فشلت حكومة بنكيران في إقناع مهنيي قطاع الحليب بالتراجع عن الزيادة التي مست اسعار الحليب مؤخرا، لتؤكد من جديد ان مصالح المواطنين هي آخر اهتماماتها. ولم تجد حكومة العدالة والتنمية من طريقة للتستر على فشلها هذا سوى إخبار المواطنين بأن 60 في المائة على الاقل من تلك الزيادة ستؤول إلى جيوب او حسابات الفلاحين، معلنة بذلك عن فتح عظيم في مجال حل مشاكل بعض المستضعفين (الفلاحين) من خلال الاجهاز على القدرة الشرائية لمستضعفين آخرين(المواطن المستهلك)، وهو ما ينطبق عليه المثل المغربي الذي يقول "من لحيتو لقم ليه"، او كما قال رائد الكيمياء الفرنسي أنطوان لافوازييه "لا شيء يضيع و لا شيء يحدث و لكن الكل يتحول" « Rien ne se perd, rien ne se crée, tout se transforme ».
وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه المواطنون التراجع عن الزيادة في اسعار الحليب، لاسيما بعد الخروج الاعلامي لنجيب بوليف، حارس معبد الحكامة في حكومة بنكيران، والذي اكد أن الحكومة ستقوم ب"اللازم" في حق الشركة التي سابقت إلى الزيادة في ثمن منتوج "بزولة البقرة"، لم يجد وزير الفلاحة عزيز اخنوش غضاضة في التصريح للصحافة بأن شركات قطاع الحليب اتفقت، امس الأربعاء بالرباط، مع قطاع الفلاحة على العمل على تمكين الفلاحين ومربي الماشية من 60 في المائة على الأقل من المكاسب الناتجة عن الزيادة في سعر الحليب.
وأوضح سيادة الوزير أن هذا الإجراء سيدخل حيز التنفيذ منذ الآن مع أثر رجعي منذ بداية غشت 2013، كما لو ان ذلك سيشفي غليل المواطن الملسوع بنار الزيادة الاخيرة..
لا احد يعارض دعم الفلاحين والكسّابة، الذين يعتبرون الحلقة الاضعف في سلسلة انتاج الحليب، إلا ان هذا الدعم لا يجب ان يكون على حساب القدرة الشرائية للمواطنين بل يجب ان يكون دعما حكوميا من خلال تخصيص إعانات ومساعدات لتطوير قطاعهم ومواجهة المنافسة وإكراهات الازمة..
إن ما قامت به الحكومة هو اسهل الطرق لحل الازمات وهو ما فعلته من قبل من خلال الزيادات في اسعار المحروقات حتى تحافظ على توازناتها الماكرو اقتصادية، وهي اجراءات كنا ننتقدها في عهد الحكومات السابقة وكان حزب العدالة والتنمية من بين المعارضين الشرسين لهذه السياسة، ولا نظن ان الوزير بوليف سيسكُت عن هذه الاجراءات لو كان خارج الحكومة، حيث سيعمد لا محالة إلى اتهام المسؤولين على هكذا قرارات بالاذعان لسياسات الدوائر النقدية الدولية ولاملاءات مؤسسات "بريتن وودز"، ورهن اقتصاد البلاد في ايادي خارجية وهلمّ اوصاف سهلة ومريحة لكل من يريد كسب اصوات انتخابية...
ألم تكتب الصحافة من قبل بأن الوزيادات الاخيرة كانت مقررة قبل شهر رمضان وذلك باتفاق مع الحكومة، التي خرجت عن صمتها وقالت على لسان حارس "المعبد الحكامتي" (نسبة إلى الحكامة العزيزة على إخوان بنكيران)، ان شركة سانطرال ليتيير حرة في مبادرتها، أي في قرار الزيادة في سعر الحليب، مؤكدا ان هذه المادة لا تدخل في لائحة المواد المدعمة من طرف الحكومة، وبتطبيق منطقي بسيط فإن كل المواد التي لا تدخل في نطاق الدعم الحكومي يمكن الزيادة فيها دون الرجوع إلى القوانين المؤطرة في هذا المجال، وبالعربية تاعرابت فإن الليبرالية التي يدعو إليها حزب بنكيران هي ما يصطلح عليها ب"الليبرالية المتوحشة"، و إن شئتم قلنا "الليبرالية العفاريتية أوالتماسيحية" لكي نبقى اوفياء للمرجعية المفاهيمية لرئيس الحكومة..