تغالب مليكة أوفقير الدموع، تحاول أن تخنقها، تقهرها، تعض على إبهامها، تشد رأسها بقوة، وسرعان ما تذعن للبكاء، كلما ظهر وجه جديد يعيد الى مخيلتها ضحكة فاطمة الشنا، آلامها ولحظات اقتسمتها مع إمرأة كان لها شأن كبير، قبل أن تصبح زوجة ورثت اسما عائليا منبوذا ..
شقيقتها ماريا العائدة من روسيا، آخر من التحق بجو جنائزي على الساعة التاسعة والنصف من ليلة الاثنين 16 أكتوبر الجاري..
في بيت صديقة مقربة من الأسرة، سيحتضن عزاء عائلة، لم يعد لها عنوان قار، منذ أن تغير مسار جنرال أورث زوجته وابنيه رؤوف وعبد اللطيف، وبناته، مليكة، سكينة ومريا، ذكرى في حجم مأساة كبيرة..
عانقت ابنة أخيها رؤوف وبكت بحرقة، وربتت على كتف إمرأة وصلت للتو من مراكش، وهي تعدد مناقب "الحاجة"، التي تقول أنها ربتها وعطفت عليها، ولم تعاملها قط على أنها خادمة...
للموت رهبته، الرحيل قاس... منذ ما يربو عن الخمسة عشر يوما ومليكة في المغرب رفقة ابنها آدم، تتابع عن كثب الحالة الصحية لوالدتها في مصحة خاصة بحي الوازيس في مدينة الدارالبيضاء، بعد أن نصح الأطباء في المستشفى العسكري بمراكش، بضرورة نقلها الى الدارالبيضاء لتكثيف حصص الترويض الطبي، بعد ان شلّ نصفها عن الحركة، بعيد اصابتها بنزيف في الدماغ..
الساعة تشير إلى الخامسة بعد الزوال، من يوم الإثنين 16 دجنبر الجاري، ستلفظ فاطمة الشنا أنفاسها الأخيرة، تتذكر إحدى صديقاتها المقربات: " غريب ماتت مبتسمة وعيناها مفتوحتان، لا اصدق، كانت في صحة جيدة، وفجأة انهار جسدها، بعد أن أصيبت بنزيف في الدماغ، حاول الأطباء في مراكش الحد من مضاعفاته، وفي مرحلة معينة من مرضها، منعوا علينا زيارتها، كنا نطمئن عليها من خلف الزجاج... لكنها ظلت قوية حتى في لحظاتها الأخيرة، نظراتها تؤكد ذلك.."
سألنا ابنتها البكر، عن آخر كلمة تتذكرها نطقت بها والدتها، فقالت: " قالت لي عييت ابنتي... باركا عليا.."
كلما دنت مليكة اوفقير من الانهيار، تتكئ على ذراع شقيقها رؤوف، أو أخيها الأصغر عبد اللطيف، يتجمعون وتتكثف لحظات العناق والمواساة، وكأن شريط الموت البطيء الذي رافقهم طيلة حياتهم، ومن أبرز محطاته الاعتقال والهروب، تتراقص أمام أعينهم...
حياة عائلة الجنرال أوفقير لم تكن كلها جحيما، بعد هروبهم من المعتقل الذي وضعهم فيه الملك الراحل الحسن الثاني، ثمة لحظات سعادة، عاشتها العائلة التي ولدت من جديد، وجعلت الام فاطمة أوفقير تعيش 77 سنة من حياتها..
الطريق الى دفنها تمر من سيدي علال البحراوي، وبالضبط من مسجد الشنا جدها الذي سترقد بعد ساعات من الآن بالقرب منه...
تابعوا بقية القصة اقرأ المزيد بالصور: عائلة أوفقير تجتمع والملك يتكلف بجنازة زوجة الجنرال الذي حاول قتل والده