تنتشر في شهر رمضان الأبرك سلوكيات فردية تنزع إلى العنف و السب والقذف وتبادل الضرب بين بعض الصائمين، وهو ما يصطلح عليه ب "الترمضينة ". وتعزى "الترمضينة" عادة إلى التحولات السيكولوجية والجسدية للصائمين والتغيرات التي تحصل في نمط العيش المعتاد لدى بعضهم نتيجة إدمانهم على المخدرات والسجائر والمواد المنبهة، خاصة القهوة والشاي، خلال الأيام العادية، فضلا عن الارتباك الناتج عن قلة النوم. ومن بين الأسباب الاخرى التي تدفع إلى ممارسة هذه السلوكيات المرفوضة في المجتمع المغربي الإنفاق المتزايد خلال هذا الشهر الكريم، والذي يجعل المرء رهينة للانفعال نتيجة للعوز والحرمان الذي تعاني منه بعض الأسر المغربية.
وتمتد هذه السلوكيات خلال شهر رمضان الأبرك إلى الشوارع والطرقات، خاصة قبيل آذان المغرب عندما تتحول الشوارع إلى "حلبات" يتبادل فيها الصائمون شتى أساليب التهديد والوعيد، ويطلق السائقون العنان لأبواق سياراتهم لتعم الفوضى في الشوارع قبل حلول وقت الإفطار.
فسلوكيات "الترمضينة"، حسب الإخصائيين في الأمراض النفسية والعقلية، "ليست ظاهرة مرضية، لأنه من المفروض أن يتحكم المرء في أعصابه ويقوم بسلوكيات طبيعية ومتوازنة أثناء الصيام خلال شهر رمضان أوفي غيره من الأشهر الأخرى".
ويبرز الإخصائيون أن "الترمضينة" تكشف خلال هذا الشهر العديد من الأعراض النفسية والعصبية المختبئة داخل العوالم الداخلية للإنسان، بسبب انقطاع الشخص عن الأكل والشرب أو مواد مخدرة يدمن عليها طيلة السنة. غير أن بعض الباحثين في مجال السوسيولوجيا ارتقوا بهذه السلوكيات إلى ظاهرة اجتماعية تتقاطع مع عدد من الظواهر الأخرى تنتشر في المجتمع.
وفي هذا الصدد، أكد الباحث السوسيولوجي عياد أبلال، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن ظاهرة "الترمضينة " تكون "ذات كثافة وتردد في الأوساط الشعبية والفضاءات العامة المهمشة بالدرجة الأولى، وتختزن العديد من العوامل المفسرة التي تشتد كلما تضخمت العوامل السيكولوجية المؤدية إلى العنف من قبيل التعاطي للمخدرات والقرقوبي والحشيش.."، مضيفا أنه على المستوى السوسيولوجي يمكن اعتبار "الترمضينة" ظاهرة مرضية سوسيولوجيا أي "سوسيوباتية"، لكونها ترتبط بسلوكيات العنف و"التشرميل"، وهذا ما يؤدي سنويا إلى عدد كبير من الضحايا مع تسجيل حالات متعددة للقتل.
وأكد الباحث أن توفر محددات التردد والكثافة والانتشار يجعل من "الترمضينة "ظاهرة اجتماعية قائمة الذات، لكنها "في الوقت نفسه مرتبطة بظواهر أنومية وانحرافية أخرى، وعلى رأسها ظاهرة العنف والسرقة"، وهو مايؤكد، حسب رأيه، تجاوزها البعد الفردي إلى البعد الجماعي، خاصة حينما تحصل الفوضى وكافة سلوكات العنف الناتجة عن غياب الحوار والتسامح والإيثار، إذ ينتقل الخلاف بين صائمين إلى خلاف جماعي يتسم بالعنف والعنف المضاد.
غير أن السلوكيات المرتبطة بما يسمى ب "الترمضينة"، تتنافى والمقاصد الشرعية خلال هذا الشهر الكريم الموصوف بشهر الغفران والأجر والتواب وتزكية النفس وترويضها على الصبر والتراحم وفعل الخيرات.
وفي هذا السياق، أجمع الفقهاء أن هذه السلوكيات، التي أضحت تدب في المجتمع الإسلامي بشكل ملفت خلال شهر رمضان الأبرك خلال السنوات الأخيرة، لا يمكن إلصاقها بهذا الشهر الكريم، نظرا لأن هذه السلوكيات أضحت شائعة في مختلف الأشهر الأخرى للسنة. فقدسية هذا الشهر هي التي تجعل منها مرفوضة في المجتمع وخارجة على سياق الطقوس الدينية المتماهية مع المقاصد الشرعية لهذا الشهر المبارك. وفي هذا الصدد، أكد عضو المجلس العلمي المحلي للرباط الأستاذ عبد المجيد محب، في تصريح مماثل، أن هذا الشهر يبتغي منه المسلم الغفران والتوبة، وذلك من خلال الامتثال لأوامر الله ونواهيه، مؤكدا أن السلوكيات المرتبطة بمايسمى ب "الترمضينة" تنافي المقاصد الشرعية لهذا الشهر الكريم، التي تتجلى أساسا في تزكية النفوس وترويضها على الصبر وتهذيب السلوك وتخليق الحياة العامة.
وأبرز أن تعاليم الدين الحنيف تدعو إلى الالتزام في هذا الشهر والتقرب بالطاعات إلى الله عز وجل والتسامح والتآخي وفعل الخيرات، وهو ماورد في حديث الرسول الكريم حينما قال "الصيام جنة فلا يرفث ولايجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين". كما استحضر الأستاذ محب بركة وجزاء هذا الشهر المبارك في قول النبي الكريم "جاءكم رمضان، شهر مبارك، تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم".