كم هو جميل أن يحيى الإنسان ليعاصر النهضة الحقيقية في مجتمعه ويساهم فيها بقدر ما استطاع. كم جميل أن يشهد البناء من الأساس قطعة قطعة على أُسس حقيقية ومتينة حتى يكتمل ذاك المنزل الكبير الذي سيأوينا جميعا والذي إسمه المغرب. كم جميل أن يُكنس هذا البيت من كل الأوساخ التي دنست واجهاته وجعلته يبدو بشعا رغم جماله. كم جميل أن نرى ذاك الحلم الذي ربيناه واختمر داخلنا لسنين يتحول يوما عن يوم إلى حقيقة. إن انطلاقة شرارة الثورات العربية ضد الاستبداد لأمر عظيم ربما لا نحس بمدى أهميته لأننا نعيش اللحظة بكل تفاصيلها ولكن سيسجل التاريخ بمداد الفخر والعزة عظمة إنجاز الشباب وستتذكرنا الأجيال القادمة بكثير من الإجلال والتقدير. اقتبست عنوان هذا المقال من الفيلم الضخم للمخرجة نرجس النجار "انهض يا مغرب". أحسست بجاذبية العنوان وتأثيره لحمولته السياسية والاجتماعية والعاطفية وظننت قبل أن أشاهد الفيلم أن المخرجة ستتطرق إلى عوامل الانبعاث الحقيقي للوطن الذي نحبه ولكني تفاجأت عندما وجدته يتحدث عن كرة القدم! إن النهضة الحقيقية لا يمكن أن تتحقق دون وجود عامل أساسي وهو الانفتاح العلمي والمعرفي. فإذا استحضرنا تاريخ النهضة الأوربية في أواخر العصور الوسطى سنجد أن الانفتاح على الإرث العلمي والفلسفي للمسلمين والإغريق وترجمة هذا الإرث واختراع المطبعة وظهور جيش من الفنانين والأدباء والمفكرين العقلانيين والفلاسفة والرياضيين والفلكيين غيَّر نمط المجتمعات الغربية ودفع نحو ثورة اقتصادية واجتماعية وعلمية وكشوفات جغرافية توسعت معها حدود العقل الغربي واهتماماته. ولازال هذا العقل يبحث عن آفاق وفتوحات جديدة بغزوه للكواكب والأقمار بعيدا في الفضاء! إن الشباب الذي يقود التغيير الآن في الوطن العربي يجب أن يعي المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقه. لا يجب أن تسكت الحناجر الذهبية ولا الأقلام الحرة لهذا الشباب إلا بتوقف سياسات التجهيل وقتل الحس النقدي وزرع اللامبلاة وتزييف المفاهيم وقتل الذوق. المواطن الصالح هو ذاك الذي يفكر وينتقد ويحلل وينتج وفي الأخير يضحي من أجل مصلحة وطنه وليس ذاك الذي يتمايل كالغصن مع هبوب الريح! انهض يا مغرب، نعم انهض، ولكن بشباب واعي ومسؤول، بسياسات وطنية ناجعة، بتعليم راقي ومتطور، بمؤسسات ديمقراطية، بأصالة وبعودة إلى الجذور وبانفتاح على الآخر وليس بانغماس وذوبان فيه، بإعلام هادف واحترافي وليس إعلام الشيخات والغناء والفلكلور. إن أهم شيء في الوجود كما يقول أوليفر ويندل هولمز ليس هو أين نقف ولكن أين نتجه ونسير وهذا ما يجب أن نعرفه.