في موضوعنا اليوم سنسلط الضوء على شخصية بارزة حققت نجاحا كبيرا انطلاقا من اجتهاد شخصي، شخصية استقبلها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله” الأسبوع الماضي بقصره في زعبيل لبحث سبل التعاون، ألا وهو الصيني جاك ما مؤسس ورئيس شركة “علي بابا” الصينية والتي تعد أكبر شركة تجارة إلكترونية في العالم. بدأ جاك ما حياته المهنية كمدرس بسيط للغة الانجليزية، وتحول في فترة قصيرة من مدرس براتب تعيس إلى عملاق في عالم التكنولوجيا وإلى أغنى رجل في الصين. جاك ما، البالغ من العمر 50 عاما هو مؤسس ورئيس مجموعة “علي بابا” العملاقة للتجارة الإلكترونية، التي تعد اليوم أكبر شركة تجارة إلكترونية في العالم حيث تتجاوز مبيعاتها السنوية 170 مليار دولار ويعمل بها أكثر من 22 ألف موظف في أكثر من 70 مدينة حول العالم وتعمل الشركة بشكل رئيسي على تسهيل التجارة الإلكترونية بين الأفراد والشركات والتجار على الصعيدين العالمي والصيني. وكان أخر نجاح للشركة العملاقة، يوم أمس عندما عرض جاك ما أسهمه للاكتتاب أمام المستثمرين في بورصة نيويورك حيث جمع ما يصل الى 25 مليار دولار، مما يجعله أكبر اكتتاب على الإطلاق. (صورة جاك ما مع موظفيه خلال الأيام الأولى لإطلاق موقع علي بابا) جاك ما هو اسم مألوف في الصين، ولمع اسمه مؤخراً عبر العالم كشخصية كبيرة في عالم التكنولوجيا تحاكي أمثال تيم كوك، وجيف بيزوس مارك زوكربيرج. (صورة عائلية لجاك ما يسار مع شقيقيه) ولد جاك ما في هانغتشو، بالصين، وهي مدينة يسكنها حوالي 2.4 مليون شخص بالقرب من شنغهاي المعروفة بمناظرها الطبيعية الخلابة والأراضي الزراعية الخصبة. كان والداه فنانين يؤديان أغاني تقليدية تعرف باسم “البينغ تان” وهي نوع من السرد القصصي الملحن. عندما بلغ سن ال12 بدأ يهتم باللغة الانجليزية فتعلمها بنفسه. إذ كان يركب دراجته ويسير بها لمدة 40 دقيقة يوميا وعلى مدى ثمان سنوات، للوصول إلى فندق بالقرب من بحيرة هانغتشو. ليحتك بالسياح ويقدم لهم خدماته كدليل سياحي مجاني بهدف ممارسة اللغة الانجليزية. (صورة جاك ما مع مجموعة من السياح) وقال جاك في مقابلة له مع صحيفة (نيويورك تايمز) أن ما تعلمه في المدرسة والكتب مختلف جداً عما تعلمه مع السياح. وذكر أنه مر بأوقات عصيبة في المدرسة فقد فشل مرتين في امتحان القبول لدخول الجامعة فانظم إلى جامعة ينظر إليها على أنها أسوأ جامعة في مدينته، وهي جامعة هانغتشو للمعلمين، في عام 1984. بعد التخرج، مارس جاك مهنة تدريس اللغة الانجليزية لمدة خمس سنوات براتب 100 إلى 120 يوان، ما يعادل 12 إلى 15 دولار أميركي شهرياً. ودفعه راتبه التعيس إلى البحث عن مصادر أخرى للكسب، ففي عام 1995، ذهب جاك ما إلى سياتل للعمل كمترجم. في هذه الزيارة الأولى إلى الولاياتالمتحدة، عرفه أصدقاءه بالإنترنت وأدرك حينها أنه في الصين لا يوجد أي مصدر للبيانات على الإطلاق. وقال جاك أنه حينها لمس لوحة المفاتيح لأول مرة في حياته، ولكنه عندما عاد الى الوطن، أطلق موقعا إلكترونياً للبيانات عبارة عن دليل للأعمال التجارية أطلق عليه اسم “الصفحات الصينية”. موقع “الصفحات الصينية” لم يكن مشروعا مثمراً، ولكن بحلول عام 1999 جمع جاك 18 صديقا في شقته في مدينة هانغتشو ليكشف لهم عن فكرة إنشاء شركة جديدة للتجارة الإلكترونية. وافق الجميع على المشروع وجمعوا 60 ألف دولار أميركي لإطلاق موقع “علي بابا”. ويقول جاك أنه اختار هذا الاسم لأنه اسم سهل وعالمي فجميع الأجناس سمعت بقصة علي بابا واللصوص الأربعين” وعبارة “افتح يا سمسم” التي تفتح الأبواب إلى الكنوز المخبأة. في عام 2003، أطلق جاك الموقع الإلكتروني التجاري “تاوباو”، لينافس موقع “إي- باي الصيني، و بحلول شهر اكتوبر عام 2005، اكتسب الموقع 70٪ من سوق التسوق الإلكتروني في الصين وأصبحت أيام (إي باي) الصيني معدودة. إذ أعلن الموقع العالمي في عام 2006 نيته بترك السوق الصينية. في عام 2007 أطلق جاك ما موقعاً جديداً لبيع المساحات الإعلانية الإلكترونية أطلق عليه اسم “علي ماما” كأحد فروع مجموعة “علي بابا” ومكمل لموقع “ياهو الصيني”، إذ يوفر الموقع الجديد منصة للناشرين يمكنهم من خلالها شراء المساحات الإعلانية المتوفرة في موقع ياهو الصيني وغيره من المواقع. إضافة إلى كونه أغنى رجل في الصين، اشتهر جاك بلباسه المثير اذ عرف بارتداء السترات الفضة اللامعة، والشعر الأشقر المستعار وفساتين الاميرات والتيجان والغناء أمام الآلاف من الموظفين. (فيديو لجاك ما وهو يغني للموظفين في حفل مباشر) في سن ال50، بلغت ثروة مؤسس ورئيس شركة علي بابا 21،8 مليار دولار، وفقا لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات. جاك ما هو شخص ملهم للكثير من الشباب، ويستمع طلاب الجامعات لمحاضراته بكل اهتمام وشغف، ففي الاجتماع السنوي للمساهمين في مايو 2009، الذي حرص على حضوره المساهمون والعملاء وطلاب من جامعات هونغ كونغ، نصح جاك ما الشباب بأخذ زمام الأمور بأيديهم والتحرك لإطلاق مشاريعهم الخاصة للتعامل مع الانكماش الاقتصادي بدلا من انتظار الوظائف الحكومية أو الخاصة. وذكر بأن أكبر الثروات في العالم حققها أناس استغلوا الفرص وأكد بأننا اليوم في فترة ما بعد الأزمة العالمية وهي فترة توفر أرضاً خصبة لإطلاق المشاريع الجديدة. جاك ما يهتم أيضاً بالبيئة والتعليم، وخاصة بآفة التلوث في الصين، الذي يعتبره سبباً لوفاة والدا زوجته بمرض السرطان. وقد تبرعت شركته “علي بابا” بمساعدات مالية لتمويل مبادرات لحماية البيئة وتطوير الطب والتعليم كما أطلق جاك مؤسسة خيرية لحماية البيئة في الصين. وكتب جاك ما في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو في نوفمبر عام 2013، أنه “قبل عشرين عاما، كان الصينيون يركزون على سد حاجياتهم الأساسية ، ولكن في يومنا هذا لقد تحسنت ظروف المعيشة بشكل كبير وأصبح للأشخاص أحلاما أكبر لبناء المستقبل، ولكن هذه الأحلام ستكون جوفاء إذا لم نتمكن من رؤية الشمس. وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قد رحب الأسبوع الماضي بالمؤسس والرئيس التنفيذي جاك ما في الإمارات لبحث مختلف أوجه التعاون التي يمكن أن تتم بين الشركة الصينية العملاقة والجهات الحكومية المتخصصة في الدولة.