ما يزال الاتفاق السريع الذي أمضته مجموعة (5+1) السبت الماضي مع إيران يثير تساؤلات حول خفايا الوصول إليه أكثر من الاختلاف على مضمونه وضمانات تنفيذه، والدور الأمريكي في التعجيل بإمضائه رغم معارضة عدد من الحلفاء بينهم فرنسا وإسرائيل والسعودية. وجد وزير الخارجية الأميركي جون كيري نفسه مضطرا للتأكيد على أن بلاده «لم تكن ساذجة» في المفاوضات التي أجرتها مع إيران، مؤكدا في مقابلة مع (سي إن إن) الأميركية «نحن لا نختلق أوهاما لأنفسنا». ويأتي هذا في ظل نقد موجه لإدارة الرئيس باراك أوباما بأنها اندفعت أكثر من اللازم بثقتها في الرئيس الإيراني الجديد. وأضاف كيري: «سنبقي على عيوننا مفتوحة» مشيرا إلى أنه وفقا للاتفاق سيظل جزء كبير من العقوبات ضد إيران قيد التنفيذ واستطرد كيري حديثه قائلا إنه على إيران الآن أن تثبت أن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية فقط. وقال كيري إنه ليس من المهم مسألة ما إذا كان يثق بالرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني لكن المهم هو اتخاذ خطوات تفقدية «وسوف نتحقق، نتحقق، نتحقق»، وأنه تم ضمان «ألا يتم خداع أحد». وعن إسرائيل، قال كيري إنها ستكون خلال الأشهر الستة المقبلة وهي مدة الاتفاق «أكثر أمنا مما كانت عليه أمس». من الجانب الإسرائيلي، اعتبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أن امتلاك إيران للسلاح النووي سيكون كافيا لمنح طهران غطاء سياسيا وعسكريا لإنتاج صواريخ بعيدة المدى، يكون بمقدورها الوصول إلى تل أبيب، ومن شأنه أيضا أن يوفر «مظلة حماية» لحزب الله اللبناني ومساحة أكثر للحركة على الحدود الإسرائيلية. ويرى محللون أن التوصل إلى اتفاق مع إيران أظهر كمّ المتناقضات بين واشنطن وتل أبيب في ما يتعلق بالخطوط الحمراء التي وضعتها كل منهما تجاه النووي الإيراني. فقد اتضح أن الولاياتالمتحدة من الممكن أن تتسامح مع برنامج نووي إيراني، طالما أنه لن يتم استخدامه في إنتاج قنبلة نووية، بينما تذهب إسرائيل إلى أبعد من ذلك وتصر على أن جميع المنشآت المرتبطة بالبرنامج الإيراني لابد أن يتم تفكيكها، وأن عملية تخصيب اليورانيوم يجب أن تتوقف تماما. أما بخصوص دول الخليج، فإنها لم تعارض الوصول إلى اتفاق غربي مع إيران يتحكم بدرجة تخصيبها لليورانيوم، وإنما تريد أن يكون هذا الاتفاق ضمن حزمة أكبر من الاتفاقيات التفصيلية ما يجعله «اتفاقا دائما يحفظ استقرار المنطقة ويقيها التوتر وخطر الانتشار النووي»، مثلما تضمن ذلك بيان مجلس الوزراء الإماراتي أمس. ونقلت صحيفة «التايمز» البريطانية أمس عن السفير السعودي في لندن الأمير محمد بن نواف تساؤله عن سر «الاندفاع» الأميركي لاحتواء طهران معتبرا إياه أمرا «غامضا». وقال إن سياسة «التهدئة لم تنجح في الماضي ولا أظن أنها ستنجح في القرن ال21»، منتقدا ما يراه فشلا غربيا في هذا الصدد. ولمح مسؤولون سعوديون إلى إمكانية اللجوء إلى «الخطة ب» وفتح قنوات مع باكستان للإستفادة من خبراتها في البدء في برنامج نووي سعودي، إذا لم يكن في استطاعة واشنطن وضع حد لعملية تخصيب اليورانيوم الإيراني. ويقول مراقبون إن دول الخليج تريد أن يتضمن الاتفاق تعهدا إيرانيا بالكف عن إثارة القلاقل في المنطقة ليس فقط في دول الجوار التي تطالب الإيرانيين بالاحتكام إلى الحوار والقانون الدولي في حل الخلافات مثل الإمارات التي تطالب باستعادة ثلاث جزر تحتلها إيران، لكن الإيرانيين يتدخلون في أكثر من ملف إقليمي مثل سوريا ولبنان. ويلفت المراقبون إلى مخاوف خليجية من أن تفسر إيران الاتفاق على أنه يترك لها اليد الطولى في المنطقة». وسارع أوباما إلى محاولة طمأنة حلفائه الخليجيين، فقال إن التزام بلاده»يبقى قويا مع إسرائيل ومع دول الخليج التي تملك أسبابا صالحة للشعور بالقلق إزاء إيران». وقال محلل سعودي إنه «بالنسبة لدول الخليج، الاتفاق ليس سلبيا لكنه غير كاف»، وأن المشكلة مع إيران بالنسبة لدول الخليج تتخطى بأشواط المشروع النووي. وأضاف أن «المشكلة مع إيران أكبر، فهي تشمل إثارة النعرات الطائفية، ودعم الأزمات في المنطقة فضلا عن المناطق المتنازع عليها» في إشارة إلى الجزر الثلاث التي تؤكد الإمارات سيادتها عليها في الخليج. وحذّر مراقبون من أن واشنطن إذا فشلت في فرض تفاصيل الاتفاق على إيران، فإنها تكون بذلك قد أطلقت يديها في المنطقة لتستفيد من الأموال التي تم رفع التجميد عنها في دعم حزب الله وميليشيات عراقية وبحرينية ويمنية تتحرك في فلكها بالمنطقة، وهو ما يزيد من منسوب التخوفات الخليجية، ويهدد المصالح الأميركية نفسها. وحذرت صحيفة واشنطن بوست من أنه إذا لم تستطع الولاياتالمتحدة إدارة ما سمتها بشراكتها مع إيران الشيعية، فإنها ستتسبب في انتشار الصراع الطائفي كالنار في الهشيم في المنطقة برمتها. ويرى خبراء أن الهدف الأول لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما هو كسب وقت إضافي، وإطالة المدة الزمنية الكافية لها ولحلفائها لاتخاذ ردود فعل مناسبة تجاه طهران. وقالت مصادر قريبة من الاستخبارات الأميركية أن الاتفاق الأخير كافيا لكي تكسب الولاياتالمتحدة مزيدا من الوقت لا تتجاوز مدته من شهر إلى عدة أشهر. الاتفاق يخفف التوتر، لكنه يواجه مخاطر ربما يصبح الاتفاق النووي المبدئي الذي تم التوصل إليه بين إيران والقوى العالمية الست لحظة محورية بعودة طهران إلى الحظيرة الدبلوماسية بعد سنوات من محاصرة العواصم الغربية لها. وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أمس «رأينا أنها قضية لا لزوم لها»، في إشارة إلى المواجهة النووية المستمرة منذ عشرة أعوام. وكتب والتر بوتش خبير الشؤون الإيرانية في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين مؤخرا «لقد أصبحت التسوية الهادئة مع الولاياتالمتحدة حول السياسة الإقليمية أمرا أكثر أهمية من أي وقت مضى من وجهة نظر طهران- وهذا أمر يمكن التوصل إليه فقط من خلال حل النزاع النووي». وقد تغيرت السياسة الخارجية الإيرانية بمجرد فوز حسن روحاني برئاسة إيران خلفا للمتشدد محمود أحمدي نجاد في أغسطس. وتعهد روحاني بالعمل على رفع العقوبات التي أدت إلى التضخم وإلى فرض حظر على النفط الإيراني، وهو مصدر رئيسي للإيرادات الحكومية . وفي غضون ذلك، قدمت الولاياتالمتحدة وقوى أخرى تنازلا كبيرا من جانبهم بشأن هذه القضية محور النزاع المستمر بين الجانبين من 10 أعوام: حيث لم تعترض عندما اتفقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران هذا الشهر على تأجيل التحقيق في المشاريع المزعومة لأبحاث وتطوير الأسلحة النووية. وأوضحت هذه الموافقة أن القوى الست تريد التركيز على الأنشطة النووية الحالية لإيران، بدلا من مشروعات الأسلحة الماضية، على الرغم من أن أجهزة الاستخبارات الخاصة بهم قد جمعت أدلة تشير إلى مثل هذا العمل . ووصف دبلوماسيون هذه الفترة بأنها «متنفس «يسمح للجانبين بالتوصل إلى اتفاق نهائي يشمل مزيدا من التنازلات النووية ورفع جميع العقوبات. ولكن على الرغم من الخطوات التي تم اتخاذها ، لا تزال هناك عقبات كبيرة. ففي واشنطن، يواجه أوباما خطر تصويت أعضاء بمجلس الشيوخ على عقوبات جديدة تستهدف إيران قبل نهاية العام، وهي خطوة يمكن أن تعرقل اتفاق جنيف. فقد حذر أعضاء بارزون بمجلس الشيوخ من أن الوقت الحالي ليس الوقت المناسب لتخفيف الضغط على طهران وأعربوا عن خوفهم من أن تخفيف العقوبات سيأتي بنتائج عكسية . وفي الوقت نفسه، أكد قادة إسرائيل أنهم لن يستبعدوا الوسائل العسكرية إذا تم التأكد من أن عدوهم الإقليمي إيران تطور أسلحة نووية، على الرغم من هذا الاتفاق. ونقلت بوابة يديعوت احرونوت عن وزير الاقتصاد الإسرائيلي قوله «من المهم للعالم أن يعرف: أن إسرائيل لن تكون ملتزمة باتفاق يشكل خطرا على وجودها» . من جانبه، أكد وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن الاتفاق المبدئي والاتفاق الشامل الذي سيعقبه سيمنعان طهران من حيازة مثل هذه الأسلحة. بماذا التزمت (1 + 5) عدم فرض أي عقوبات إضافية على علاقة بملف البرنامج النووي الإيراني لمدة ستة أشهر. إجازة الإصلاحات المتعلقة بالسلامة وعمليات التفتيش داخل إيران لعدد من خطوط الطيران الإيرانية. السماح بشراء النفط الإيراني بما يسمح ببقائه في مستوياته الحالية وهي 60 بالمئة. إجازة تحويل مبلغ 400 مليون دولار إيرانية لمؤسسات تعليمية في دول ثالثة لدفع تكاليف الطلبة الإيرانيين. تسهيل التحويلات «الإنسانية» الإيرانية لشراء الغذاء والمواد الزراعية والطبية والأجهزة الطبية والصيدلانية. مبلغ 7 مليارات دولار التي ستوفرها عملية تخفيف العقوبات هي جزء من مبلغ 100 مليار دولار لا تتمتع بها إيران بحكم العقوبات. بماذا التزمت إيران تعليق عمليات التخصيب التي تتجاوز 5 بالمئة. عزل ترسانتها من المواد تقارب نسبة تخصيبها 20 بالمئة. تعليق التقدم في ترسانتها من المواد المخصبة بنسبة تقل عن 3.5 بالمئة. عدم التقدم في أنشطة منشأة أراك وتجميد أي تقدم في ما يتعلق بالبلوتونيوم. السماح يوميا لمفتشي الوكالة الدولية بالدخول لمنشآت ناتانز وفوردو. تتولى الوكالة القيام بعدة عمليات تحقق تتماشى مع دورها التفتيشي المستمر. التزمت مجموعة 5+1 وإيران على إنشاء لجنة مشتركة مع الوكالة الدولية لمراقبة تفعيل الاتفاق والتعامل مع أي خلاف. **** قالوا حول الاتفاق وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ: «جيد للعالم أجمع». وزير الخارجية الألماني جيدو فيسترفيله: «خطوة حاسمة للحيلولة دون تسليح إيران نوويا». الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: ليس سوى «خطوة أولى» على طريق طويلة وصعبة. الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز: مجرد إجراء «مؤقت» يجب الحكم عليه بناء «على نتائجه». وزير الخارجية الصيني وانغ يي: يفيد جميع الأطراف لإقامة علاقات طبيعية مع إيران وبالطبع يفيد الشعب الإيراني لتكون حياته أفضل. وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف: المحادثات النووية الإيرانية انتصار دبلوماسي. وزير الخارجية الأميركي جون كيري: «سنبقي على عيوننا مفتوحة».