هي فاطمة الشنا زوجة الجينيرال أوفقير التي عاشت وابنائها احدى اكبر الزوابع الحياتية حين حاول زوجها الانقلاب على الحسن الثاني وحين نفاها بعد ذلك الملك الراحل قسريا لما يناهز الثمانية عشر سنة، في هذا الملف الذي ننشره مسلسلا جانب آخر من حياة هذه المرآة يرتبط بالحياة الخاصة لاكثر الرجال دموية في سنوات الرصاص ترويه الشنا نفسها في كتابها المثير »حدائق الملك » وهو جدير بفيلم سينمائي ند خروجي من لدن تلك المرأة، بعد أن تركت «حسن» لقدره، مررت لزيارة إحدى الصديقات فأعلمتني أن زوجة أوفقير الجديدة كانت منذ وقت قصير في زيارة لها… ونقلت إلي الأحاديث التي أدلت بها:
- ادعت أن أوفقير لن يستعيدك أبدا بعد كل الذي فعلته به. فهو ينبذك الآن ولا يريدك أبدا.
- حسن، أهذا ما قالته لك؟ أرجو إذن أن تعلني لها في الحال أنني سأكون خلال خمسة عشر يوما مع أوفقير.
وذهبت إلى منزلي. بعد فترة قصيرة حضر أوفقير للقائي ليخبرني أن الملك عازم على زيارة رسمية لمنطقة تافيلالت كلها، ولبلدة بودنيب موطن أوفقير خاصة، وسألني:
- هل يزعجك الذهاب لإعداد حفل استقبال الملك في بودنيب.
- كلا، هذا يسرني.
وذهبت أهيء احتفالات لمدة أسبوع لأكثر من ألفي شخص لدى أخ أوفقير الشاب عمدة بلدة بودنيب. عندما رآني الحسن الثاني توقف مندهشا وقال:
- ماذا تفعلين هنا؟
- أستقبلكم بكل تواضع بعد أن طلب مني أوفقير الحضور…
قطب الملك حاجبيه مستغربا. إذا كان أوفقير قد أراد استعادة زوجته فلماذا لم يخبره؟ وذهب جلالته إلى مراكش، وعدت مع أوفقير إلى الرباط. في المساء نفسه، أراد أوفقير أن يلج غرفتي… رفضت، فكرت بتلك البديهة العربية: «تودّد لزوجتك لتحظى بالطيبات…»، وعندما ألح طالبا قضاء الليل قربي أوقفته عند حده بحزم قائلة:
- لست من طراز النساء اللواتي يرتضين العيش إلى جانب زوجة أخرى، ثم إن طلاقنا مايزال قائما، ولا يجوز لك لمسي.
- إن توقف الأمر على هذا، يمكن استدعاء القاضي في الحال.
الواقع أن أوفقير كان قد انفصل عن زوجته الثانية منذ عدة أشهر، أنجب منها ولدا ثم شغلته مهامه الكثيرة عنها. في الحال اتصل هاتفيا بصديقه محمد بن عالم، ذراعه الأيمن وأمين عام وزارة الداخلية، وطلب منه الحضور مع القاضي الشرعي.
وصل الرجلان سريعا، وحوالي الساعة الحادية عشرة ليلا كانت الأوراق موقعة، وهكذا تزوجنا ثانية. لو أنني كسرت إحدى ساقي ذلك المساء من أيام 1966 دون ذلك الإجراء لما تعرضت بعد ذلك للسجن تسع عشرة سنة.
كانت الزوجة الأخرى، فاطمة الأخرى، ماتزال في مراكش مع العائلة المالكة، واستقل أوفقير الطائرة في اليوم التالي لينبئها بالخبر… دخلت إلى غرفتها في الفندق عند الساعة الحادية عشرة، في اللحظة التي كنت أدير فيها قرص الهاتف للاتصال بزوجي، وأمسكت السماعة:
- آلو، من المتكلم؟
أجبت بهدوء: السيدة أوفقير.
- من؟
هكذا لم يعد بحاجة إلى اختلاق الأكاذيب أو إعداد السيناريوهات. فقد أدركت كل شيء، وناولته السماعة قائلة بكل بساطة، إنما ببعض المرارة:
- عجبا، يبدو أنها السيدة أوفقير.
أما أنا فقد وجدت في تلك المصادفة تسلية سارة، وبدرت مني ردة فعل مباشرة وقلت:
- أعتقد أن هذه اللحظة لن تمر بهدوء بالنسبة لك، وستضطر لتبرير تصرفك…
- نعم يا حبيبتي، أتوقع ذلك، وسأتدبر الأمر.
عندما أغلق الخط، طلبت منه فاطمة أن يوضح لها الموقف، قالت:
- ما هذه القصة؟ إن كنت قد استعدت زوجتك يجب أن تطلقني.
- أوافق، كما تريدين.
نحو الظهر ذهب أوفقير لتحية الملك بصحبة فاطمة التي اغتنمت الفرصة لتشكوه:
- سيدي، لقد استعاد زوجته، والآن أنا أريد الطلاق.
التفت الحسن الثاني إلى وزيره.
- ما رأيك في ما تقول؟
- إن ترد الطلاق، فهي طالق.
النطق بعبارة «هي طالق»، يكفي في الواقع للتفريق النهائي بين الزوجين. جرت الأمور بعد ذلك دون أن أتدخل. أرسل أوفقير شاحنة مع عناصر من القوى الرديفة لنقل أمتعة زوجته الثانية من المنزل الذي كانت تسكنه وهو ملكي. جمعت أغراضها الشخصية وثيابها والهدايا التي كانت قد تلقتها ورحلت. لم تر أوفقير بعد ذلك. استقل كل منهما بحياته بعيدا عن الآخر.
بعد ذلك بسبع سنوات، وعند موت أوفقير، حاول العدول، موثقو العقود، أن يدعموا ادعاءها بأنها ماتزال زوجة أوفقير، وبالتالي يجب أن ترث جزءا من تركته. رفض طلبها لأنها لم تستطع أن تبرز الوثائق الرسمية، أبرزت فقط صورة طبق الأصل غير واضحة، وادعت أن الوثائق الأصلية التهمها حريق سابق. مع ذلك سمح لها بالسكن في منزل أملكه، عاشت فيه خمسة وعشرين عاما، بينما كنت أعاني من العيش في السجون…
اقترنت إذن مرة ثانية بزوجي، واستعدنا حياتنا المشتركة، ومن جهته عاد حسن بعد وقت قصير إلى الجيش، ثم أجبره أهله على الزواج من إحدى نسيباته، وتابع حياته المحدودة الهادئة، لكنه طاف مدة طويلة في مدار حول الأرض. فخلال خمسة وثلاثين عاما لم يسكن فيها المغرب تقريبا، بل تنقل بين بلد وآخر ملحقا عسكريا. وقد أحيل الآن على التقاعد، وفق ما قيل لي.
كنت أمتلك رسائل وصورا، بينات حسية عن تلك القصة الغرامية الجميلة، وضعتها في صندوق في المصرف، واستعدتها عند خروجي من السجن، ثم سرقت مني بعد ذلك… من أراد أن يختلس هذه الأوراق الشخصية؟ من أراد أن يستحوذ على ذاكرتي؟
فقدت كل شيء، لم يعد لدي معالم ولا أتمكن دائما من تنظيم ذكرياتي. عشت حياة حافلة بالأحداث، ومرت بي أوقات عانيت فيها من الخوف والذعر كثيرا، أوقات طويلة ضائعة، ضالة، قانطة، وقد أساء لي أشخاص كثيرون…
ما سبب مناهضة جميع هؤلاء الأشخاص لي ومعاداتي؟ لم أنازع أية امرأة على زوجها، ولم أنافس أحدا على منصب. تقاسمت ما أملك مع أبسط الناس. خصصت أموالا للإنفاق على حج بعض المؤمنين إلى مكة سنويا. هل سببت جرحا لأحد دون أن أعلم؟ حرصت على أن أكون دائما لطيفة مع أصحابي، ومن يحيطون بي، وحتى من لا أعرف، لم أكن يوما عدوانية، ولا حاسدة، ولا غيورة. وهل من سبب يدعوني إلى ذلك؟ لقد عرفت كل أنواع المتع والسعادة في الحياة.