بعد التقارير الرسمية الصادرة عن العديد من حكومات مجموعة من الدول، خاصة منها الكبرى والوازنة، وكذا تقارير علمية دقيقة أنجزتها هيئات ومنظمات حكومية وغير حكومية تُعنى بالشأن الطبي وخاصة مجال « الأوبئة والفيروسات »، تأكد أن خطر الموجة الثالثة من فيروس كورونا (كوفيد 19) سيكون له مابعده من آثار على العديد من الأصعدة والمستويات ، وليس أقلها الشأنين الاجتماعي والاقتصادي، خاصة بالنسبة للدول والأمم ذات الاقتصاديات الهشة. فكيف استعدت منظمة الصحة العالمية لمواجهة هذا التحدي الصحي ومعها دول العالم ؟ وهل هناك استراتيجية ورؤية تنسيقية بين مختلف المتدخلين العالميين في هذا السياق وبآليات وأهداف واضحة ؟ إلى ذلك، قال التحليل الأسبوعي الأخير الصادر عن QNB (بنك قطر الوطني)، « أنه على مدى الأشهر القليلة الماضية، أدى انخفاض حالات الإصابة الجديدة بكوفيد-19 وبدء حملات التطعيم الجماعية في العديد من البلدان إلى نشر التفاؤل حول العالم بشأن التوصل لحل دائم لمشكلة الوباء، ولكن بدأت "موجة ثالثة" من حالات كوفيد-19 الجديدة تنتشر على مستوى العالم، الأمر الذي يدحض الآراء الأكثر تفاؤلاً بشأن التعافي السريع من الوباء، وتجدر الإشارة إلى أنه وفي ظل تسارع "الموجة الثالثة" من حالات الإصابة الجديدة بكوفيد-19، تتجه العديد من البلدان مجدداً لتشديد الإجراءات بشكل أكثر حزماً. ويشمل ذلك إعادة فرض تدابير التباعد الاجتماعي الصارمة، مثل الحجر الصحي وحظر التجول والإغلاق. وتهدف هذه الإجراءات إلى إبطاء وتيرة تفشي الفيروس، وتسطيح منحنى العدوى قبل أن تكتظ المستشفيات بسبب الزيادة في عدد الحالات الحرجة، والغرض من ذلك هو إنقاذ الأرواح وزيادة معدلات التعافي وتجنب العواقب السلبية المرتبطة بإنهاك أنظمة الرعاية الصحية ». وستكون لهذه "الموجة الثالثة" من تدابير التباعد الاجتماعي الصارمة تبعات على الاقتصاد العالمي، وقد تؤدي إلى تأخير أو حتى تقويض عملية الاستقرار الاقتصادي التي بدأت في الربع الثالث من عام 2020. في الواقع، تشير مؤشرات التنقل عالية التردد، وهي أدوات لرصد الأداء الكلي في الاقتصاد، إلى أن النشاط الاقتصادي يتعطل كلما يتم فرض القيود والإغلاقات. وقد أدت الموجتان الأولى والثانية من القيود إلى انكماش اقتصادي، وذلك يشير إلى أن الموجة الثالثة الحالية سيكون لها تأثير مماثل. ويتعمق هذا التقرير في الأسباب الرئيسية الثلاثة وراء الموجة الجديدة من حالات كوفيد-19، والتي تحول حالياً دون عودة معدلات النشاط الاقتصادي إلى وضعها الطبيعي، أولاً، في ظل انتشار وتحور فيروس كوفيد-19، تنشأ المزيد من السلالات المُعدية الجديدة من الفيروس. وتم بالفعل تحديد ثلاث سلالات رئيسية جديدة على الأقل من الفيروس، بما في ذلك السلالات المنتشرة على نطاق واسع في المملكة المتحدة والبرازيل وجنوب إفريقيا، ويعتبر احتواء السلالات المُعدية بدرجة أكبر أمراً بل تحديا أكثر صعوبة. ثانياً، تراجعت معدلات الامتثال لتدابير التباعد الاجتماعي بسبب مزيج من التعب والتفاؤل مع الموافقة على اللقاحات، وخلقت الموافقة على العديد من اللقاحات الفعالة تصوراً خاطئاً للسلامة بين جزء من السكان غير المحصنين، مما أثر على سلوكهم وزاد تعرضهم للفيروس. ويؤدي الارتفاع المستمر للحالات الجديدة إلى الحاجة إلى إجراءات أكثر تشدداً للتباعد الاجتماعي وأنماط اقتصادية "متذبذبة" والتي تعتبر سلبية بالنسبة للاستثمارات والاستقرار الاقتصادي. ثالثاً، تسببت قيود الإمداد والبيروقراطية في بداية بطيئة لبرامج التطعيم الجماعي، لا سيما في أوروبا وكندا وآسيا والأسواق الناشئة ذات الدخل المنخفض. وتتطلب برامج التطعيم الجماعي عدداً كبيراً من المهنيين والرأسمال البشري المؤهل وشبكات البنية التحتية، بما في ذلك الصيادلة والممرضين والكيميائيين وعمال المصانع وسائقي الشاحنات والطيارين وعلماء البيانات والموظفين الحكوميين. وتظل جهود التنسيق حاسمة من أجل تحقيق برنامج تحصين ناجح وله تأثير إيجابي على مستوى البلدان. بشكل عام، على الرغم من التفاؤل بشأن اللقاحات، تثبت "الموجة الثالثة" من حالات كوفيد-19 أنه لا يزال من المتوقع أن يتسبب الوباء في اضطراب اقتصادي في عام 2021. ونتوقع أن يبدأ التعافي الأكثر جدوى فقط في النصف الثاني من عام 2021، عندما تبلغ عمليات التحصين مراحل أكثر تقدماً في الاقتصادات الكبرى ويبدأ "الانفتاح" الاقتصادي الدائم على الصعيد العالمي. العالم تحت وقع « الموجة الثالثة » من كوفيد19 وآليات المواجهة.. ألمانيا نموذجاً. يتم فرض حظر التجول الليلي في العديد من المدن الألمانية كتدبير للحد من ارتفاع أعداد الإصابات بفيروس كورونا، لكن هل يفيد هذا الإجراء بالفعل؟ في تقرير استقصائي لها، طرحت القناة الألمانية الشهيرة DW الحقائق حول هذا الموضوع استناداً إلى دراسات وآراء باحثين. ألمانيا في خضم موجة ثالثة من وباء كورونا، ولذلك يطالب الخبراء والسياسيون الآن بإجراءات أكثر صرامة. فبالإضافة إلى الإغلاق الصارم، يدعو البعض إلى حظر تجول ليلي ليساعد في إبطاء معدل انتشار الفيروس على وجه الخصوص، هذا ما يدعو إليه أيضا الخبير الصحي في الحزب الاشتراكي الديمقراطي كارل لاوترباخ الذي كتب على تويتر أنه « من الواضح أن تقييد الخروج بعد الساعة الثامنة مساء أمر حتمي ». كما أن رئيس حكومة ولاية بافاريا ماركوس زودر يؤيد هذا الإجراء أيضا، وحتى الآن، تم تطبيق حظر التجول الليلي في ألمانيا بشكل انتقائي فقط، ولكن هل هذا التدبير بهذه الفعالية حقاً؟ الحجة المؤيدة لحظر التجول الليلي هي أن العدوى تحدث بشكل رئيسي في اللقاءات الشخصية. وبحسب المؤيدين لهذا الإجراء، يمكن الحد من مثل هذه الاتصالات وبالتالي منع انتشار الفيروس عن طريق حظر التجول. ووفقاً لدراسة أجراها باحثون في جامعات بريطانية في الغالب، شاركها كارل لوترباخ على تويتر، يمكن أن يكون لحظر التجول الليلي تأثير إيجابي على معدل الاستنساخ، الذي يشير إلى متوسط عدد الأشخاص الذين يصابون بالعدوى. وبحسب الدراسة، يمكن لحظر التجول الليلي أن يخفض هذه القيمة بنسبة 13 بالمائة. دراسة حالة: كندا اكتسب الكنديون، على سبيل المثال، خبرة مسبقة في تطبيق حظر التجول، فمنذ بداية كانون الثاني/يناير يسري حظر التجول الليلي في مقاطعة كيبيك وفي المناطق المتضررة بشكل خاص. وجواباً على سؤال من DW حول الأساس العلمي الذي استندت إليه كندا في ذلك وما إذا كان قد تم تقييم آثار هذا التدبير، لم تقدم وزارة الصحة الإقليمية في كيبيك إجابة محددة، لكنها قالت إن: "الدراسات القائمة على الملاحظة تظهر أن هذا الإجراء يمنع التجمعات". يقول جاي كاوفمان، عالم الأوبئة بجامعة مكغيل في مونتريال، أكبر مدينة في كيبيك، إنه ليس على علم بأي تقييم رسمي لحظر التجول، كما كتب ل DW. ويضيف كاوفمان: "خلال الأشهر القليلة الماضية، شهدت كيبيك أعداداً مستقرة أو متناقصة من الحالات، بينما زادت الأعداد في المقاطعات الأخرى". ومع ذلك، لا يمكنه ولا يريد أن ينسب التطورات مقارنة بالمقاطعات الأخرى إلى حظر التجول في كيبيك وحدها. وبرأيه، تلعب العديد من العوامل الأخرى دوراً في ذلك، ومنها معدل التطعيم، وفيما إذا كان يتم حضور الدروس في المدرسة أم عن بعد، بالإضافة إلى عدد الاختبارات في اليوم. ونظراً لأن الأمسيات أصبحت أطول مع بدء التوقيت الصيفي، فقد تم تأجيل موعد البدء اليومي لحظر التجول في منتصف شهر آذار/مارس من الساعة الثامنة مساء إلى التاسعة والنصف مساء. يقول كاوفمان إن عدد الحالات ارتفع مرة أخرى، ويضيف: "لكن يجب دراسة كيفية تفاعل التدابير المختلفة مع بعضها ومساهمة كل فرد (في ذلك)، وليس تحديد ذلك بانطباع غامض". غرامات باهظة! بالمناسبة، أولئك الذين لا يلتزمون بحظر التجول ويتواجدون في الشارع ليلاً دون سبب وجيه، عليهم أن يتوقعوا دفع غرامات باهظة تتراوح بين 1000 إلى 6000 دولار كندي (حوالي 670 إلى 4400 يورو). وحتى اليافعون عليهم أن يدفعوا 500 دولار كندي إن لم يلتزموا بالحظر. وفي ألمانيا أيضاً، هناك نقص حتى الآن في البيانات اللازمة لإنجاز دراسة موثوقة (حول موضوع حظر التجول)، كما يرى البروفيسور كريستوف شوته، رئيس معهد تسوزه في برلين، وهو معهد يعمل في مجال النمذجة العلمية والمحاكاة. ويضيف شوته لDW أنه يعتقد بأن حظر التجول قد يكون "فعالاً جداً إذا تمت مراعاته مع الإجراءات الأخرى بالفعل". ويرى شوته أيضاً أن على المسؤولين الالتزام بالتواصل بشكل أكثر وضوحاً. بيد أنه يخشى من أن تأثير حظر التجول الليلي لن يستمر إلا لفترة قصيرة، مشيراً إلى أن الناس سيلتقون في أوقات أخرى بدلاً من التقائهم في الليل. الخبيرة غرباني.. اعتماد المحاكاة: مثل لعبة كمبيوتر لكشف نتائج وآثار إجراءات التقييد وعلى الرغم من ذلك، تعتقد أمينة غرباني أن حظر التجول له تأثير. تدرِّس غرباني في جامعة دلفت التقنية في هولندا وفي قسم يربط بين العلوم الاجتماعية وعلوم الهندسة القائمة على الكمبيوتر، وتستخدم في عملها المحاكاة لدراسة السلوك البشري. تعمل غرباني منذ عام، جنباً إلى جنب مع علماء من فرنساوهولندا والسويد، على مشروع "ASSOCC"، وهو محاكاة يتعرض فيها مجتمع اصطناعي لوباء كورونا لمدة عام. يستخدم العلماء المشروع لاختبار فعالية مختلف تدابير كورونا، ووفقاً لمعلوماتهم، فقد قدموا استشارات للحكومتين السويدية والإيطالية. تقول غرباني، في حديث لDW، إنه يمكن مقارنة المشروع بلعبة الكمبيوتر "The Sims"، مشيرة إلى أن الأشخاص في المحاكاة لديهم احتياجات مثل الجوع أو الرغبة في رؤية الأصدقاء، وعندما تصبح الرغبة قوية جداً، فقد يعني ذلك أنهم يخالفون القواعد. وتوصلت المحاكاة إلى أن حظر التجول الليلي يساعد على الحد من الارتفاع الصاروخي في عدد الإصابات، وبالتالي يمكن أن يساهم في تخفيف العبء على النظام الصحي. تقول غرباني: "على عكس الإغلاق الصارم لمدة أسبوعين، يجب أن يكون حظر التجول ساري المفعول لفترة أطول حتى يكون فعالاً"، مشيرة إلى أن حظر التجول الليلي ليس فعالاً لوحده وبالتالي يجب دمجه مع تدابير أخرى. وأظهرت نتائج المحاكاة أن مدى فعالية مقارنة حظر التجول بالإجراءات الأخرى يعتمد أيضاً على المرحلة التي يتواجد فيها المرء في الوباء. ففي ألمانياوهولندا، تظهر الأرقام موجة جديدة من الإصابات. تقول غرباني: "إذا اختار المرء الإغلاق الصارم هنا، فمن المستحسن أن يكون هناك حظر تجول ليلي أيضاً". وتضيف غرباني أنه يمكن تخفيف الإغلاق بعد ثلاثة أسابيع، على سبيل المثال، لكن مع ضرورة بقاء حظر التجول سارياً، "حتى نتمكن من الحفاظ على التأثير الإيجابي للقيود الصارمة لفترة أطول"، على حد تعبيرها. حظر التجول في مدن فرنسية بسبب ارتفاع معدلات الإصابة بالفيروس تجربة فرنسا غير واضحة وحتى في أجزاء كبيرة من فرنسا، لم يُسمح للناس بالخروج إلى الشوارع ليلاً، دون سبب وجيه لعدة أشهر. أحياناً بدءاً من الثامنة مساءً، وأحياناً من السادسة، وأحياناً أخرى من الساعة السابعة مساءً. ورغم أن العلماء لم يتفقوا على آثار هذه القيود، اكتشفت مجموعة من العلماء من تولوز أن حظر التجول الليلي يمكن أن يكون له تأثير سلبي. فرغم أن حظر التجول بدءاً من الساعة الثامنة مساءً في تولوز قلل من انتشار الفيروس، إلا أن فرض حظر التجول بدءاً من الساعة السادسة مساءً أدى إلى تفاقم الوضع. ووفقاً للباحثين، قد يكون السبب في ذلك هو أن المزيد من الناس كانوا يتجمعون في المحلات التجارية. لكن ورقة بحثية أخرى، لم تتم مراجعتها بعد، ونُشرت مؤخراً من قبل باحثين في المعهد الفرنسي للصحة والبحوث الطبية، أكدت فائدة حظر التجول الليلي، مشيرة إلى أنه كان مفيداً في الحد من انتشار فيروس كورونا في كانون الثاني/ يناير. لكن، ووفقاً للباحثين أنفسهم، لم يكن هذا الإجراء، جنباً إلى جنب مع تدابير التباعد الاجتماعي الأخرى، كافياً للحد من انتشار النسخة البريطانية الأكثر عدوى. الخلاصة.. يُستدل من السالف عرضه، أنَّ الذين يستخدمون أو يدعمون حظر التجول كإجراء لمكافحة انتشار فيروس كورونا بالدول الأخرى التي تستخدمه كدليل على فعاليته. ورغم أن المعلومات حول هذا الموضوع مازالت ضعيفة، إلا أن التحقيقات وعمليات المحاكاة تشير إلى أنه وفي ظل ظروف معينة، كاقتران حظر التجول بإغلاق عام أو تقييد التجمعات، يمكن أن يكون حظر التجول إجراء فعالاً جداً للحد من انتشار الفيروس ومن ثمة التحكم في نتائجه وآثاره الاقتصادية منها والاجتماعية.