تنامت ظاهرة "الذئاب المنفردة" في العقد الأخير من القرن ال21، مثيرة رعب الجهات الأمنية في مختلف بلدان العالم، ومنها المغرب. وتُرعب الظاهرة العالم، لكونها عبارة عن أشخاص يقومون باعتداءات بشكل منفرد، من دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما. في المغرب، نبّه رئيس "المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات" في الرباط، عبد الرحيم المنار اسليمي، في حوار مع "العربي الجديد"، إلى خطورة ظاهرة "الذئاب المنفردة" على المغرب. وذكر أن "التقارير الأمنية الدولية أشارت إلى أنه منذ عام 2005 إلى منتصف عام 2015، نفّذت هذه الفئة 25 في المائة من مجموع العمليات الإرهابية في العالم". وعزا اسليمي خطر "الذئاب المنفردة" على المغرب إلى ثلاثة أسباب رئيسية، أولها استحالة إنشاء تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) لكتيبة في المغرب، بفعل قدرة الأجهزة الأمنية على تفكيك الخلايا قبل وقوع الخطر، وثانيهما صعوبة عودة المغاربة المنتسبين إلى "داعش" من العراق وسورية من دون إلقاء القبض عليهم على الحدود. وثالث الأسباب، وفق اسليمي، يكمن في استمرار محاولات استقطاب وتجنيد مغاربة من طرف قيادات من "داعش" متواجدة في الخارج، تقابله إجراءات أمنية لمراقبة الخروج من المغرب، مما سيجعل بعض المتطرفين، موضوع الاستقطاب ومحاولات التجنيد، بمثابة "مشاريع ذئاب منفردة"، كما يجري في بعض الدول الأوروبية. وحول الاختلاف بين تنظيمي "داعش" و"القاعدة"، يقول اسليمي، إن "داعش مختلف عن تنظيم القاعدة، في قدرته على قيادة حرب شبيهة بحروب الجيوش. وهو ما يجري اليوم في العراق وسورية. كما يملك القدرة على قيادة حرب شوارع عن طريق مجموعات صغيرة لا يتجاوز عددها بضعة أشخاص، مثلما حدث في اعتداءات تونس". وأوضح أن "هذه العناصر تجعل داعش ذا نزعة عالمية، لذلك كل الدول مهددة ومعرضة للمخاطر بما فيها المغرب، على الرغم من تصنيفه في المستوى الثالث من مخاطر تعرّضه لاعتداءات من داعش". وعن سبب "ابتعاد المخاطر عن المغرب"، يشير اسليمي إلى أن "ذلك عائد إلى الخبرة التي راكمتها الأجهزة الأمنية المغربية في التعامل مع الخلايا الإرهابية والذئاب المنفردة منذ عام 2002". ويكشف أن "التعاون بين أجهزة الأمن الداخلي والخارجي أسست خاصية أمنية مغربية بامتياز، أفضت إلى تفكيك الخلايا قبل وقوع الخطر. وهي عملية مبنية على القدرة على الوصول إلى المعلومة وتحليلها في الوقت المناسب، والتكامل الحاصل بين المعلومة الخارجية والداخلية". ويلفت اسليمي إلى أن "للأمن المغربي الخارجي والداخلي قدرة على وضع خارطة لمجموعات إرهابية أو مجموعات في طور التحوّل. وهي خارطة يتم تحديثها باستمرار، وتراكمت على مدار 13 عاماً من تجميع وتحليل المعلومات، في ظلّ مرونة الأجهزة الأمنية المغربية في التعاون الدولي الثنائي أو الجماعي مع الأجهزة الأمنية العالمية". ويشير رئيس "المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات"، أيضاً إلى أن "استعصاء المغرب على داعش مرتبط أيضاً بمقاومة المجتمع المغربي للتطرف، وقدرته على تقديم المعلومة حفاظاً على أمنه". وشدد أن "المجتمع حذر من كل ظاهرة غير عادية، تحديداً في البوادي والأرياف المغربية". وعزا اسليمي هجرة الشباب المغربي إلى معسكرات "داعش"، خاصة من مدن شمال البلاد، إلى أربعة أسباب رئيسية. السبب الأول سوسيو- جغرافي، يجعل المناطق الشمالية منفتحة على الآتي من أوروبا أكثر من غيرها. لذلك فالظاهرة تطوّرت في السنتين الأخيرتين حين باتت قيادات موالية ل"داعش" تتحرك بسهولة بين ضفتي المتوسط للاستقطاب، تحديداً عبر منافذ سبتة ومليلية. والسبب الثاني، وفق اسليمي، مرتبط ب"التقائية الإرهابيين والمهربين التي سهلت عملية التواصل مع الشباب، وزادت من وتيرة الاستقطاب في الفئات الفقيرة والعاطلة، بينما العامل الثالث له علاقة بالتديّن، ما دام التديّن في الشمال بقي سلفياً وأقرب إلى التشدد منه إلى الاعتدال". أما السبب الرابع والأخير، وفقاً لاسليمي، فهو "تنامي توافد الشباب من مناطق شمال المغرب إلى بؤر التوتر في سورية والعراق، وهو أمر ذو صبغة تاريخية، باعتبار أن المنطقة هُمشت تنموياً لسنوات طويلة، لذلك ظلت تعاني من تأخّر تنموي، على الرغم من محاولات استدراكه في السنوات العشر الأخيرة".