشروعا، وهي بذلك تعرقل اندماج تلك المناطق في النسيج الاقتصادي الوطني والعالمي، الذي من شأنه أن يسمح بظهور محاور اقتصادية موزعة جغرافيا، تمكن ساكنتها من التحول إلى طاقات فاعلة ومنتجة للثروة، وليس مجرد حالات اجتماعية متوقفة على هبات الدولة. إننا مقتنعون، أن التعامل مع الأمازيغية هو المعيار الأساسي لقياس الإرادة الديمقراطية للفاعلين السياسيين، الذين يتحملون وحدهم مسؤولية الحرص على استقرار البلاد وتطورها، في إطار النظام الديمقراطي. وتوثيقا من جهتنا، للنوايا المعادية للأمازيغية التي ليست وليدة اليوم، نضع أمام الرأي العام فقرتين من وثيقة تحمل اسم "مطالب الشعب المغربي"، تقدمت بها ما يسمى مجازا " الحركة الوطنية" في فاتح دجنبر 1934، إلى كل من " الإقامة العامة الفرنسية " بالرباط و"وزارة الخارجية الفرنسية" بباريس، كانت أرضية للحوار بين الطرفين، بعد التخلص من المقاومة المسلحة،. أ- " مر اثنان وعشرون سنة على إمضاء معاهدة الحماية، فهل بلغنا أمنيتنا منها؟....لقد أسدل الأمن على سائر أطراف المملكة وانشرح المغاربة انشراحا لا يكدره إلا ذكرى الوقائع المؤلمة وما أريق فيها من دماء.... وقد خطا المغرب خطى واسعة في سبيل تجهيزه تجهيزا عصريا، بتخطيط الطرق ومد السكك الحديدية وتشييد البنايات الإدارية. فالمغاربة ينشرحون لهذا التجهيز ويعترفون بمجهودات الحماية في سبيله..." ب- وبخصوص مجال التربية والتعليم نصت الوثيقة على: " تعميم تدريس اللغة العربية، بصفتها لغة المخزن، على كل المغاربة إلى جانب اللغة الفرنسية، مع التخلي عن تدريس البربرية، حفاظا على سيادة المخزن ووحدة المغاربة التي تقوم إلا على الهوية الثقافية العربية الإسلامية." الجمعيات والتنسيقيات والفعاليات الأمازيغية بوسط المغرب.