أسئلة كثيرة تُثار بشأن "الوصفة الصينية" في مواجهة فيروس "كورونا" المستجد وحقيقة ظهور موجة ثانية من الوباء في بلاد الصين من جهة، وعلاقة درجة الحرارة بانحسار الفيروس والطفرات الوراثية التي طرأت عليه من جهة ثانية، ومدى جدوى سياسة "مناعة القطيع" المعتمدة في بلدان أوروبية من جهة ثالثة. وفي محاولة لإزالة اللبس، حاوَرت جريدة هسبريس الإلكترونية الدكتور المصري فايد عطية، الذي واجه الوباء في المشافي الصينية وعاين تأثيراته في المجتمع، بوصفه أستاذ الفيروسات والمناعة وأمراض الدم في كلية الطب بجامعة "شانتو" الصينية. الدكتور عطية قال إن درجة الحرارة في الصيف لن تقضي نهائيا على الفيروس، بل ستحد من انتشاره فقط، موردا أن الصين كانت سبّاقة إلى تجريب أول مصل ضد الفيروس، هو "inactivated virus" الذي أثبت وقايته ضد الإصابة على القرود، فشرعت في تجريبه على البشر، متوقعا أن تظهر نتائجه في نهاية ماي المقبل. وأشار الدكتور المصري إلى ظهور سلالات أخرى من الفيروس، هي سلالة "A" التي تنتشر في أمريكا وأستراليا، وسلالة "B" التي تنتشر في الصين، وسلالة "C" التي تنتشر في أوروبا، لافتا إلى حديث الخبراء عن أكثر من 30 سلالة، مؤكدا أيضا أن هناك إمكانية لظهور نوع معين من الفيروس في كل دولة، ما سيؤثر سلبا على الوصول إلى أدوية فعالة أو مصل محدد. إليكم الحوار كاملا: بداية، نجحت الصين في احتواء وباء "كورونا" عبر اتخاذ حزمة من التدابير التي أسفرت عن ضبط معدل انتشار الفيروس. في نظرك، ما هي أبرز السياسات الناجحة التي استعانت بها جمهورية الصين في حربها ضد الوباء؟ سجلت الصين أقل معدلات الإصابة والوفيات الناجمة عن الفيروس، مقابل ارتفاع حالات الشفاء التي تجاوزت 95 في المائة خلال ظرف زمني يقلّ عن شهرين، ما أدى إلى تسجيل إصابات معدودة، ومن ثمة جرى إخلاء العديد من المستشفيات بسبب عدم وجود المرضى. وبحكم تخصصي الطبي الذي جعلني أوجد في الصفوف الأمامية لمحاربة الوباء بكلية الطب ومستشفى جامعة شانتو والمستشفى الحكومي التابع للمدينة عينها، أرى أن هناك عوامل عديدة ساهمت في السيطرة على الوباء، نذكر من بينها سرعة الإجراءات التي قامت بها الصين باحترافية شديدة، عبر عزل المدن الموبوءة، أساسا ووهان وهوبي، والعزل الطبي الكامل للمرضى أو المشتبه في إصابتهم بالفيروس. ينضاف إلى ذلك، الرصد والكشف المبكر، ما نتج عنه مراقبة جميع الحالات المشكوك في إصابتها باستعمال التكنولوجيا الحديثة والبرامج المخصصة للعناية بالمرضى، ثم تشييد مستشفيات متخصصة لمرضى "كوفيد-19"، وتجريب عدد من الأدوية الفعالة، وإن كانت موجهة لأمراض أخرى، فضلا عن تجريب بعض أدوية الطب الشعبي الصيني. ولا يمكن إغفال وعي المواطنين بخطورة الوضع الوبائي، حيث استجاب الشعب لتعليمات الحكومة الصينية بشكل سريع، من خلال الالتزام بالبيوت وارتداء الكمامات وغياب أي تهاون فردي، إلى جانب تعاون كل أجهزة الدولة للسيطرة على الوباء، بدءا من المستشفيات، مرورا بالمعامل الغذائية والجامعات، وصولا إلى شركات الأدوية، وانتهاء بالأمن. هناك حديث عن ظهور موجة ثانية من الفيروس في الصين من جديد، الأمر الذي وضع الدولة في حالة تأهب قصوى منذ بضعة أسابيع. هل تشهد الصين موجة ثانية من الفيروس؟ ظهرت الموجة الثانية بعد رجوعي من الصين في الثامن عشر من مارس المنصرم، حيث عشت مع الصينيين الأزمة الصحية منذ منتصف دجنبر الماضي إلى غاية منتصف مارس، فكانت النتيجة حينذاك انخفاض معدلات الإصابة وارتفاع حالات التعافي، لكن ظهرت موجة ثانية بسبب الوافدين على الصين، خاصة من شعوب إفريقيا والبلدان العربية. نتيجة ذلك، بدأت تسجل حالات جديدة، إلا أن الصين استوعبت التغيّر مبكرا، فقامت بإجراءات مشددة تجاه الوافدين، من خلال العزل الصارم لتحجيم الانتشار مرة أخرى. المثير في الموضوع، ظهور أكثر من 14 في المائة من الإصابات لدى أشخاص تماثلوا للشفاء، على غرار كوريا الجنوبية أيضا، بفعل ضعف المناعة أو اختباء الفيروس في أحد أعضاء الجسم ليُعاود نشاطه من جديد. ما طبيعة البروتوكول العلاجي المعتمد في المستشفيات الصينية؟ حينما ظهر الوباء لأول مرة، جرّبوا أدوية خاصة بعلاج الملاريا، مثل الهيدروكسي كلوروكين والكلوروكين وفوسفات الكلوروكين، وكذلك الأدوية الموجهة للإيبولا، من قبيل ريمدسفير، فضلا عن أدوية علاج الأمراض المناعية والإنفلونزا، ثم توظيف بلازما الدم لعلاج المرضى لأنها تتكون من أجسام مضادة للفيروس، وكذا استعمال مقوي المناعة الإنترفيرون مع خليط من المستخلصات العشبية المضادة للفيروسات. هل يمكن أن يقضي فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة على الجائحة؟ أرى أن دخول فصل الصيف سيُقلّل من معدل انتشار الفيروس فقط في البلدان الحارة، حيث ستنخفض معدلات الإصابة المرتفعة، ومن ثمة لن تقضي درجة الحرارة المرتفعة على الفيروس بشكل نهائي، ذلك أنه حتى بعد تعريض الفيروس لحرارة تبلغ 60 درجة يومياً، إلا أن اختفاءه يتطلب بعض الوقت الزمني بعدها. إذن، ما طبيعة السيناريوهات التي ترسمها لانحسار الوباء مستقبلا؟ هناك ثلاثة احتمالات؛ أولها إيجاد علاج فعال ضد الفيروس، وأشير هنا إلى أن كل ما يطرح حالياً من أدوية وأبحاث عبارة عن تجارب فقط تخص الأمراض الأخرى، مثل الإيبولا والملاريا والإنفلونزا والسيدا، لكن لا يوجد دواء هادف ومحدد الآن. الاحتمال الثاني هو الوصول إلى انتشار التطعيم ضد الفيروس لدى الأصحاء، ما سيؤدي إلى التحكّم فيه. أما الاحتمال الثالث، فيتجسد في تقليل معدلات الإصابة بشكل تدريجي حتى يتم تسطيح المنحنى، عبر إجراءات العزل والوقاية والكشف المبكر. لكن لا يمكن مقارنة فيروس كورونا المستجد بأي فيروس آخر، لأنه مازال غامضاً وخطيرا إلى حد الساعة. شرعت الصين في اختبار أول مصل ضد الفيروس يدعى "inactivated virus"، الذي أثبت وقايته ضد الإصابة على القرود، ثم بدأت التجارب على البشر. متى ستظهر أولى النتائج؟ يتعلق الأمر بالمدرسة القديمة في الأمصال، في حين المدرسة الجديدة تعتمد على الهندسة الوراثية والتقنيات الحيوية، فما طُرح حاليا يتعلق بأبحاث وتجارب في بلدان عديدة، لكن الصين كانت سبّاقة بتجريب "inactivated virus" على نوع معين من القرود، فأظهر مناعة كاملة ضد الإصابة به، ثم شرعت في تجريبه على البشر، ويتوقع أن تظهر نتائجه في نهاية ماي المقبل. الصين لا تشتغل لوحدها على الأمصال، بل توجد أيضا جامعة أكسفورد بإنجلترا، وأمريكا، واليابان، وفرنسا، وألمانيا التي شرعت في تجريب الأمصال على البشر، لكن المصل يتطلب وقتا زمنيا طويلا، ذلك أن التجارب الإكلينيكية تمتد على ثلاثة مراحل، كل واحدة تتم في ستة أشهر، قصد التعرف على الأعراض الجانبية والتركيبة النهائية. ومن ثمة، فالموضوع قد يتطلب سنة كاملة. تبعا لذلك، هل يمكن أن ينتهي الفيروس في نهاية الموسم الجاري مع إيجاد العلاج؟ ككل مرة، نسمع عن دواء فعال ضد الفيروس، لكنه يبقى رهين التجارب والأبحاث فقط، وإن انتقلت التجارب السريرية إلى البشر، إلا أنها ما تزال قيد التجريب. لا يمكن التصريح بدواء رسمي ونهائي على مستوى العالم حتى تطمئن الدول من تأثيره ضد الفيروس وآثاره الجانبية، وكذلك ما يتصل بالجرعات والبروتوكول العلاجي. بشكل عام، سيكون الدواء جاهزا حينما تعلن عنه منظمة الصحة العالمية. أكدت بعض الدراسات العلمية حدوث طفرات وراثية جديدة في فيروس كورونا المستجد، حيث ظهرت العديد من السلالات المتطورة. هل سيؤثر اختلاف هذه السلالات على الوصول إلى لقاح ضد الفيروس؟ نعم، ظهرت سلالات جديدة للفيروس مثبتة علميا، ففي البداية كنا نتحدث عن سلالتين هما "L" و"S"؛ فسلالة "S" ظهرت في الصين، حيث كانت تنتقل من الحيوان إلى الإنسان، بينما سلالة "L" أكثر خطورة لأنها تنتقل بين البشر، وهي أكثر عنفا ومقاومة للعلاج. بعدها، أصبحنا نتحدث عن ثلاث سلالات أخرى من الفيروس، هي سلالة "A" التي تنتشر في أمريكا وأستراليا، وسلالة "B" التي تنتشر في الصين، وسلالة "C" التي تنتشر في أوروبا. هناك حديث عن أكثر من 30 سلالة حصل فيها تحول جيني، إلى درجة أن بعض الباحثين تحدثوا عن إمكانية ظهور نوع معين من الفيروس في كل دولة، ما سيؤثر سلبا على الوصول إلى أدوية فعالة ومصل فعال، لأن المصل سيكون موجها لسلالة معينة، ولن يكون عاما، بينما سيكون لكل سلالة دواء محدد وهادف، لأن السلالات الأخرى ستبدي مقاومتها تجاه الدواء. اعتمدت العديد من الدول ما سمي بسياسة "مناعة القطيع" في مواجهة الوباء، ما أدى إلى تزايد أعداد الإصابات بشكل مخيف يوميا. ما مدى نجاح هذا النهج في حالة ما تأكد ضمان عدم التقاط الفيروس مرة أخرى بعد اكتساب المناعة ضده؟ سياسة اتبعت في السويد وشمال أوروبا وألمانيا بشكل جزئي، لكنها تبقى خطيرة، بفعل الأسرار الكثيرة المجهولة بشأن الفيروس، ذلك أن أكثر من 14 في المائة من الأشخاص المصابين عاودهم الوباء من جديد، لا سيما في اليابانوكوريا الجنوبية، ما يُصعب من نجاعة السياسة المذكورة. أرى أنها إجراء غير مدروس بشكل كافٍ، في ظل وجود سلالات وطفرات يمكن أن تصيب الشخص المعافى مرة ثانية، ما دفعني إلى رفض هذه المجازفة غير محسوبة العواقب في سياق تفشي الوباء الشرس والغامض. إذن، الحل الأمثل يبقى تقليد الدول الناجحة في مواجهة الجائحة، عبر الحظر الكلي وعزل البؤر وتوظيف الوسائل الرقمية والتباعد الاجتماعي، حتى يستطيع النظام الصحي تحمل أعداد المصابين.