تعالج غرفة الجنايات الاستئنافية بالرباط منذ أشهر ملف البنك الوطني للإنماء الاقتصادي المتابع فيه مدير عام سابق كان قد حكم بالبراءة من طرف غرفة الجنايات الابتدائية في قضية اختلاس وتبديد أموال عامة واستغلال النفوذ وصلت مبالغها إلى 200.000.000 درهم. وقال دفاع المتهم في مرافعته: "إنه بعد سنوات من التحقيق الذي خلص إلى عدم المتابعة وصدور حكم غرفة الجنايات "الناس ما بغاتش تفهم"، وحين صدور هذا الحكم تم استئنافه في القاعة بدون استشارة مع الوكيل العام وأن وزارة العدل لم تصدر أي تعليمات، ووقع التَّصرف في الاستئناف، وهناك جهات خارج القضاء دون أن يتمم الجملة .
وأشار الدفاع إلى أن قصاصات صحفية حول المؤسسة البنكية ظلت تصدر منذ 2002 لتنتهي في شهر ديسمبر 2004 للحديث عن أشياء وهمية لقبول تصفية البنك... وأنه حينما استقبل قاضي التحقيق مصطفى الباكوري الذي تردد اسمه مرارا في مرافعات الدفاع بدأت الوثائق تخرج بعد أن وجدت المفتشية صعوبات في الحصول عليها... وأرادوا مسح الملف في موكله، وأن الباكوري عقد بعدها مباشرة جمعا عاما.. وتمت تصفية مقاولة كانت بمثابة جوهرة في النقل... مضيفا: "بعدما دخل مؤازري السجن بيعت عمارة بطنجة ب 23 مليون درهم بعد أن كانت خبرة حددت المبلغ في 41 مليون درهم، وأرادوا أن يفهمونا أن موكلي كان ينهب من البنك في غياب وقائع مادية ملموسة وتحميله المسؤولية وحصر علاقاته مع زبون واحد في قضية 20 مليار، في حين أننا سمعنا في الصحافة أخيرا خسارة لصندوق الإيداع والتدبير تهم مبلغ 370 مليار، وأن قضية "كلوب ميد" من أسباب السطو على البنك، وأنه لا يجب تقديم أكباش الفداء لتغطية أشياء أخرى، كما كانت هناك مكافآت مادية لعناصر من المفتشية العامة للمالية التابعة لوزارة المالية التي أنجزت تقريراً خارج الإطار الوظيفي والقانوني، الشيء الذي يجعل هذه التقارير لا تبعث على الاطمئنان.
كما تحدث دفاع المتهم من جهة عن مساومات لخروج هذا الأخير من السجن حينما كان معتقلا، إلا أنه رفض ذلك، ومن جهة ثانية عن "تتريك" المؤسسة البنكية، ومحاولة توريط موكله في قضية الإعلاميات التي استُمع فيها لرحو الهيلع الذي "عياو ما يعصرو فيه، وهو نائب برلماني، ولم يصوروا منه أي شيء" ومن جهة أخرى تحدث الدفاع عن تعيين مدير عام للقرض العقاري والسياحي مكان خالد عليوة دون أن يفصح عن التفاصيل.
وكانت المحكمة قد واصلت مساء الجمعة الفائت مناقشة هذا الملف، الذي يعد من مخلفات محكمة العدل الخاصة الملغاة سنة 2004، والمتابع فيه كل من مدير عام للبنك في حالة سراح، بعد أدائه كفالة 3000. 000 درهم يوم 2005/1/20، ومتهم آخر في حالة فرار.
ووجهت للمتهميْن تهم اختلاس وتبديد أموال عامة والمشاركة في ذلك، واستغلال النفوذ، طبقا لمقتضيات الفصول 241 و250، و129 من القانون الجنائي.
وكانت الغرفة الجنائية الابتدائية قد قضت ببراءة المتهم الأول بعد أن كانت غرفة المشورة قد أمرت بإلغاء قرار قاضي التحقيق بعدم الاختصاص النوعي بالنسبة للمتهم الثاني/الزبون الموجود في حالة فرار، باعتبار أن الأفعال تكتسي صبغة مدنية صرفة، وعدم متابعة المتهم الأول المسؤول عن المؤسسة البنكية.
وكان دفاع الطرف المدني قد تقدم بتاريخ 24 ماي 2004 بشكاية إلى وزير العدل بعد أن أعدت المفتشية العامة التابعة لوزارة المالية تقريرا على ضوء الافتحاص المجرى على مالية البنك، حيث لاحظت وجود اختلاسات مالية هامة نتيجة القيام بعمليات مشبوهة وإسناد صفقات عمومية بأساليب مجانبة للقانون ومنح قروض في غياب الضمانات الكفيلة لاسترجاعها والتنازل عن قروض دون موافقة أعضاء المجلس الإداري للمؤسسة البنكية، مما كبدها خسارة 200.000.000 درهم، حسب بعض الوثائق.
وكانت النيابة العامة، ممثلة في الأستاذ خالد كردودي، قد التمست إلغاء الحكم الابتدائي القاضي بالبراءة، والحكم بالإدانة في الأقصى مع مصادرة الممتلكات وإرجاع المبالغ المُختلسة والمُبددة.
أما دفاع المتهم فقد خصص حيزاً هاما من مرافعته لدحض ما ورد في تقارير التفتيش المتسمة بخروقات شكلية من حيث التواريخ والتوقيع وعدم مرورها عبر وزير المالية، مدليا للمحكمة بنص الحوار المنشور يوم 22 مارس 2013 للمفتش العام لوزارة المالية الذي يؤكد أن الجهة الوحيدة المُخوّل لها إحالة التقارير هي وزير المالية، أو الوزير الوصي عن القطاع موضوع ادعاء الاختلاس والاختلال.
وأكد الدفاع أنه لا يمكن أن نستبلد القضاء، متسائلا: لماذا تم حصر الملف في علاقة موكله بشخص واحد طيلة مساره المهني، والذي كانت بيديه إمكانيات مالية كبيرة، كقضية اقتناء باخرة ب 9.5 مليون دولار؟ ولماذا لم تتم مساءلة الأشخاص المسؤولين عن الصفقات والقروض وتعاقد نقل الملكيات وشراء الوكالات، باعتبار أنه ليس هناك مسؤولية على فعل الغير في المجال الجنائي، وأن الإقرار بالخطإ التدبيري للمؤسسة هو موقف فيه الشهامة، علما أن الاعتراف يكون أمام القضاء الجنائي ولا يمكن تجريء الإقرار، الذي يفترض أن يكون صريحا وواضحا، مضيفا أن مؤازره مجرد منفذ لسياسة السلطات النقدية، والتي تبناها "السياسة" المجلس الإداري للبنك، خاصة أن مؤسسة دولية مختصة في تدقيق الحسابات أكدت في تقريرها، الذي أمر به قاضي التحقيق ولم يطعن فيه أي أحد، على سلامة العمليات المتعلقة بالقروض والمعلوميات والعقارات.
كما أوضح الدفاع أن موكله نجح في إنقاذ المؤسسة البنكية من الغرق بشكاية تحمل مبالغ مزعومة لا أساس لها من الصحة، وأن قاضي التحقيق كان يطالب الطرف المدني بما يُفيد خسارته إلى درجة أنه وجه كتابا في الموضوع، لكن تمخض الجبل فولد فأرا بعد أن قامت مجموعه بحفر خندق لموكله من أجل السقوط فيه - يقول الدفاع- ملتمسا الحكم وفق المنطوق الابتدائي، إعمالا لقرينة البراءة التي أضحى منصوصا عليها في الدستور الذي أكد من جهة على "التطبيق العادل للقانون" وانانة مسؤولية "الأمن القضائي" بالقضاة، فضلا على أن الأحكام تبنى على اليقين والجزم والقناعة الوجدانية للقاضي، وأن الشكل يفسر لصالح المتهم، وضرورة توفر الإرادة والقصد الجنائي.
وتتكون هيئة الحكم من الأساتذة: عبد الرحمان الخياري: رئيسا، ومحمد بلاز، ومجتهد الركراكي، وعبد الرزاق القاضي، والأستاذة بشوش: أعضاء، والأستاذ خالد كردودي: ممثلا للنيابة العامة، ومصطفى هنون: كاتبا للضبط.