سقوط 11 عنصرا من الأمن المغربي بسبب عدم استعماله ذخيرة حية خلال تفكيك المخيم الاحتجاجي شكلت أحداث العنف التي عرفتها مدينة العيون، كبرى مدن الصحراء، أهم حدث سياسي عرفه المغرب خلال العام الحالي، حيث اتسمت بالخطورة على المستوى الأمني، وأفرزت تداعيات داخلية وإقليمية والدولية لا تزال تتفاعل، إضافة إلى أنها وضعت العلاقات المغربية - الإسبانية على الحافة، كما تمثلت في رد الفعل المغربي في تنظيم أكبر مسيرة تأكيد «لمغربية الصحراء» في تاريخ المغرب الحديث، حيث شارك فيها أزيد من مليوني مغربي، وذلك منذ استرجاع الصحراء عام 1975 عبر المسيرة الخضراء السلمية.
وعلى المستوى الأمني، أدت أحداث العيون التي نتجت عن تدخل قوات الأمن المغربية لتفكيك مخيم أقامه محتجون صحراويون في ضواحي المدينة يطالبون بوظائف وتوفير مساكن لهم، بعد فشل مساعي الحوار معهم، في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى مقتل 11 من قوات الأمن المغربية، فضلا عن مقتل مدنيين.
وعقب تفكيك المخيم اندلعت أحداث عنف بالغة الضراوة، تم خلالها إحراق عدد من المؤسسات الحكومية والمصارف والمتاجر والسيارات، من طرف المتظاهرين الذين نقلوا مواجهاتهم مع قوات الأمن من المخيم إلى شوارع وأحياء مدينة العيون الرئيسية.
وتعود أسباب ارتفاع عدد الضحايا في صفوف قوات الأمن الذين قتل بعضهم بطريقة وحشية، كما أظهر شريط فيديو وزعته وزارة الداخلية المغربية بعد الأحداث، إلى أن قوات الأمن التي عملت على تفكيك اعتصام المحتجين في المخيم، الذي أقيم قبل شهر من اندلاع الأحداث، دون استعمال أسلحة نارية، حيث اكتفت قوات الأمن بتفريق المتظاهرين عن طريق استعمال خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع، فيما كان بعض المشاركين في المخيم مدججين بأسلحة بيضاء تتكون من سكاكين وسيوف وعصي وزجاجات حارقة وأنابيب غاز، استعدادا لمواجهة محتملة مع عناصر الأمن، حسب ما أكدته وزارة الداخلية، إلى جانب تقارير المنظمات الحقوقية. بيد أن عدم استعمال قوات الأمن للقوة اللازمة أثناء التدخل أثار بدوره تساؤلات كثيرة عن المغزى من دفع عشرات من عناصر الأمن حديثي التخرج إلى مواجهة غير متكافئة من دون وسائل للدفاع عن النفس.
ووجه المغرب اتهامات مباشرة إلى عناصر منتمية إلى جبهة البوليساريو، أو ما يطلق عليهم في المغرب «انفصاليي الداخل»، بالوقوف وراء أحداث الشغب والعنف الخطيرة التي حصلت في العيون بدعم من الجزائر.
وكان لأحداث العيون تداعيات واسعة على المستويين الإقليمي والدولي، إذ تحركت جبهة البوليساريو بشكل مكثف لاستغلال تلك الأحداث من أجل حث الأممالمتحدة على إدانة المغرب وإجراء تحقيق في الأحداث، بدعم غير مسبوق من طرف أوساط إسبانية، خصوصا أن الأحداث تزامنت مع انعقاد الجولة الثالثة من المفاوضات غير الرسمية بين المغرب وجبهة البوليساريو بحضور الجزائر وموريتانيا في ضاحية مانهاست بنيويورك، حيث خيمت الأحداث على أجواء تلك المفاوضات.
وفي هذا السياق، يقول ميلود بلقاضي، الباحث والمحلل السياسي المغربي ل«الشرق الأوسط» إن المغرب شهد في عام 2010 مجموعة من الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بيد أن أهمها هو أحداث العيون لأنها جاءت بتزامن مع انعقاد المفاوضات غير المباشرة مع جبهة البوليساريو، وفي الوقت الذي حصل فيه مشروع الحكم الذاتي، الذي اقترحه المغرب حلا لنزاع الصحراء على مستوى أكبر من التفهم الدولي، كما جاءت الأحداث لصالح جبهة البوليساريو التي تعرف أزمة داخلية وانشقاقات واسعة، بينما تمر الجزائر بأزمة اقتصادية وسياسية.
وقال بلقاضي إن المغرب فوجئ بهذه الأحداث، لأنها أعادت قضية الصحراء سنوات إلى الوراء، بالنظر إلى تداعياتها الكبرى، فهي جرت في العيون أكبر مدن الصحراء وما تحمله من رمزية، بالإضافة إلى مقتل عدد كبير من قوات الأمن التي تعد رمزا للسيادة المغربية.
وأضاف بلقاضي أن هذه الأحداث التي كان من الممكن تجنب وقوعها، كانت لها تداعيات كبيرة داخليا وإقليميا ودوليا.
وعلى المستوى الداخلي شعر المغاربة، كما يقول بلقاضي، بنوع من «الإهانة» لأنهم لم يستطيعوا استيعاب هذه الأحداث لأنها أتت في عز تباهي المغرب بالمشاريع الاقتصادية الكبرى التي شرع في تنفيذها. أما على المستوى الإقليمي، فجاءت الأحداث، حسب رأيه، لضرب تقارب استراتيجي مهم كان موجودا بين المغرب وإسبانيا، ففي الوقت الذي كان المغرب يريد تقوية حضوره في الاتحاد الأوروبي بعد حصوله على الوضع المتقدم، برز الحزب الشعبي الإسباني اليميني المعارض، واستطاع أن يؤثر في البرلمان الأوروبي ليصدر قرارا «مؤلما» للمغرب، على حد تعبيره، ويتلقى ضربة موجعة من حليفه التقليدي وهو الاتحاد الأوروبي، خصوصا على مستوى حقوق الإنسان، وهي النقطة القوية التي كانت تحسب لصالح المغرب في الخارج.
وأشار بلقاضي إلى أن الخطير في القرارين الصادرين عن البرلمانين الأوروبي والإسباني اللذين يدينان أحداث العيون هو دعوتهما الأممالمتحدة لتشكيل لجنة تحقيق حول ما حدث، وهو ما اعتبر ضربا للسيادة المغربية، مما اضطر المغرب ليرد بكيفية مباشرة على هذه المواقف بتنظيم مسيرة شعبية حاشدة في الدارالبيضاء للتنديد بموقف الحزب الشعبي الإسباني، ثم الإسراع بتعيين أحمدو ولد سويلم، القيادي المنشق عن جبهة البوليساريو، سفيرا لدى إسبانيا حيث شعرت مدريد بالحرج في علاقتها الدبلوماسية مع المغرب فقبلت على مضض تعيين ولد سويلم سفيرا لديها.
إلى ذلك، اعتبر المغرب قرار البرلمان الأوروبي، الذي ساند طرح الحزب الشعبي الإسباني «طعنا له في الظهر»، وأنه اتخذ «بشكل متسرع وعبثي».
وبعد صدور قرار البرلمان الإسباني المندد بدوره بالأحداث، والمطالب بتوسيع مهمة بعثة «المينورسو» لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، انتفض المغرب ضد إسبانيا، ونفس الشيء قامت به مختلف الأحزاب السياسية المغربية، وهددت الرباط بمراجعة مجمل علاقاتها مع مدريد، واستعملت لغة تصعيد غير مسبوقة، احتجاجا على ما اعتبرته «اعتداء على مصالحها العليا»، وأشهرت من جديد ورقة «سبتة ومليلية» المحتلتين في وجه الحكومة الاشتراكية التي كانت تميل إلى تخفيف حدة التوتر مع المغرب.
وفي غضون ذلك، انتقد المغرب بشدة نشر وسائل إعلام إسبانية بما فيها وكالة الأنباء الحكومية «إيفي» صورة أطفال ضحايا الاعتداء الإسرائيلي على غزة، على أنها صور من أحداث العيون، قبل أن يعود الهدوء الحذر ليخيم بالتدريج على سماء الرباطومدريد.
وفي هذا السياق، قال بلقاضي إنه بعد أحداث العيون أصبح المغرب مطالبا بعمل الكثير لإقناع حليفه التقليدي أي الاتحاد الأوروبي، الذي تربطه به علاقات اقتصادية وثقافية ولغوية، وخصوصا المؤسسة البرلمانية الأوروبية التي تملك صلاحيات إصدار القرارات.
كما أنه مطالب بتغيير منهجيته في التعامل مع قضيته الوطنية (قضية الصحراء)، فهذه الأحداث أبانت، من وجهة نظره، عن ضعف المؤسسات السياسية والدبلوماسية والإعلامية المغربية، ذلك أن المغرب ما زال يتعامل مع نزاع الصحراء بالوسائل التقليدية.
وزاد قائلا: «إن الدبلوماسية المغربية أبانت عن عجز في نهج السياسات الاستباقية لمنع كل ما يمكن أن يضر بقضية الصحراء».
وجدير بالذكر، أن أولى تداعيات أحداث العيون على المستوى الداخلي تمثلت في إعفاء العاهل المغربي الملك محمد السادس، محمد جلموس، والي (محافظ) العيون من منصبه وعين مكانه خليل الدخيل، وهو شخصية صحراوية بارزة. وكان قد تقرر نقل جلموس واليا إلى مدينة أسفي (جنوبالدارالبيضاء)، قبل أن تتم إقالته من منصبه الجديد في ظرف وجيز.
ووجهت لجلموس انتقادات شديدة من قبل حمدي ولد الرشيد، رئيس بلدية العيون، المنتمي لحزب الاستقلال، الذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي، وحمله مسؤولية التغاضي عن إقامة مخيم الاحتجاج، وما أعقبه من أحداث، بيد أن هذه الانتقادات كشفت عن صراعات سياسية وحزبية حول تولي أمور المنطقة بين الحزبين الغريمين «الاستقلال» و«الأصالة والمعاصرة»، الذي أسسه فؤاد عالي الهمة، المقرب من دوائر القرار. وانعكس هذا الصراع وتبادل الاتهامات بين الطرفين على تشكيل اللجنة التي أنشأها البرلمان المغربي من أجل تقصي الحقائق حول أحداث العيون، وهي لجنة مشكلة من مختلف الأحزاب السياسية الرئيسية، حيث من المنتظر أن تقدم تقريرا خاصا عن الأحداث خلال الأيام المقبلة بعد أن انتقلت إلى العيون واستمعت إلى إفادات مختلف الأطراف من مسؤولين محليين، وشيوخ قبائل، وممثلي منظمات المجتمع المدني، وعائلات المعتقلين المتورطين في تلك الأحداث.
وكانت عدة جمعيات حقوقية مغربية مستقلة قد أعدت تقارير عن أحداث العيون، وتوصلت إلى نفس النتائج التي أعلنت عنها وزارة الداخلية المغربية، خصوصا فيما يتعلق بعدد القتلى في صفوف قوات الأمن والمدنيين، وتأكيد عدم استعمال الذخيرة الحية من طرف عناصر الأمن المغربي خلال تفكيك المخيم وتفريق المتظاهرين، خلافا لما روجته جبهة البوليساريو التي زعمت سقوط العشرات من المدنيين، بل تحدثت عن «إبادة جماعية» للصحراويين، الأمر الذي نفته منظمات حقوقية دولية.
بيد أن تقارير المنظمات المغربية حملت السلطات المحلية في المدينة مسؤولية ما آلت إليه الأمور في مخيم المحتجين، وذكرت أن تغليب المصلحة الخاصة أو القبلية، أسهم في تأجيج الصراع بالمنطقة، كما كشفت عن تجاوزات حدثت من قبل مسؤولين محليين فيما يخص توزيع بقع أرضية للسكن على غير مستحقيه، كما انتقدت الطريقة التي تعامل بها الإعلام المغربي الرسمي مع الأحداث، وضعف تأثيره في الخارج.