تسبب تدفق اللاجئين غير المسبوق على القارة الأوروبية في صعود غير مسبوق لأحزاب اليمين المتطرف والحركات المعادية للأجانب وخاصة المسلمين منهم. واستغلت هذه الأحزاب موجة اللاجئين لرص صفوفها، ورفع وتيرة خطاب الكراهية. وتظهر نتائج الانتخابات في أكثر من دولة أوروبية تزايد الثقل الانتخابي لليمين في هذه البلدان، وتبرز نواة لأوضاع تحاكي حال القارة العجوز في حقبة ما بين الحربين العالميتين، التي أدت إلى صعود اليمين وخوض حرب حصدت أرواح عشرات الملايين من الأرواح وتسببت بدمار هائل.
وتكشف الانتخابات المحلية والبرلمانية في السنوات الأخيرة ارتفاع شعبية الأحزاب اليمينية في فرنسا والنمسا وهولندا، وفي الأشهر الأخيرة حقق اليمين السويسري فوزا كبيرا، وأصبح حزب يميني شريكا في الائتلاف الحاكم في الدنمارك.
وفي ألمانيا تنشط حركة "بيغيدا" في شرق البلاد، وترفع الحركة شعار معاداة الأجانب والمسلمين وتنظم مظاهرات ضد سياسة الأبواب المفتوحة في وجه اللاجئين، التي تنتهجها المستشارة أنغيلا ميركل.
وتزداد معارضة الألمان لسياسة ميركل فيما يخص الأجانب في شكل ملحوظ في المقاطعات الشرقية، لكن الاحتجاجات تتوسع أكثر فأكثر ما انعكس سلبا على نسب تأييد حزب ميركل الحاكم منذ نحو عشر سنوات، ووصل إلى ارتفاع الأصوات المنتقدة في داخل الحزب المسيحي الديمقراطي ضد رئيسته ميركل.
وعلى الرغم من التوجه العام للمواطنين في السويد المتعاطف مع الأجانب، فإن الشرطة تسجل بين الحين والآخر اعتداءات على مخيمات اللاجئين الجدد، وتبرز بعض الأصوات المنادية بغلق الأبواب في وجه اللاجئين وطردهم.
وفي الدنمارك تبنت الحكومة الجديدة مجموعة من الإجراءات لتخفيف تدفق الأجانب مع أن عددهم في عام 2014 لم يتجاوز 15 ألفا، فخفضت معونات الأجانب، وذهبت إلى نشر إعلانات في الصحف اللبنانية لحض السوريين على عدم قصدها كبلد لجوء.
خطاب اليمين المتطرف
ويصعد نجم الأحزاب اليمينية والحركات المتطرفة باستغلال الأوضاع الاقتصادية وعدم تعافي أوروبا بالكامل من آثار الأزمة العالمية عام 2008 وآثارها الاجتماعية.
واللافت أن معظم الحركات اليمينية تبرز في وسط وشرق أوروبا، التي كانت ضمن الكتلة الشيوعية، لكنها تتمدد أيضا في مختلف البلدان.
ويتضمن خطاب الكراهية تناقضا واضحا فمن جهة يحمل المتطرفون اللاجئين المسؤولية عن البطالة، وفي ذات الوقت يتهمونهم بقصد أوروبا للحصول على المعونات الاجتماعية والاقتصادية، وعدم طرق أبواب المؤسسات والشركات للبحث عن عمل.
ويرى المتطرفون أن الأجانب يشكلون خطرا على وجه أوروبا "المسيحي"، وأن تزايد أعداد الأجانب وارتفاع نسبة المواليد في صفوفهم يمكن أن يغير الخريطة الديمغرافية في القارة العجوز حتى منتصف القرن الحالي، ويستشهدون بالأعداد الكبيرة في فرنساوألمانيا وبريطانيا.
ويأخذ اليمينيون على الأقليات المسلمة تمسكها بكثير من قيمها، وعاداتها، وينتقدون طقوس المسلمين في اللبس، خاصة ارتداء الحجاب. وبالرغم من رفض معظم أبناء الأقليات للإرهاب وإدانتهم للأعمال الإرهابية، وإعلانهم الصريح من دون أي لبس رفض ممارسات "داعش" والحركات الإرهابية المتطرفة كالقاعدة فإن نظرة اليمينيين ثابتة لا تتغير، وهي أن المسلم متهم بالإرهاب حتى تثبت براءته.
وللموضوعية فإن ممارسات وأسلوب حياة بعض المسلمين في أوروبا يمنح اليمين المتطرف فرصة لنشر أفكاره، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالتعصب الديني الأعمى، وممارسة بعض العادات والتقاليد البالية في مجتمعاتنا وخاصة في طريقة التعامل مع النساء. كما أن عدم اندماج قسم من اللاجئين في المجتمعات الجديدة يجعلها تعيش في حالة مشابهة لشكل "الغيتو".
ومع توقعات بارتفاع عدد طالبي اللجوء في العام الحالي إلى أكثر من مليوني شخص، يكثر الحديث عن الكلفة الاقتصادية خاصة إذا عرفنا أن إحصاءات بريطانية كشفت أن الحكومة تنفق وسطيا نحو 24 ألف جنيه إسترليني سنويا على كل لاجئ، ويرتفع هذا المؤشر في الدنمارك والبلدان الأسكندنافية.
وواضح أن الصراع يشتد بين أوروبا في القرن الحادي والعشرين، حيث ارتفاع الخطاب الإنساني، والالتزام بالقوانين والأعراف الدولية المتعلقة بحق اللجوء الإنساني، وتقديم العون للهاربين من لهيب الحروب.
وأوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين حيث شجع اليمين المتطرف، والاحتكارات على حملات استعمارية طالت آسيا وإفريقيا، وفي الوقت الحالي فإن هذه الأحزاب ترفع لواء كره الأجانب و"الإسلاموفوبيا"، لحشد أكبر عدد من المؤيدين. ويبدو أن اليمين المتطرف يحقق نجاحات سوف تنعكس سلبا بالتأكيد على اللاجئين والأجانب.