قالت السيدة إيمان المالكي، مستشارة قضائية مكلفة بالتواصل والإعلام بمحكمة النقض، إن مواجهة ظاهرة الشغب أثناء المباريات الرياضية تتطلب إقرار مجموعة من التشريعات الوطنية إضافة إلى الاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية لحصر الظاهرة في غياب اتفاقيات دولية تؤطر حقوق المشجعين واللاعبين. وأوضحت السيدة المالكي، أن الرياضة لم تعد مجرد هواية أو احتراف يقتصر على بعض الأشخاص أو فئة معينة بالمجتمع بل صار تتبع المباريات والمنافسات الرياضية وتقييمها وانتقادها هواية الكثيرين، فأصبحت عاملا من عوامل الجذب والاستقطاب الفعالة والفاعلة لمختلف القطاعات، وصورة من صور الاستثمار المربح والمضمون، مشيرة إلى أن المشجع الرياضي أصبح دوره لا يقتصر على المناصرة والتشجيع والتنوير بتاريخ فريقه أو ناديه المختار أو لاعبه المفضل بل أصبح يحترف بعض مظاهر العنف والتعصب والسلوكيات العدوانية التي تنبني على روح الثأر والانتقام والتدمير بكل أشكالها وهو ما يتنافى مع قيم الروح الرياضية. وأبرزت المسؤولة القضائية أن الشغب مصطلح فضفاض وواسع يشمل العديد من الحالات والاضطرابات الانفعالية كالغضب والعنف والهيستيريا والهيجان، ويمكن أن يعبر على كل سلوك جماعي أو فردي يهدد السلامة ويخل بالأمن، كما أنه يأخذ صورا متعددة منها الإساءة اللفظية والجسدية أو أي إساءة تعتبر مخالفة للعرف والتقاليد والأنظمة أو الاحتفالات الحماسية. وأكدت أنه على الرغم من أن ترسانة القانون الجنائي المغربي تعززت بصدور مقتضيات قانونية خاصة تجرم العنف الرياضي بكل أشكاله أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها (قانون 09.09 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.38 الصادر بتاريخ 2 يونيو 2011)، والذي شكل قفزة نوعية في مجال التشريع الرياضي الزجري، مع وجود قواعد صارمة خص بها المشرع زجر الشغب والعنف في المنشآت الرياضية لكن بالمقابل يتم تسجيل مجموعة من الثغرات والشوائب التي عاقت دون إرساء نظام حماية قانونية حقيقية ترقى إلى مستوى مطالب وطموحات المواطنين. وأوردت المستشارة القضائية بعض العقوبات التي تضمنها هذا القانون والتي تشمل الحبس والغرامات المالية والمنع من حضور المباريات لكل من ساهم في أعمال عنف أثناء مباريات أو تظاهرات رياضية أو بمناسبتها أو أثناء بث هذه المباريات أو التظاهرات في أماكن عمومية أو بمناسبة هذا البث، وكل من حرض على الكراهية أثناء المباريات. كما تشمل العقوبات التحريض على التمييز العنصري والكراهية أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية بواسطة خطب أو صراخ أو نداءات أو شعارات أو لافتات أو صور أو بأي وسيلة أخرى، ضد شخص أو عدة أشخاص بسبب الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي آو اللون أو الجنس أو الوضعية العائلية أو الحالة الصحية أو الإعاقة أو الرأي السياسي أو الانتماء النقابي أو بسبب الانتماء أو عدم الانتماء الحقيقي أو المفترض لعرق أو لأمة أو لسلالة أو لدين معين. واعتبرت أن هذه الترسانة القانونية الزجرية لم تحل دون استفحال ظاهرة الشغب وتخريب المنشآت الرياضية خلال المباريات الرياضية بشكل ملفت، حيث إن البطولات الرياضية سجلت العديد من أحداث الشغب وحصدت عددا كبيرا من الضحايا منهم من لقى حتفه ومنهم من ظل معاقا لبقية حياته. وفي قراءتها لبعض المواصفات الشكلية والموضوعية لقانون 09.09، أشارت المسؤولة القضائية إلى أن هذا القانون جاء بجرائم فضفاضة ووضع لائحة لهذه الجرائم وللعقوبات السالبة الحرية والعقوبات المالية الموازية لها مما أعطى مجالا للتأويل والشرح والتفسير، مضيفة أن خلو هذا القانون من العقوبات البديلة يعد أمرا خطير ذلك أن أغلب المذنبين لم يجرمون بالصدفة. وبسطت المستشارة القضائية مجموعة من التدابير الكفيلة بمواجهة ظاهرة الشغب في التظاهرات الرياضية، من خلال تنمية وعي العاملين في قطاعي العدل والأمن بظاهرة الشغب في التظاهرات الرياضية، وذلك بعقد دورات تدريبية في هذا المجال ووضع برامج عمل وتدخل مشتركة، وإدماج قانون 09.09 في المناهج المدرسية والجامعية، وفي القانون المنظم لتسيير الملاعب، والقانون الداخلي للأندية الرياضية، وتعليقه في جميع الملاعب ومقرات الأندية، وتنظيم حملات توعوية في جميع أنحاء المملكة للتحسيس بخطورة الظاهرة، وتأسيس قوة مضادة تتمثل في جمعيات المجتمع المدني التي تعني بضحايا شغب الملاعب، وبرمجة وصلات إشهارية تحذيرية وفي بعض الأحيان إنذارية. ودعت إلى تدريب فرق أمن خاصة للتصدي لأعمال الشغب داخل الملاعب، ونشر صور ضحايا شغب الملاعب في المداخل الرسمية والثانوية للملاعب، وإعداد روبورتاجات وشهادات حية لأناس نجوا من حوادث الشغب، وإعادة تأهيل الأطر والمعاونين الذين يسهرون على حسن سير المباريات الرياضية، وبث شريط قصير قبل كل المباريات حول مأساة الملاعب ومصير المذنبين والضحايا. كما شددت على ضرورة تجهيز الملاعب الرياضية بمختلف أحجامها بكاميرات للمراقبة والتتبع خارج الملاعب وفي مختلف فضاءاتها الداخلية، وتجهيزها بأنظمة إنذارية تمكن من إغلاقها وفتحها أوتوماتيكيا، والتفعيل الجيد والمسؤول للقانون 09.09، ونشر الأحكام الخاصة بشغب الملاعب والتعليق عليها، واستحداث العقوبات البديلة في هذا النوع من الجرائم، وشمول الأندية والفرق والجامعات بنظام العقوبات المالية والزجرية عن الشغب في الملاعب الرياضية، وإعادة النظر في سياسة تدبير المباريات والتظاهرات الرياضية.