احتضن مجلس المستشارين لقاء فكريا ودبلوماسيا في موضوع "العلاقات المغربية النمساوية على عهد العلويين"، وهو اللقاء الذي حضره سفير النمسا بالمغرب، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، ورؤساء الفرق البرلمانية، ومفكريين، وشخصيات تنتمي لعالم الفكر والمعرفة والثقافة. وأكد محمد الشيخ بيد الله، رئيس مجلس المستشارين، في كلمة على هامش تخليد ذكرى توقيع أول معاهدة بين المغرب والنمسا الذي احتضنه مجلس المستشارين صباح اليوم، أن اللقاء يكتسي أهمية بالغة، فالنمسا يقول رئيس مجلس المستشارين بلد عريق، أسهم في بناء الحضارة العالمية والقيم الكونية المتأسسة على قيم الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية والسلم في العالم. والمغرب من جهته بلد لازال يشكل حلقة وصل بين العطاء الحضاري والعربي والإغريقي والهندي، وبين أوروبا الناشئة، ثم أوروبا بعد الحربين العالميتين، والتي هي اليوم قوة وازنة على الصعيد العالمي بفضل اتحادها .
وفي السياق ذاته اعتبر بيد الله، في هذا اللقاء الذي حضره سفير دولة النمسا ورئيس مجلس النواب وبرلمانيين مغاربة و وسفراء بعض الدول الأجنبية وشخصيات تنتمي لعالم الفكر والثقافة والتاريخ، أن الدور الاستراتيجي للمغرب جاء انطلاقا من تبنيه المبكر للخيار الديمقراطي، والتزامه بالقيم الكونية، وانفتاحه المستمر على مختلف بلدان العالم ومنها بلد النمسا صديق المغرب منذ أمد بعيد.
وأضاف رئيس مجلس المستشارين أن للمغرب تعاقد مجتمعي مستشرف للمستقبل يضمن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة لكافة مواطنيه، وهو ما جسده دستور 2011، الذي ولج من خلاله المغرب تحت قيادة جلالة الملك الألفية الثالثة في مناخ قوامه الأمن والاستقرار والطمأنينة.
وفي السياق ذاته أوضح بيد الله أن العلاقات المغربية النمساوية تمتد إلى ثلاثة عقود خلت، حينما وقع السلطان سيدي محمد الثالث والإمبراطور هابسبورغ جوزيف الثاني سنة 783، لأول اتفاقية بين البلدين، أعقبها إرسال أول بعثة دبلوماسية مغربية لفيينا. كما أن العلاقات المغربية النمساوية ظلت تستمد قوتها من التاريخ المشترك والتضامن الإنساني الذي جسده حضور الجنود المغاربة في مواجهة النازية، ومشاركتهم في تحرير النمسا من قبضة النازية، ثم زيارة المغفور له جلالة الملك محمد الخامس لمدينة بريجنس حيث قام باستعراض الكتيبة العسكرية المغربية التي شاركت في تحرير النمسا.
الى ذلك اعتبر بيد الله زيارة الوفد النمساوي لبنة أخرى ستدفع في اتجاه تقوية علاقات التعاون التاريخية بين البلدين، والمساهمة في الارتقاء التدريجي بها إلى شراكة منتجة ومستديمة، سيسهم فيها البرلمانيون سواء على مستوى البرلمان الأوروبي في إطار الوضع المتقدم للشراكة التي يحظى بها المغرب، أو على مستوى الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا الذي يعد المغرب شريكا لها من اجل ترسيخ الديمقراطية.
واستعرض الدكتور عبد الهادي التازي، عضو أكاديمية المملكة المغربية، العديد من الجوانب التاريخية للعلاقات المغربية النمساوية، مذكرا بخطاب الراحل الحسن الثاني بتاريخ الثامن من يونيو من العام 1987 ، الذي تحدث فيه عن القرب الجغرافي للمغرب من اوروبا، وعلى أن التاريخ نسج بين المغرب واوروبا طوال قرون عدة، صلات بلغت من العمق لدرجة جعلت حضارتهما تتداخل، وأبانت في مناسبات عديدة عن وحدة المصير التي تجمع المغرب واوروبا.
واستعرض التازي في كلمته العديد من الموافق التاريخية التي جمعت المغرب والنمسا، ومنها البعثة التي أرسلها العاهل المغربي سيدي محمد بن عبد الله إلى الإمبراطور جوزيف الثاني، والتي كانت تحمل، بالاضافة إلى جانبها السياسي، غرضا إنسانيا يتمثل في المساعي الحميدة التي قام بها ملك المغرب محمد الثالث من اجل تطويق الخلاف بين تركيا والنمسا وجعل حد لحالة التوتر بين البلدين. وهو ما يعني أن المغرب كان يحرص على السلام بين الدول ويسعى إلى الوساطة بين الأمم، ويدعو إلى الحوار بدل الاندفاع نحو المواجهات. كما أن العاهل المغربي، يقول المؤرخ المغربي عبد الهادي التازي، عندما شعر بالحاجة إلى تجديد الجيش المغربي، توجه إلى النمسا لكي تزوده بالقوانين الحربية التي تتوفر عليها. فيما كان الأدب النمساوي ذاته يتغنى منذ العصور الوسطى بالحرير المغربي الذي كان يصل النمسا عن طريق الهدايا المغربية التي كان سفراء المغرب يحملونها إلى الإمبراطور.