استيقظ العالم صباح الأحد الماضي على خبر توصل الدول الست الكبرى و إيران، إلى اتفاق مرحلي في جنيف حول البرنامج الإيراني النووي. و هو الاتفاق الذي من المقرر أن يتم ترسيمه أو تغييره بعد ستة أشهر من الآن. ورغم أن هذا الاتفاق الموقت الذي توصلت إليه طهران مع القوى الدولية الكبرى يتناول موضوع البرنامج النووي الإيراني تحديدا، إلا أن تسوية هذا الإشكال يمثل خطوة هامة نحو تسوية باقي الخلافات بين الطرفين، كما من شأن آثاره أن تنسحب مستقبلا على أهم الملفات الساخنة بالشرق الأوسط، مما يمنح إيران دورا هاما في الملعب الإقليمي و يكرس نفوذها كلاعب أساسي، و هو ما يؤدي إلى انزعاج دول مجاورة مثل السعودية وتركيا. فهل من شأن اتفاق 24 نوفمبر بين إيران و الغرب أن يغير منطقة الشرق الأوسط؟ ومن هو الرابح و الخاسر من هذا الاتفاق؟ و كيف سيكون تأثير هذا الاتفاق? إذا ما تم ترسيمه- على دول الخليج و خاصة السعودية؟ اتفاق تاريخي: في صبيحة رابع و عشري نوفمبر الجاري، تم الإعلان من جنيف عن توصل إيران و القوى الكبرى إلى اتفاق وُصف ب «التاريخي» حول البرنامج النووي الإيراني، الذي تعود جذوره إلى خمسينات القرن الماضي في عهد الشاه محمد رضا بهلوي. و قد لقي هذا الاتفاق ترحيب و إشادة من جميع الأطراف التي شاركت فيه و هي إيران منجهة و مجموعة الدول الست (أعضاء مجلس الأمن الدولي الدائمين أي الولايات المتحدة و فرنسا و بريطانيا و الصين و روسيا علاوة على ألمانيا و هي دولة غير دائمة العضوية بالمجلس). وقد سبق أن فرضت هذه الدول نفسها عقوبات اقتصادية للضغط على إيران من أجل إجبارها على وقف برنامجها النووي الذي تقول واشنطن و حلفاؤها أنه يتضمن برنامجا عسكريا يهدف إلى إنتاج القنبلة النووية و هو الأمر الذي دأبت إيران على نفيه، مؤكدة أن برنامجها ذا أغراض سلمية لا غير. و يخفف الاتفاق الجديد ، بعض هذه العقوبات مقابل قيام إيران بالحد من أنشطة برنامجها النووي و فتحه أمام عمليات تفتيش دولية أوسع لمدة ستة أشهر، يجري خلالها التفاوض على «حل كامل» (أنظر تفاصيل الاتفاق رفقته) في البدء كانت عُمان: وإذا كانت مجموعة الست قد توصلت بعد أربعة أيام من المفاوضات إلى هذا الاتفاق المرحلي، فإن المؤكد أن هذه المفاوضات العلنية كانت مسبوقة بمحادثات سرية طويلو بين واشنطن و طهران. و قد كشفت وكالة «أسوشييتد بريس» عن هذه المفاوضات السرية التي تمت خلال أشهر سبتمبر و أكتوبر و بداية نوفمير الجاري كما كشفت عن أبرز اللاعبين فيها. و هو ما أكده مسؤول أمريكي مدافعا عن إجراء مثل هذا النوع من المحادثات السرية أو الموازية واصفا إياها بأنها «ثنائية و محدودة». و تحدثت الوكالة عمن وصفتهم بأبرز اللاعبين في المحادثات السرية التي جرت في سلطنة عُمان، قائلة أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أجاز اتصالات مباشرة بين مسؤول أميركي وآخر إيراني بعد إفراج السلطات الإيرانية عن أميركيين اثنين من السجون الإيرانية في سبتمبر 2011. وفي مارس من السنة نفسها رفع أوباما من مستوى المحادثات فبعث اثنين من كبار مساعديه بالشؤون الخارجية إلى سلطنة عُمان لإجراء محادثات مع إيران بشأن جميع القضايا، من بينها الملف النووي الإيراني والأزمة السورية، ثم تسارعت خطى المحادثات النووية عقب انتخاب الرئيس حسن روحاني وإجراء اتصال هاتفي بين الرئيس الأميركي ونظيره الإيراني في الشهر الذي تلاه. وممن شاركوا في المحادثات من الجانب الأميركي وليام بيرنز مساعد وزير الخارجية، وجيك سوليفان نائب مساعد الرئيس ومستشار الأمن القومي لنائب الرئيس، ووكيلة الخارجية للشؤون السياسية ويندي شيرمان. ومن أبرز اللاعبين في هذا الملف على الجانب الإيراني، المرشد الأعلى علي خامنئي الذي أجاز الاتصالات عام 2011، ووافق على لقاءات سرية على مستويات عالية هذا العام. وقد أصدر خامنئي فتوى تقضي بتحريم امتلاك السلاح النووي، ولكن الأميركيين وغيرهم طالبوا بإثبات ذلك. أما الرئيس روحاني -الذي تعهد منذ انتخابه بتسوية الملف النووي وتحسين العلاقات مع الغرب- فقد بدأ بإرسال بعض مساعديه لإجراء محادثات سرية مع الأميركيين بعد أول خطاب رئاسي له في غشت . وذكرت الوكالة أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بدوره تعهد لدى توليه منصبه بتحسين العلاقات مع الغرب، فتقرب من اليهود، ونأى بنفسه عن تصريحات الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد بشأن ما تسمى المحرقة اليهودية. وكان سلطان عُمان قابوس بن سعيد -الذي كان أول رئيس دولة يزور روحاني- قد استضاف المحادثات السرية، وسهل دفع الكفالات لإطلاق سراح أميركية من السجون الإيرانية عام 2010 واثنين آخرين عام 2011 وفق أسوشيتد برس. اتفاق يتجاوز النووي:
بالرغم من أن الاتفاق المؤقت الذي توصلت له طهران مع القوى الدولية في جنيف يتناول الملف النووي فقط، إلا أن مراقبين ومحللين يرون أنه يمثل إيذانا بتسوية بين الطرفين ستنسحب مستقبلا على أهم الملفات الساخنة في الشرق الأوسط. وتنطلق هذه الاستنتاجات من أن أزمة النووي ليست سوى واجهة لخلافات عميقة بين الغرب وطهران بشأن الوضع في فلسطينوأفغانستانوسوريا والعراق. ويتوقع محللون أن تفضي التسوية الحديثة لتفاهمات في عدة قضايا من شأنها أن تكرس نفوذ إيران كلاعب مهم في المنطقة، مما سيؤدي إلى انزعاج دول الخليج. و في هذا السياق يرى البعض أن الاتفاق يؤذن بالتوصل لتسوية بين طهران و الغرب، تتجاوز «التنازل» عن الطموح النووي إلى عدة قضايا في الشرق الأوسط. و أول هذه القضايا هو الموقف من المشروع الصهيوني بدليل أن كلمة روحاني بالأمم المتحدة كانت أقرب إلى خطاب الأنظمة العربية، حيث خلت من أي وصف قدحي لإسرائيل أو إنكار للمحرقة، كما فعل ذلك محمود أحمدي نجاد، بل قال إن إيران ستوافق على كل ما يقبل به الفلسطينيون في حال التوصل لصفقة ما. أما القضية الأخرى المهمة و هي المتعلقة بالدور الإقليمي لإيران في المنطقة، فهل سترضى بتقاسم النفوذ مع الأتراك و العرب أم ستُصر على التمدد الإقليمي، عن طريق دعم و تحريك الشيعة العرب ?خاصة في الخليج- إرضاء لطموحها في الريادة الإقليمية. وأمام عدم توفرها على جواب عن هذا السؤال الحاسم، لاذت العديد من الدول العربية بالصمت تجاه الاتفاق ،الذي رحبت به كل من سوريا والعراق (حليفتي إيران) والإمارات و البحرين واعتبرته نصرا للمفاوضات الدبلوماسية على البدائل غير السلمية. فيما التزمت السعودية الصمت رسميا لحد الآن، معبرة عن مخاوفها من خلال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشورى السعودي عبد الله العسكر الذي قال: «أخشى أن تكون ايران ستتخلى عن شيء (في برنامجها النووي) لتحصل على شيء آخر من القوى الكبرى على صعيد السياسة الإقليمية. أشعر بالقلق في شأن إتاحة مساحة اكبر لايران أو إطلاق يدها أكثر في المنطقة». واضاف: «أثبتت حكومة ايران الشهر تلو الشهر أن لديها أجندة قبيحة في المنطقة، وفي هذا الصدد، لن ينام أحد في المنطقة ويفترض أن الأمور تسير بسلاسة». موضحا أنه يعبر عن آرائه الشخصية. وفي هذا السياق يقول خبير الشؤون الدفاعية الأمريكي «نيكولا غرو فيرهايد» إنه يمكن وصف الاتفاق بالتاريخي، لأنه قد يشكل «درسا للمستقبل» وسيسمح بعودة إيران إلى الساحة الدبلوماسية الدولية، مضيفا أن الاتفاق بين إيران والغرب يمكن أن يؤثر على الساحة الإقليمية، خصوصا في سورياوأفغانستانوفلسطين، قائلا: الجميع يأمل أن يكون الاتفاق إيجابيا. لكن سفير الولايات المتحدة السابق في الرياض، «روبرت جوردان قال إن الاتفاق «لا يتناول سلوك إيران فيما يتعلق بالشرق الأوسط». وخلص جوردان -في حديث لرويترر- إلى أن الاتفاق قد يفضي لحلول تكرّس نفوذ إيران في المنطقة، وهو ما تعتبره السعودية أكثر خطرا عليها من القنبلة الذرية، على حد قوله. ماذا بعد ستة أشهر؟ من الممكن جدا ، إذا ما اجتاز الطرفان امتحان الأشهر الستة بنجاح، أن يتغير وجه الشرق الأوسط، إذ سيتم استبعاد الخيار العسكري لحل قضية البرنامج النووي الإيراني. و مع استبعاد هذا الخيار، تنفتح أبواب الحلول غير العسكرية لقضايا أخرى يعاني منها الشرق الأوسط، مثل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي و الحرب الأهلية الدائرة في سوريا و الأوضاع الأمنية في كل من العراق و لبنان، بل و في أفغانستان أيضا. أما إذا ما حدثت تطورات عرقلت التوصل لاتفاق نهائي خلال الستة أشهر القادمة، فإن الوضع قد يعود إلى حالة المواجهة القريبة من الصدام من جديد، مع ما يكتنفه من احتمالات عديدة. تفاصيل الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 إيران توقف النشاط في عدد من منشآتها مقابل إزالة بعض الحظر ينص الاتفاق بين إيران ومجموعة 5+1 على وقف إصدار عقوبات جديدة على إيران، وإزالة بعض العقوبات بالتدريج في فترة 6 أشهر، واستمرار المفاوضات حتى إزالة الغموض بشأن البرنامج النووي. أما تفاصيل الاتفاق فهي: تجنب إصدار أي عقوبات جديدة ضد إيران خلال الأشهر الستة المقبلة، والحرص على عدم وصول نسبة صادرات نفط إيران إلى ما هو أقل من النسبة الحالية، وإزالة الحظر على شراء وبيع الذهب والمعادن الثمينة، وإزالة الحظر المفروض على صناعة السيارات وكذلك المنتجات البتروكيماوية،.وتسهيل التعاون مع إيران لتصليح الطائرات المدنية العائدة لشركات الطيران الإيرانية، وتحرير 400 مليون دولار من أموال إيران في الخارج لتسديد تكاليف دراسة الطلبة الإيرانيين المبتعثين إلى الخارج، والتعاون مع إيران لشراء المواد الغذائية والطبية. من جانب آخر، أعلن المكتب الإعلامي للبيت الأبيض أن الحكومة الإيرانية تعهدت بالأمور التالية خلال الأشهر الستة المقبلة:. وقف عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة 5%، وإبطال مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 5% إلى 20%، وعدم إضافة أي جهاز للطرد المركزي في المنشآت النووية. وقف عمل نصف أجهزة الطرد المركزي في منشأة ناطنز (وسط)، و75% من هذه الأجهزة في منشأة فردو (جنوبطهران)، وتكتفي إيران باستبدال أجهزة الطرد المركزي التي يطرأ عليها عطل وتتجنب إنتاج أجهزة أخرى، وتتجنب إنشاء منشآت جديدة لتخصيب اليورانيوم. تحتفظ إيران فقط بذلك المخزون من اليورانيوم الذي تبلغ نسبته 3.5% خلال الأشهر الستة الماضية، وتتجنب التخصيب بأعلى من هذه النسبة، وتقوم بتحويل المخزونات التي تتعدى هذه النسبة إلى «أوكسيد اليورانيوم»، ووقف النشاط في منشأة أراك، خاصة إنتاج الوقود للمنشأة وإنتاج الماء الثقيل. السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش اليومي لمنشآت ناطنز وفردو وكذلك مراكز إنتاج قطع أجهزة الطرد المركزي ومستودعات تخزينها وكذلك تفتيش المناجم في إيران. وضع المعلومات التي يطلبها مفتشو الوكالة حول منشأة أراك بحوزتهم، وتسهيل التفتيش اليومي لهذه المنشأة. وتقرر خلال المفاوضات في جنيف تشكيل لجنة مشتركة بين إيران ومجموعة 5+1 لتسهيل عملية تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتتمكن من التحقق من عدم انحراف نشاط إيران نحو إنتاج قنبلة نووية. نتائج محدودة لإيران ولا يكفل الاتفاق النووي الجديد لإيران اجتياز الكثير من الأزمات المالية وصرف مستحقاتها النفطية، حيث تستطيع إيران بموجب الاتفاق الوصول إلى 7 مليارات من مواردها لأغراض معينة فقط، لكنها لم تفلح في الوصول إلى حوالي 100 مليار دولار من أموالها في البنوك الخارجية بفعل الحظر الدولي. وكذلك لا تستطيع إيران رفع مستوى صادراتها خلال الأشهر الستة القادمة، وهذا يعني أنها ستخسر ما قيمته 30 مليار دولار خلال هذه الفترة، أي خمسة مليارات دولار كل شهر مقارنة مع ما كانت تحصل عليه في عام 2011 وأكد البيت الأبيض أن إيران بإمكانها الوصول إلى 4.2 مليار دولار من مستحقاتها من بيع النفط، وسيتم تحويل 15 ملياراً أخرى من أموالها إلى الأرصدة الخارجية ولم تتمكن إيران من الوصول إليها. وخلال هذه الفترة يستمر الحظر على البنك المركزي وباقي البنوك الإيرانية وشركات الضمان والملاحة البحرية. وتقرر أن تستمر المفاوضات للوصول إلى اتفاق نهائي، وأكدت القوى الغربية أنها ستعمل لإصدار عقوبات جديدة في حال عدم التوصل إلى هذا الاتفاق.