عبر السنوات الأخيرة أتقن المفاوضون الإيرانيون المساومة ،بما يعرف « لعبة البازار» وهي لعبة استراتيجية مشوقة ، تأخذك في جولة بالأسواق تبدأ بطاولة وتنتهي بملكية البازار إذا استطعت. والآن صار حقيقة وأمر واقع يجب التعامل معه وهو أن إيران لاعب أساسي في المنطقة وليس أي لاعب، إنه يلعب بكل الأوراق التي تخدم مصالحه وتثقل ميزانه في التفاوض حول برنامجه النووي، في المفاوضات التي جرت مؤخرا في لوزان الأولى مع مجموعة خمسة زائد واحد ، خرجت إيران القادرة على امتلاك القرار السياسي من المفاوضات منتصرة وقد حققت تماما ما كانت تريد تحقيقه مقابل تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي ومخزونها من اليورانيوم الضعيف التخصيب وتمديد الزمن اللازم لإنتاج كمية كافية من اليورانيوم المخصب لتصنيع سلاح نووي.
إذن حصلت على إقرار دولي بحقها في امتلاك الطاقة النووية وأزالت الحلم الأمريكي في جعل النظام العالمي أحادي القطب . إيران القوة الكبرى التي تخشاها إسرائيل وتخشى من الجانب النووي والعسكري ولا تريدها أن تكون في حالة تكافؤ معها ،لذلك نشهد نتنياهو مضطربا وشديد اللهجة مع إدارة أوباما ويطلب إضافة بند الاعتراف بإسرائيل كدولة من طرف النظام الإيراني ورغم أن الرئيس أوباما يقول أن الإتفاق مع إيران يمنعها من إنتاج قنبلة نووية ويضع منشآتها تحت المراقبة الدولية وهذا قول يداري به عجز إدارته على اتخاذ قرار صارم تجاهها أو بالأحرى عمل عسكري ضدها، ويريد به أيضا القول قبل أن تنتهي ولايته الثانية أنه إنجاز مهم في مجال السياسة الخارجية وأنه يمشي على نهج رؤساء سابقون مثل الرئيس ريتشارد نيكسون مع الصين ورونالد ريجان مع الاتحاد السوفييتي سابقا ،وحاول أن يخفف من حدة قلق قادة دول الخليج ودعاهم الى كامب ديفيد للتشاور حول الاتفاق النووي بالرغم من أنه انتقدهم بقسوة في حواره مع « نيويورك تايمز» عندما قال بدل الحديث عن الخوف من إيران عليكم أن تقفوا في وجه الجرائم التي تجري في سوريا من طرف النظام هناك وأثنى على النظام الإيراني وكان يوحي بشعور الذنب تجاه ما فعلته الولاياتالمتحدة ضد ايران ، أوباما الميكافيلي المبدأ والقول أقلق قادة الخليج أكثر مما طمأنهم .
فاحتمالات أن يشعل الاتفاق سباق تسلح نووي في المنطقة مما قد يدخلها في حسابات معقدة وقد يؤجج الصراع الطائفي الذي بدت ملامحه في العراق والبحرين واليمن، لقد خرج المارد الإيراني من القمقم ستعود إيران لإعادة هيكلة إنتاجها النفطي وبغزارة وسيطلب الغرب ودها ويرضخ للغة المصالح ،وقد بدأ ت تركيا بزيارة أردوغان الذي كان لا يفوت فرصة إلا وينتقد سياسة طهران في المنطقة ذهب لزيارة روحاني والمرشد الأعلى السيد علي خامنئي وخرج بحزمة اتفاقات لصالح تركيا التي لا يخفى لعبها في المنطقة،يظهر أنه لا يوجد أملس بين القنافذ.
إيران ملكت البازار أنجبت اتفاقها من خاصرة الغرب والولادة من الخاصرة ولادة ضد الطبيعة والمألوف ،ستملي سياستها على المنطقة وتتغير قواعد اللعبة التي لعبها الغرب في سوريا وفي اليمن.