في ظل الأزمة الدبلوماسية الراهنة غير المسبوقة بين المغرب وإسبانيا ،إرتأينا إجراء حوار مع الكاتب والدبلوماسي والإعلامي المغربي نبيل دريوش المتخصص في الشأن الإسباني و العلاقات المغربية الإسبانية للتحدث لنا حول كتابه "الجوار الحذر" العلاقات المغربية الإسبانية من وفاة الحسن الثاني إلى تنحي خوان كارلوس والذي يعتبر من أهم الكتب الأكاديمية القيمة التي تتناول تاريخ العلاقات الثنائية بين إسبانيا والمغرب و"الجوار الحذر" هو عنوان يعكس الواقع التاريخي والسياسي للعلاقات بين الدولتين اللتين تتقاسمان مضيق جبل طارق، لكن القرب الجغرافي لم يساهم في القرب العاطفي والسياسي بقدر ما يعزز الحذر بين الطرفين نتيجة جروح الماضي التي تستمر حتى الآن وتنفجر بين الحين والآخر. نبيل دريوش هو أحد أهم أبرز الكتاب و الإعلاميين المغاربة المتخصصين في الشأن الإسباني وتاريخ العلاقات المغربية الإسبانية على ضفتي المضيق وعمل في غدة وسائل اعلام مغربية وعربية منها الصباح والشرق الأوسط وميدي 1تيفي، ومحللا للشان الإسباني في عدة فضائيات عربية ووسائل اعلم وطنية ودولية، كاتب صدر له: الجوار الحذر العلاقات المغربية الاسبانية2015/ ويوميات ايبيرية2014/ حدود زجاجية، ترجمة لنصوص الكاتب الإسباني خوان غويتصولو2007/ ملاحم صغيرة، مجموعة قصصية 2007. كما أنه عضو في إتحاد كتاب المغرب وعضو سابق بجمعية المراسلين الأجانب باسبانيابمدريد. شارك في عدة محاضرات وندوات بالمغرب و إسبانيا حول موضوع العلاقات المغربية الإسبانية و الإعلام بين المغرب واسبانيا يحضر حاليا أطروحة رسالة الدكتوراه عن السياسة الخارجية للمغرب تجاه اسبانيا في عهد الملك محمد السادس. في هذا الحوار سيتحدث لنا الإعلامي المغربي نبيل دريوش ولأول مرة عن بعض أبرز لمحات كتابه القيم "الجوار الحذر" لمعرفة بعضا من أسباب جذور الصراع الإسباني المغربي على ضفتي مضيق جبل طارق. -ونحن نعيش هذه الأيام على وقع الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا،كان كتابك الجوار الحذر الذي نشر قبل أعوام من الكتب القيمة والنادرة التي فككت المعادلة الصعبة بين ضفتي المضيق من زاوية تاريخية سياسية ،ماهي المحددات الرئيسية التي إنطلقت منها في تأليف هذا الكتاب؟ تأليف كتاب الجوار الحذر كان مشروعا شخصيا بعدما كتبت لسنوات طويلة في الصحافة المغربية عن موضوع العلاقات المغربية الإسبانية وعملت لأزيد من ثلاث سنوات مراسلا لعدة وسائل مغربية وعربية من العاصمة الإسبانية مدريد، كانت احداث جزيرة ليلى صيف عام 2002 منعطفا كبيرا دفعني إلى البحث في موضوع العلاقات المغربية الإسبانية وكنت حينها صحافيا حديث العهد بالتخرج من المعهد العالي للإعلام والإتصال بالرباط، ودون وعي وجدتني أنغمس في دراسة معمقة لهذا الموضوع وقادتني هذه الرغبة لتعلم اللغة الإسبانية ومتابعة دراستي الجامعية بهذه اللغة بجامعة فلنسية بمجال الإعلام، وحاليا أحضر أطروحة دكتوراه عن نفس الموضوع، طريق الإشتغال على الموضوع صادفت شخصية وطنية كبيرة ستؤثر في مساري واهتمامي بالموضوع وهو الراحل محمد العربي المساري الذي كانت جلساتي معه المطولة دروسا كبيرة، ولم يبخل علي يوما بمؤلف أو مقال، وربطتنا صداقة متينة إستفدت منها كثيرا في تعميق خبرتي بالموضوع، وجاءتني فكرة تأليف الكتاب بعدما شعرت أنني تشربت ما يكفي من التجارب وفي ذهني ما يكفي من صور وأفكار عن هذا الموضوع، وقلت مع نفسي إذا كان الصحافيون الإسبان ينشرون كتبا عن المغرب لماذا نحن في المغرب لا نقوم بنفس الشيء،فاشتغلت بهدوء على الموضوع، والواقع أن نجاح الكتاب أبهرني كما أن ردود الفعل على ما جاء في الكتاب كانت قوية إلى درجة أن صحيفة مثل el país خصصت له عنوانا في صفحتها الأولى ومقالا من نصف صفحة إعتبرت فيه الكتاب رواية المنهزمين في جزيرة ليلى، الكتاب كان مزعجا للاسبان الذين لم يعتادوا على هذا النوع من الانتاجات، وهذا في حد ذاته نجاح لهذا المشروع الشخصي كما قلت. في كتابك ذكرت أن القرب الجغرافي بين المغرب وإسبانيا لم يساهم في تعزيز القرب العاطفي والسياسي بقدر ماعزز الحذر بين البلدين ،كيف ذلك ؟ الحذر ناتج عن طبيعة تاريخ البلدين،وهو ما جعل القرب الجغرافي غير قابل ليكون عاملا للتعايش بقدر ما هو عامل توتر، فمضيق جبل طارق الذي كانت تسميه العرب قديما بسرة العالم، وهو نقطة تماس بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الغربية المسيحية، بكل ما حمله ذلك من مد وجزر منذ سقوط مملكة القوط على يد جيش طارق إبن زياد عام 711 إلى اليوم، منذ هذا التاريخ اصبحنا امام نقطة تماس ساخنة ساهم التاريخ في تعقدها، فالبلدان يتقاسمان تاريخا يمتد على مدى قرون طويلة من لحظات الحرب والسلام والود والنفور, فأغلب الحروب التي خاضها المغرب تاريخيا كانت مع شبه الجزيرة الايبيرية وخصوصا إسبانيا، معركة الزلاقة عام 1086 مع المرابطين والعقاب عام 12 12 مع الموحدين ووصية الملكة ايزابيل التي دعت الى احتلال المغرب، لكن اكتشاف القارة الامريكية ووفاتها ساهما في انغماس اسبانيا في القارة الجديدة ونسيت نسبيا جارها الجنوبي الذي لم يعد مصدر تهديد حقيقي اللهم من هجومات الموريسكيين على السفن الإسبانية إلى ان جاءت معركة تطوان عام1860 في وقت بدات فيها اسبانيا تخسر مستعمراتها بامريكا الجنوبية والتفتت الى المغرب وهنا وقعت هذه الحرب وبعدها شرعت في التغلغل التدريجي في المغب واصطدمت بعد الحماية بالمقاومة الريفية توجت بمعركة انوال1921، و أيضا المعركة السلمية لإسترجاع الصحراء المغربية المسيرة الخضراء عام1975، هذه التواريخ تمثل جروحا نفسية غائرة في ذاكرة الإسبان، ومازل الإحتفال بانتصار الإسبان في بعضها قائما إلى حدود اليوم مثل معركة العقاب التي كانت معركة أذنت بنهاية الوجود العربي بالأندلس وإنفرط عقد الوجود المغربي بالأندلس، هذه الصدمات النفسية هي ما أنتج عقيدة ثابتة لدى مختلف شرائح المجتمع الإسباني ، فهم مجتمع مختلف في كل شيء لكنهم يتفقون في أن المغرب هو العدو الطبيعي لاسبانيا المسيحية هذه النظرة والعقلية تتفجر ساعة الأزمات مثلما تشتعل النيران من تحت الرماد، وهو ما لمسناه طيلة هذه الايام خلال الازمة الحالية. -موقف إسبانيا الغامض من نزاع الصحراء وملف السيادة على سبتة ومليلية إضافة إلى ملفات اجتماعية وإقتصادية كانت بين الحين والآخر سببا في إحتقان وإنفجار الوضع الدبلوماسي بين مدريدوالرباط، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني وفي عهد الملك خوان كارلوس وحكومة الاشتراكي فيليبي غونثالث،رغم الود الذي طبع بين البلدين ،هل هناك أي تشابه بين أزمة اليوم وأزمة الماضي في ظل حكومة الإشتراكيين بمدريد التي كانت سببا في هذه الأزمة الحالية؟ طبع التوتر العلاقات الثنائية للبلدين منذ الإستقلال وانسحاب اسبانيا من شمال المغرب وفق اتفاق 7 ابريل1956, فإسبانيا بقيادة الجنرال فرانكو وجدت نفسها مرغمة على منح الاستقلال للمغرب بعد قرار فرنسا الخروج منه ومنحه إستقلاله، بحكم أن المغرب لم تربطه أية إتفاقية حماية مع اسبانيا، بل كانت فرنسا هي من منحها المنطقة الشمالية للمغرب، أي منطقة جبالة و غمارة والريف، وعندما خرجت فرنسا من المغرب ، لم تخرج إسبانيا إلا من الأراضي التي منحتها لها فرنسا وبقيت في سبتة ومليلية و الجزر المتوسطية وسيدي ايفني الذي حازته بموجب الإتفاقيات التي تلت حرب تطوان منتصف القرن التاسع تشر والصحراء الغربية التي إحتلتها منذ نهاية القرن التاسع عشر لأسباب متعلقة أسايسا بحماية ارخبيل الخالدات و مع بداية مرحلة الإنتقال الديموقراطي بدأ البحث عن مأسسة التعاون عبر عدة إتفاقيات للتعاون في مختلف المجالات ، لكن تقدم هذا التعاون بقي رهين ملفات الصراع أساسا ملف الصحراء الذي لم ترغب اسبانيا بأحزابها السياسية و جمعيات المجتمع المدني في تركه يأخذ مساره الطبيعي في الحل ودعمت على مدى عقود حركة البوليساريو الإنفصالية بجميع الاشكال، وغالبية المشاكل كانت تأتي من الصحراء وسبتة ومليلية، بل حتى صرامة المغرب في ملف الصيد البحري كانت أحيانا رد فعل على مواقف إسبانيا إزاء ملف الصحراء، لأن مدريد لا تريد حلا لهذه المشكلة وتعتبر أن إنهاءها يعني تركيز المغرب لجهوده على مستعمراتها بمنطقته الشمالية، وهذا ما يفسر إستقبالها لابراهيم غالي ووقوفها في صف الجزائر مؤخرا كرد فعل على التحول الإستراتيجي الذي أحدثته الدبلوماسية المغرب إثر إعتراف الولاياتالمتحدة بسيادة المغرب على الصحراء، و بالتالي نحن أمام نفس السياسة الإسبانية الرافضة لحلحلة المشكلة، مهما تغير الأسلوب والخطاب. -في إحدى فصول كتابك المعنون ب«ملك جديد في المغرب وحسابات قديمة في اسبانيا تطرقت فيه إلى عدد من المحطات الهامة التي طبعت العلاقات المغربية الإسبانية في عهد الملك محمد السادس والذي عايش التطورات التي كانت تعرفها إسبانيا للإنتقال نحو الديمقراطية عندما كان شابا،هل هناك أي تغيير في إدارة ملف "الجوار الحذر "بين المغرب وإسبانيا في عهد الملك الراحل الحسن الثاني والملك محمد السادس؟ أول مشكلة دبلوماسية واجهت الملك محمد السادس عندما إعتلى العرش، هو ملف الصيد البحري مع إسبانيا الذي كان عالقا خلال الشهور الأخيرة التي سبقت وفاة الملك الحسن الثاني، وكان رئيس الحكومة الإسبانية خوسي ماريا اثنار أول رئيس حكومة أجنبية يزور المغرب بعد أقل من شهر على وفاة الحسن الثاني، وطلب بطريقة غير مؤدبة تجديد إتفاقية الصيد البحري، وهو الطلب الذي رد عليه المغرب بالصرامة المطلوبة، وبدأت بعدها الأزمة تتشكل بين البلدين إلى أن وصلنا إلى المواجهة العسكرية بسبب جزيرة ليلى صيف عام2002، الملك محمد السادس إعتمد اسلوبا أدهش الاسبان ، وهو إنجاز مشاريع إستراتيجية بشمال المملكة مثل مشروع ميناء طنجة المتوسط الذي سحب الريادة من ميناء الجزيرة الخضراء، وعمل على تنمية الأقاليم الشمالية للمملكة المحاذية لسبتة ومليلية اللتان صارتا أشبه ببيت صفيحي وسط المشاريع المنجزة بالشمال ويعتمد وجودها على محيطها المغربي، كما عمل على تقوية الروابط الإقتصادية مع إسبانيا ورفعها إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية والإعتماد على تنويع الشركاء والإتجاه القوي نحو إفريقيا، وهي السياسة الخارجية التي حولته إلى قوة اقليمية مسموعة الكلمة وهو ما يزعج حاليا إسبانيا وتحاول وضع الكثير من الشوك في طريق المغرب، وتتناسى ان المغرب هو قنطرتها الطبيعية لافريقيا. -لماذا الإشتراكيين في إسبانيا لاينهجون نهجا براغماتيا في الملفات التي تزعج الرباط عكس المحافظين الذين على الأقل يعرفون كيف يوازنون بين المتناقضات التي تطبع علاقات ضفتي الشاطئ ،هل الأمر له علاقة بالوعاء الإيديولوجي الذي تشتركه البوليساريو والجزائر مع الإشتراكيين بشبه الجزيرة الأيبيرية وهل الأمر له علاقة بالحرب الأهلية الإسبانية مع تيار المحافظين؟ لقد حصلت تحولات جذرية داخل الأحزاب السياسية الإسبانية يمينا ويسارا بسبب الأزمة الإقتصادية وما تلاها من تغييرات في المشهد السياسي بظهور أحزاب راديكالية يسارا مثل بوديموس ويمينا مثل فوكس وتغييرات داخل النخب السياسية للأحزاب التقليدية بصعود جيل جديد لمراكز القيادة،وهو الجيل الذي يجهل المغرب تماما وينطلق في أحكامه مما يسمعه في الشارع أو ما لقنته إياه وسائل الإعلام، وهي في الغالب أمور سلبية كما شرحت آنفا، داخل الحزب الإشتراكي الإسباني حصل تغيير كبير بمجيء تيار بيدرو سانشيز لقيادة الحزب وهو تيار كان على أقصى يسار الحزب الإشتراكي، فيما تفككت بنية الحزب التقليدية ولم يعد للقيادات السابقة مثل فليبي غونزالث وخوسي بون ولويس رودريغيث ثباتيرو صوت مسموع لدى القيادة الجديدة، وهذا التيار كان دائما داعما لجبهة البوليساريو ويجهل كل شيء عن المغرب،كما ان وزيرة الخارجية التي اختارها سانشيث ليست بدبلوماسية مجربة، بل اطار تقني يفهم اكثر في مجال التجارة الدولية اكثر من تدبير اية مشكلة دبلوماسية، بالمقابل الحزب الشعبي يظل حزبا لأصحاب المصالح ورجال الأعمال والليبراليين الذي لهم رؤية خاصة للعلاقات الخارجية ولا تهمم كثيرا قضية الصحراء بل ما يهمهم تنمية التعاون الإقتصادي مع المغرب والحفاظ على علاقات تعاون جيدة معه في مختلف المجالات فمصلحة إسبانيا تكمن في انتهاج هذه السياسة لا غيرها. -باعتبارك من أبرز الصحافيين المغاربة المختصين بالعلاقات المغربية الإسبانية ،لماذا وسائل الإعلام بالضفة الشمالية تتعاطى مع القضايا الحيوية للمغرب في كثير من الأحيان بأسلوب الاثارة وعدم الموضوعية والتي تكرس صورة نمطية سلبية لدى الرأي العام الإسباني؟ وفي مقابل ذلك نرى ضعفا كبيرا في وسائل الإعلام المغربية في تعاطيها للشأن الإسباني ،ما السبب في ذلك؟ الرأي العام الإسباني لديه صورة سلبية عن المغرب، ووسائل الإعلام الإسبانية تساهم منذ عقود في البقاء على هذه النظرة وترسيخها لدى الإسبان، وهو ما ظهر جليا خلال الأزمة الحالية،فقد شنت جميع القنوات التلفزيونية و الصحف الإلكترونية والورقية حملة منظمة لشيطنة المغرب بسبب أزمة الهجرة بسبتةالمحتلة، وهي القنوات والصحف التي تقف وراءها لوبيات وتيارات سياسية وعسكرية ولا تتمتع بأي نوع من الإستقلالية في الرأي، وأمام حضور دائم للمغرب في وسائل الإعلام الإسبانية نجد أن حضور إسبانيا وتحولاتها السياسية أمر هامشي في وسائل الإعلام المغربية او مناسباتي مرتبط بالأزمات، وهي الفترات التي يكثر فيها عدد الخبراء في الشأن الإسباني، لكن هؤلاء يختفي إهتمامهم بالعلاقات المغربية الإسبانية بمجرد فتور الأزمات وهو تخصص يحتاج لتكوين جيل من المتخصصين مثلما هو عليه الأمر بالجامعات الإسبانية قادرين على القيام بتشخيص دقيق للأوضاع وتقديم الإستشارات المبنية على دراسة وتتبع دقيق، وليس على بهرجة عابرة، تنتهي بانتهاء المصلحة.