شهد التاريخ البشري مظاهر عديدة للهولوكوست بسبب مؤثرات خارجية من مظاهر عرقية أواختراقات امبريالية وأشهر هذه المحارق على الإطلاق الهولوكست الألماني وأفرانه الشهيرة التي أعدها هتلر النازي لحرق اليهود وإن كان من يشكك في هذه الوقائع أصلا، وهناك الهولوكوست الأسود كناية على مقتل آلاف الافارقة على متن السفن التي كانت تنقلهم الى عالم العبودية والهولوكوست الأصفر بفعل استعمار اليابان للصين وما تبع ذلك من فتك ودمار. ولعل ما يشهده العالم العربي والدول المغاربية على وجه الخصوص من حرق للذات االمهترئة والمثقلة بالخيبات والظلم والاستبداد، هو هولوكوست عربي جديد لأن رائحة الشواء الآدمية ترددت في العديد من العواصم ...والأسئلة التي تفرض نفسها بإلحاح إن كانت الظاهرة البوعزيزية أعطت أكلها بالقصاص من نظام كتم الأنفاس وعاث فسادا في هذا القطر الأمين، لماذا بقيت الأجساد المحترقة في دول اخرى كثر فيها الانتحار بالنار دون ضجيج جماهيري أ وتجمهر نوعي حول الجسد المحترق؟..ولماذا انتقلت هذه العدوى بين شعوب الدول العربية التي تلتقي في التاريخ والعرق والدين ولم تنتقل لدول الجوار من إفريقيا جنوب الصحراء التي تعتبر في التصنيفات الدولية اكثر بؤسا؟ لقد امتزج الخوف بالحزن في مشاهدة الجثث وهي تحترق بالبنزين الذي يدر عائدات كبيرة جدا على دول مثل الجزائر ملايير الدولارات سنويا... فقد اختار المهمشين من بلد الشرفاء والمفكرين قدرا آخر وهو الاكتواء بلظى ثروتهم الطبيعية ،التي نقلتهم ربما الى عالم الجحيم بدل النعيم فقد قال تعالى (( و لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا.)) صدق الله العظيم . إن قصة الهولوكوست العربي بحرق الأحياء بالبنزين هو صناعة للجنرالات الجزائريين بامتياز إذ يقول الكاتب الجزائري الفار إلى فرنسا ( حبيب سويدية) وهو ضابط سابق في الجيش في كتابه (الحرب القذرة) ....../ رأيت زملاء لي في الجيش يحرقون صبيا عمره 15 سنة ورأيت جنودا يتنكرون في زي إسلامي و يذبحون المدنيين ورأيت ضباطا يقتلون ببرودة.../ وفي موضع آخر يسمي ضابطا سكب البنزين على شاب عمره 35 سنة وحرقه حتى الموت . إن المغزى من هذه المقاربة المؤلمة هي تواطئ النظام في تطبيع الموت لدى المخيلة الشعبية ...فشباب اليوم شاهد في التسعينيات على سفاحين لم يقف في طريقهم طفل أو شيخ ..لقد بقروا بطون الحوامل ونكلوا ومثلوا بالجثث، فكان مجلس حقوق الإنسان يسجل أكثر من 50 حالة ذبح بالسكين وفصل الرؤوس عن الأجساد بكل همجية....نعم هي حقائق جارحة لكنها تبقى للتاريخ والحاضر والمستقبل. إن ما يحز في نفوسنا كثيرا هو إقدام الشباب على الإحتراق في وطن له ثروة طبيعية وبشرية هائلة..فقد كنا سنلتمس القليل من العذر على انتقال الظاهرة البوعزيزية الى أوطان معدومة الموارد، لكن بلد كالجزائر يستحق أن يكون مواطنيه بين أعلى الدول دخلا لا المعاناة من البؤس والحرمان...لقد أرادته اللوبيات المتعفنة هكذا..شعبا بيولوجيا تملأه بما شاءت من برامجها ونزواتها الشيطانية عاملة على طمس نموه الروحي والنفسي والفكري...فصار تفقير الشعب ورميه كحارس دائم على أول الأزقة والدروب وتشجيعه على استهلاك المخدرات والحبوب المهلوسة أوليات لخدمة أجندة اللصوصية و الفساد. بذلك انتقلت سواعد الأمة تخديرا وظلما إلى أداة في حروب استنزافية للثروة البشرية وركنا أساسيا من أساليب اللعبة المكشوفة وهنا أستحضر فيديو تناقلته وسائل الإعلام الإلكترونية للمنتفضين على الواقع المفروض جورا وعدوانا إذ يقول جزائري ثائر (( إنهم يريدون لنا التهميش.. ويدعمون البوليساريو من ثرواتنا لقد قالوا لنا هيا إلى أم درمان فذهبنا...واليوم يقولون هيا لرفع الأسعار..)) لقد قطع لي هذا الشاب الشك باليقين من ان صدمته الفجائية هاته رد فعل إيجابي أما الأخطار المحدقة بعوالمه...وللمؤامرات التي تطبخ ضده في ردهات القرار.. وهكذا فتفشي الهولوكوست العربي بهذه الصورة التراجيدية المخيفة، انعكاس لا شعوري للعقل المكبل وللغريزة العاطفية/الوحدوية ...هم توحدوا في موت ذو ماركة عربية مسجلة ..في أول شهر من سنة 2011 كأجساد تسري فيها دماء واحدة...وهذا دليل على نبض الشارع الذي مل من جدلية القاهر والمقهور داخليا وخارجيا فالأمة الإسلامية قطرا واحدا إن اشتكى منها عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. يتيم هو هذا الجسد حتى من إعلامه ..الذي يغلب عليه طابع الإسترزاق وتطييب الخواطر فثورة النار والدم، التي اغتالتها قناة العربية الإخبارية السعودية بمصطلح ثورة الياسمين لإضفاء طابع السلم بما يتوافق مع هوى قصور الخليج العربي...هذه الثورة هللت لها مواقع نظامية بحماس منقطع النظير ...ليس لطغيان الرئيس المخلوع زين العابدين بنعلي وفساده العلني لكن لكونه ربما قال كلمة حق، سربها موقع الفضائح ويكيليكس من أن الجزائر تعرقل سير المغرب العربي بدعمها لانفصال الصحراء الغربية ....فهذا النظام أسقطه شعب آمن بقضيته العادلة إلى جانب جيش مد يده بقوة إلى الرحمة والعدل... إذن متى توفرت هذه الثنائية التاريخية سيتم احتواء وازع الشقاق الذي يحقق للطغاة زمام الإستفراد بالأمر..وسنكون إزاء مشهد اجتماعي خال من فزع المحارق . محمد بوعلالة