تفاجأ طلبة سلك الماستر بمختلف جامعات المغرب هذه السنة بمذكرة وزارية مشؤومة رقم 2.18.512 تقضي بإقصاء نصف الطلبة الباحثين بالماستر الذين لهم الصفة المخولة للمنحة من حقهم فيها، ويتم ذلك بعد حذف الطلبة الموظفين والطلبة الصحراويين _الذين يستفيدون مباشرة من المنحة_ والطلبة الذين تزيد أعمارهم على ثلاثين سنة، بحيث تبقى قلة قليلة جدا من الطلبة الآخرين يتم التمييز بينهم بهذا المرسوم أو المذكرة، فيستفيد نصفهم ويحرم نصفهم الآخر تحت ذريعة الاستحقاق الاجتماعي والعلمي الذي ظل معيارا فضفاضا تختار لجان الكليات المكلفة بالفرز من تشاء وتمنع من تشاء، في غياب أدنى حق من حقوق الطالب المحتاج للمنحة، إذ نسمع هنا وهنا عن منح موظفين وأساتذة متعاقدين لازالوا في التكوين رغم مغادرتهم الماستر… هذه المنحة التي هي أصلا محنة تأبى الوزارة إلا أن تقطع حتى ذلك البصيص من الأمل الذي يتشبث به الطلبة لتحقيق مستوى علمي في استشراف لولوجهم الدكتوراه فيما بعد. والعجيب في الأمر أن منحة الماستر الأولى لا يفرجون عنها إلا في شهر فبراير دائما، مع العلم أن الدراسة بالماستر تنطلق في شهر شتنبر غالبا، بمعنى أن الطالب يظل يعاني أكثر من خمسة أشهر يجتاز فيها امتحانات الأسدس الأول وهو محمل بديون الكراء وديون البقال وصاحب المكتبة، لكنه يمني نفسه بخروج المنحة في شهر فبراير بعد عناء طويل ليقضي ديونه في انتظار المنحة الثانية التي يتنفس بها الصعداء، هذه العبثية في توقيت صرف المنحة بحد ذاته مشكل كبير تخر له قوى الطالب وينفق معه من ماء وجهه في طول انتظار مرير، فكيف بالله عليكم بعد كل هذا الشقاء يواجه الطالب في شهر فبراير بتطبيق مذكرة تقضي بمنح نصف طلبة القسم الواحد وحرمان البقية، كيف سينظر الطالب لأصدقائه فرحين بمنحتهم وهو محروم مع ما عليه من ديون، هذا الطالب الذي يكون في الغالب بعيدا عن محل سكناه بمئات الكيلومترات حيث لا معين ولا سند وحيدا شريدا محروما في وجه الصعاب. هذا هو حال الطالب الذي تقول الوزارة هو طالب باحث يجب أن نبنيه ليكون إطارا في مغرب الغد كيف يصح هذا في الأذهان السليمة والضمائر الحية. ففي إطار وزارة البحث العلمي يحدث كل هذا العناء الذي لا يصطلي بناره إلا ابن الشعب الذي لا يجد بدا من الانسحاب في ظل غياب منحته، وقد سمعنا حقا بانسحابات هنا وهناك. لا شك أن الطالب المجاز يفرح بقبوله في الماستر بعد سنين من الجد والتحصيل، بل وبعد السماح في مباريات التوظيف من أجل التفرغ له وإتمامه، هذا الإنجاز تجعله جرة قلم سي أمزازي في مهب الريح الصرصر. كيف سيكون نظر هذا الطالب للإدارة ولمراكز القرار في بلده مستقبلا، وهو يسمع أرقام أموال عامة لا يعرف حتى كتابتها تبدد على هذه الراقصة أو ذلك المغني أو تلكم المسابقة الفكاهية البئيسة. ثم يتساألون عن سبب هجرة الأدمغة وفساد المسؤولين وانتشار الجريمة ووو. في رئاسة إحدى الجامعات تكلم أحد المسؤولين مع الطلبة المحرومين من منحتهم فقال له: الماستر بسيط لا يحتاج جهدا أذهب لبيتك وأحضر في الامتحانات ولن تحتاج منحة. فأجابه طالب: الحضور وملازمة الحصص والمكتبة والندوات والمستجدات الجامعية في مجال تخصصي هو ما يجعلني باحثا في مجال تخصصي فكيف تريد أن أترك كل هذا لأحضر في الامتحانات فقط أم تريدني أن أحصل على الشهادة وأدخل الوظيفة العمومية جاهلا فأكون سببا في هدم هذا الوطن! فأطرق المسؤول مخذولا. هذه قصة طالب ماستر مغرب اليوم يا سادة، فإن حالفه الحظ وكان موظفا أو من أبناء الأغنياء فسيدرس وينجح، وإن كان من أبناء الفقراء فلا حظ له فيه في الغالب، وإن حاول الجمع بين "تامارة" والدراسة فيطردونه لأن حضور الحصص إجباري. وفي الختام نناشد كل شريف ممن له ضمير حي في هذا البلد من المسؤولين أن ينصفوا الطلبة المقصيين من حقهم الواجب في منحة هي محنة في الأصل لكنها تحفظ ماء وجه الطالب، فيراجعوا المذكرة المشار إليها، حتى يعود الطلبة إلى دروسهم ويحسوا بالمساواة أمام أقرانهم في ظل دستور المساواة وتشجيع البحث العلمي، وإلا فالدور آت على طلبة الإجازة الذين سيعانون أيضا نفس المشكل إن لم يحرموهم من المنحة بالكلية.