يشهد المغرب حالة من التدافع والنقاش الدستوري خلقته الأوضاع العربية المتوترة في عدد من البلدان التي تشهد ثوراث تطالب بالتغيير الجدري، بعد خروج حركة 20 فبراير للمطالبة بالتغيير.في المغرب بعد الخطاب الملكي، هناك ما يشبه التوجه العام نحو نقاش ومقترحات دستورية تبقي للملك هيبته وتحفظ له مكانته بمحددات دستورية. أكثر المتفائلين يقول بأن المغرب لن يحكم بما حكم به قبل 50 سنة على حد تعبير الأستاذ عبد الإله بن كيران، أمين عام حزب العدالة والتنمية، لكن شباب حركة 20 فبراير، الذي أعطى دفعة قوية للنقاش الدستوري بالمغرب لايزال مصرا على مطالبه في التغيير التي تمس السلطتين التشريعية والتنفيذية، والأمر نفسه للحقوقيين والصحفيين عندما يتساءلون عن الضمانات الكافية بألا نخطيء مرة أخرى موعدنا مع التاريخ، فيكرر نفسه اتجاهنا بشكل ساخر. والمؤكد أن مايدفع به هؤلاء يبقى وجيها، وله اعتباراته الموضوعية، فكيف يمكن أن يطمئن الشعب المغربي وخصوصا شبابه، على دعاوى التغيير بالمغرب، في الوقت الذي يرون فيه أن العديد من الإشارت السياسية الداعمة غائبة أو مغيبة لحد الأن، مما يعني أن رسالة 20 فبراير لم تصل إلى المعنيين بالأمر عكس ما يقول به الأستاذ عادل بن حمزة عضو اللجنة التنفيذية بحزب الاستقلال. أولى هذه الإشارات الغائبة، أنه لحد الأن لم يتم الاستجابة لمطلب حل حكومة عباس الفاسي التي تعد من أضعف الحكومات في تاريخ المغرب، والتي جاء من صناديق انتخابية طبعها التزوير الكبير، وهو مطلب له ما يبرره أيضا، كون هذه الحكومة لم تقدم إلى المغاربة الشيء الكثير على المستوى الاقتصادي غير رهنه في ديون كبيرة، بالإضافة إلى أنه أحد المطالب الأولى للشباب في احتجاجاتهم. أما المؤشر السياسي الثاني، وهو حل البرلمان المغربي، فإنه لايفهم لحد الأن لماذا يتم الاحتفاظ بمؤسسة أقرت العديد من التقارير بحالة التزوير الكبير الذي مكن الكثير من أعضائها للوصول إليها. دون أن ننسى أن نسبة عزوف المغاربة في المشاركة في الانتخابات، يشبه نسبة عزوف شبابهم عن الزواج او عن القراءة. إن استمرار الحال على ماهو عليه بعد الخطاب الملكي ل9 مارس، دون الشروع في محاكمة الكثير من الوجوه الكبيرة الفاسدة في الوزارات أوالإدارة، أوالمجالس المنتخبة، لايبعث إشارات أمل دالة على السير في الطريق الصحيح. وحتى بدء محاسبة بعض رؤساء الجماعات السابقين أو المستشاريين الحاليين في مدن الجديدة، الخيايطة بإقليم سطات، وميسور، وبوزنيقة... تبقى مسألة محدودة. التجاوزات الأمنية التي ارتكبت في حق المتظاهرين بعد خطاب الملك محمد السادس زادت من حجم التخوف واعطت للمتشكيكين في التغيير مبررا آخر، لمواجهة كل المتفائلين. ولحد الآن تبدو الأجهزة الأمنية المغربية العلنية والسرية خارج سياق الاتجاه العام المتحدث عن القطع مع الماضي. فضرب المتظاهرين، وحتى الصحفيين في مراكش والدار البيضاء، ودكاترة التعليم الابتدائي والأساتذة المجازون في الرباط، هي أصدق الإشارات على أننا لم نبرح مكاننا بعد. مطالب التغيير ترتبط أيضا، بإزالة عدد من الأشخاص من مشهد الحكم في المغرب، أوبالأحرى إبعادهم من مكان المسؤولية والتسيير، وهي وجوه تؤثت سلط كثيرة من الحكومة والبرلمان إلى الجيش والمكاتب الوطنية ... وباتت تحيل في المخيال الجماعي المغربي على الفساد، والشطط في السلطة في غياب ركني الديموقراطية الأهمين "المساءلة والمحاسبة". بل إن تواجد هؤلاء في المسؤولية عشرات السنين يطرح حقا السؤال التالي أليس في االمغرب أفضل منهم؟ أليس هؤلاء ملوك صغار في مسؤولياتهم؟ إنها بالفعل كما اطلق عليها الأستاذ يحيى اليحياوي" منظومة، هي اليوم، تسيء إلى النظام أكثر مما تنفعه.خاصة بعد أن تنسمت العديد من الشعوب نسيم الحرية في الربيع العربي، وبعدما تتجه أخرى نحو صياغة الحكم ليصبح رشيدا. من المعيقات الكبيرة للتحول في المغرب إدارته التي تهيمن عليها بيروقراطية قاتلة، مهمتها وأد كل التجارب الإدارية الناجحة وإحباط أي تغيير داخل الإدارة المغربية. وهو إشكال حقيقي ينعكس يوميا على المواطن المغربي التي يتلقى إهانات يومية من الإدارة، فتصبح العلاقة تحديا بين الطرفين، وربما هو ما يترجم ماأقدم عليه شاب في مدينة طانطان بإحراق نفسه، بعدما طالبه مسؤول في عمالة المدينة بذلك تحديا له. تبقى المسألة الاجتماعية من أصعب التحديات التي تواجه التغيير في المغرب، فمئات الآف من الشباب ذوي الشهادات العاطل هو في حد ذاته قنبلة اجتماعية موقوتة في وجه أي حكم، وبعد أن أعطى البوعزيزي للشعوب العربية الحرية التي كان يفتقدها على حد تعبير "المحرر الإلكتروني طارق السعدي، وأحرق مع وفاته نظامين عربين وبات إثنين أخرين يترنحان والثالث في الطريق، فإن التفكير في حل معظلة الشغل للشباب وخصوصا حاملي الشهادات، يبقى ملحا إن كانت هناك نوايا حقيقية لدعم التغيير وترسيخ حالة من السلم الاجتماعي الحقيقي. إن هذه الإشارات السياسية تبدو لحد الأن غائبة، ويبدو أن الكثير ممن يقاومون التغيير يسعون بجهد كبير إلى جعلها مغيبة نهائيا، مما يترك عمل اللجنة الاستشارية لتعديل الدستور معزولا عن الظروف المساعدة لنجاحها، الأمر الذي يزيد من مخاوف أن تفتقد اللجنة إلى الاجتهاد الكافي فتنتج في النهاية دستورا "تحت الطلب"، أنذاك لن تنفع العمليات التجميلية، وسترتفع أصوات المطالبين بالعمليات الجراحية القيصرية، ويدخل المغرب في حالة عدم اليقين.