شعب بريس من الصعب جدا أن تكون محبوبا من طرف الأغبياء"، هي العبارة ذاتها التي كانت مرافقة لرسم كاريكاتوري حول النبي محمد، نشر في عدد سابق من الأسبوعية الفرنسية الساخرة، "شارلي إيبدو". نفس العبارة يمكن ربما أن تكون على رؤوس ألسنة كثير من المسلمين إذا استمعوا إلى ستيفان شاربوني، مدير الأسبوعية المعروف ب"شارب"، متحدثا في استجواب مع المجلة المغربية الناطقة بالفرنسية "تيل كيل"، عن الرسم الأخير الذي صب فيه الزيت على نار الاحتجاجات على فيلم "براءة المسلمين" حسب العديدين.
وبينما كشف شارب، ردا على القائلين، بأن مجلته تواجه صعوبات مالية ورسوماتها حول الإسلام ترفع مبيعاتها، تجعلها مبيوعة كالخبز، فإنه من أصل 1058 مجموع أعداد هذه الأسبوعية الساخرة، كان الإسلام موضوع ثلاث أعداد فقط، وعلى فترات زمنية متفرقة، زاد قائلا عن حكاية الرسم الأخير "قمنا بإنجاز هذا الغلاف مواكبة منا للأحداث الجارية، ووظفنا صورة النبي من أجل السخرية والنيل من قيمة فيلم "براءة المسلمين"، الذي لا يعدو أن يكون فيلما رديئا"، ويستمر شارب في سرد قصة الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد في حواره مع الزميلة "تيل كيل"، ويقول: "أنا من أنجزت الرسم، وككل بداية أسبوع الاثنين صباحا، نجتمع في هيأة التحرير وننجز رسومات عدة، وبعد الزوال نصوت جميعا لاختيار الرسم الذي سيكون موضوع الغلاف أو الصفحة الأولى. كنا قد ترددنا بين رسمين، الأول للكاريكاتيريست "لوز" عن لقطة شهيرة تقول فيها بريجيديت باردو (وأردافي؟ هل تحب أردافي)، والثاني هو اسم حول فيلم "براءة المسلمين" يحيل عنوانه على فيلم آخر وهو "لانتوشابل"، وفي النهاية اخترنا رسمي كغلاف للعدد". وأضاف شارلي قائلا: "في الرسم نقدم مسلما على مقعد متحرك ويدفعه يهودي، وهنا بطريقة أو بأخرى توجد رسالة سلام، نريد للمسلمين واليهود أن يحبوا بعضهم البعض في النهاية، وأن يتمكنوا من السخرية من أنفسهم، كنا متفائلين، لكن ردود الأفعال لم تكن كما كنا ننتظر، فالمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا أدان الرسم، ومن جانب المسلمين يتجه المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية نحو رفع دعوى قضائية".
هذه الإجابات لم تشفع للكاريكاتريست الفرنسي من تفادي الأسئلة المستفزة للصحافية المغربية فدوى إصلاح، التي أجرت الاستجواب، حينها سألته "لندع جانبا ورقة حرية التعبير، ألا ترى أن الظرفية غير مناسبة ولم تراع حتى لأرواح الفرنسية في البلدان المسلمة؟"، وهنا جواب شارب كان حاسما فقال: "لن نكون جريدة ساخرة إذا ما بدأنا نتصرف وكأننا دبلوماسيين، تخوفنا الحقيقي هو قدرتنا على أن نكون يقظين وأكثر مسؤولية، أما المتطرفون أينما كانوا فحينما يكونون في حاجة إلى إعداد السياقات لتبرير العنف فهم يجدونها دائما، ولا أعتقد أن ريشتي بإمكانها أن تضع حياة شخص في خطر، أتتذكرون السنة الماضية، حينما نشرنا غلاف "شريعة إيبدو"، كانت الأجواء هادئة، ومع ذلك قالو إننا نصب الزيت على النار، وفي النهاية مقر جريدتنا هو الذي أحرق"، وزاد المتحدث مؤكدا: "في الرسم الحالي نسخر من فيلم رديء، ويقولون إننا نصب الزيت على النار، أنا كل ما أملك قلما لا أسلحة".
وفي الوقت الذي أكد فيه شارب أنه بقدر ما تلقى العديد من رسائل الاستنكار ويعيش تحت حماية الشرطة الفرنسية منذ سنة 2007، بسبب رسوماته الثلاثة السيئة الحظ حول الإسلام، بقدر ما تلقى أيضا الآلاف من رسائل التضامن من لدن المسلمين، كما كشف أنه هذه المرة تلقى تهديدا واحدا بالقتل. واعتبر شارب موقف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند هذه المرة "موقفا سياسيا"، على خلاف المرات السابقة التي عبر فيها بشكل صريح عن تضامنه، فقال شارب: "حتى لو أراد فرنسوا هولاند مساندتنا، فإنها لن تكون هذه المرة بنفس الصراحة، فهو ليست له نفس الصفة، إنه رئيس جمهورية وأتفهم أن عليه أن يضرب ألف حساب للسياق الدولي ويتفادى الصراع".
إلى ذلك، قال شارب، جوابا عن سؤال عن مدى استحضاره لمسؤوليته الأخلاقية كصحافي أو على الأقل كمواطن، حسم قائلا: "مسؤوليتي الوحيدة هي احترام القانون الفرنسي، نحن جريدة فرنسية ساخرة تنشر بفرنسا، وفي بعض البلدان الفرنكفونية كبلجيكا، لا تنشر ولا توزع بالمغرب أو في بلد مسلم"، مضيفا: "نحن لا نجبر أحدا على قراءة جريدتنا، هي تباع بالأكشاك وحتى المضمون والرسومات لا ننشرها بموقعنا الإلكتروني، إذا يقتنون الجريدة بكامل إرادتهم، ولا نفرض الأمر على أحد".
وبينما أثارت الصحافية المستجوبة، مع شارب انتقاده لبقية الديانات ومنها اليهودية، قال: "انتقدنا اليهود أيضا، لكن الفرق أن عددهم في فرنسا قليل مقارنة مع الكاتوليك والمسلمين، ننتقد أيضا اليهود الأرثودوكس، وقمنا بذلك مثلا لمعارضة تمويل عمادة باريس لبعض المنظمات اليهودية".
هذا ووجه مدير "شارلي إيبدو" رسالة إلى المغاربة، المستائين من رسوماته، فقال: "لكل المجروحين في قلوبهم، هذا غير موجه إليكم، إذا ما أحسستم بالصدمة احتجوا ولكن بهدوء، أطلب منهم أيضا إنشاء جرائد ساخرة وديك الساعة يردوا لينا الصرف بنفس العملة، اسخروا منا نحن الملحدون".