قال أستاذ التاريخ في عدد من الجامعات الكاطالونية أنتونيو ب. أنديلان ، إن استرجاع المغرب للصحراء التي كانت مستعمرة إسبانية الى حدود سنة 1975، بطرق سلمية تفاوضية "حالة فريدة في التاريخ الحديث " . وأوضح أنديلان وهو خبير في شؤون النزاعات في المنطقة المتوسطية، أن المغرب نجح في تعبئة فئات واسعة من الشعب المغربي من خلال الدعوة الى مسيرة سلمية موازاة مع إجراء مفاوضات ثلاثية مع إسبانيا وموريتانيا تكللت برجوع هذه المنطقة الصحراوية الى المغرب.
وأشار في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، على هامش أشغال اللجنة المتوسطية للأممية الاشتراكية التي عقدت مؤخرا ببرشلونة ، الى أن البلد الوحيد الذي استبق المغرب في توحيد ترابه هو الفيتنام ، لكن مع فرق شاسع وهو أن توحيد هذا البلد الاسيوي جاء بعد حرب ضروس دامت عدة سنوات ، وخلفت الآلاف من الضحايا والمعطوبين .
وأضاف أنديلان أن تحرير الصحراء من الاستعمار الاسباني كاد أن يشكل نموذجا رائعا في التاريخ الحديث لولا تدخل بعض القوى المعادية للمغرب ، مذكرا بأن "الحرب الباردة" التي كانت في أوجها هي السبب المباشر في تعقيد القضية ، وظهور ميليشيا مسلحة مدعومة من الخارج ، في إشارة الى جبهة " البوليساريو" الانفصالية.
وقال أيضا إن استرجاع هذه المنطقة التي كانت على مر العصور جزء من التراب المغربي طرح قضية الحدود التي وضعها الاستعمار والتي أدت في ما بعد الى اندلاع العديد من الحروب في إفريقيا وآسيا على وجه الخصوص .
وكان جلالة المغفور له الحسن الثاني قد أعلن عن تنظيم مسيرة سلمية في 16 أكتوبر 1975 مكنت من فتح الطريق لاسترجاع الصحراء بعد أكثر من 75 سنة من الاحتلال الاسباني.
وشارك في هذه المسيرة 350 ألف مغربي اجتازوا الحدود رافعين القرآن الكريم والأعلام الوطنية.
وبإعلان جلالته عن إطلاق المسيرة الخضراء في نونبر 1975 صنع حدث القرن بامتياز، على المستويين السياسي والتاريخي.
ويعتبر الكثير من المؤرخين وعلماء الاجتماع السياسي أن المسيرة الخضراء شكلت فعلا اجتماعيا وسيكولوجيا خاصا ، كما مثلت أول انتفاضة وطنية عاشها المغرب والمغاربة بعد الاستقلال.
فبعد صدور رأي محكمة العدل الدولية التي اعترفت بوجود علاقة بيعة بين سكان الصحراء والملوك المغاربة ، انطلقت المسيرة الخضراء المظفرة، وأعلن عن بداية المفاوضات التي أدت إلى اتفاقية مدريد في 14 نونبر 1975.
وبحسب أنديلان، شكلت قضية استرجاع الصحراء من الناحية التاريخية والاستراتيجية عموما، مصدر حيرة لقطبي العالم ، سواء الشرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي آنذاك، أو الغربي بقيادة الولاياتالمتحدةالامريكية. فمن جهة وقف المعسكر الاشتراكي ضد استعادة المغرب لصحرائه بدعوة أنها ستستخدم ضد مصالحه في القارة الافريقية ، كما أن المعسكر الغربي عموما لم يبد حماسا تجاه هذه القضية خشية من أن تتحول المسيرة السلمية الى نموذج تتبناه البلدان المستعمرة سابقا الطامحة الى اعادة رسم حدودها ، وهو الامر الذي قد يخلق فوضى عارمة في المنطقة على حد اعتقاد عدد من البلدان الغربية وقتذاك ، خاصة بريطانيا وبلجيكا.
وخلص الخبير الدولي، الى أن المغرب أبان عن صمود قل مثيله في تدبير هذه القضية ، فبعد 40 سنة من استرجاع الصحراء، تبين لجزء كبير من العالم أن المغرب على حق في مطالبه الترابية، وأن جل الرافضين لحقوقه الوطنية كانوا يخضعون لاملاءات قوى استعمارية اندثرت بعض سقوط جدار برلين.