عندما يتحول شخص ما بين عشية وضحاها من فقير معدم إلى غني فاحش الثراء، بضربة حظ، فمن الصعب أن يظل "على صباغته" محافظا على تواضعه، هذا ما خلصت إليه وأنا أحاول إقناع بعض المعنيين بهذا الموضوع بالحديث والإفصاح عن تجاربهم... المثال الذي بين أيدينا الآن، لثلاثة أشخاص في الخمسينات من أعمارهم ينحدرون من منطقة قصبة تادلة التي انتقلنا إليها بغرض ملاقاتهم. وبتدخل من فاعل جمعوي معروف بالمدينة، وافق واحد من بين الثلاثة الفائزين على الحديث إلى "أخبار اليوم"، بينما تبرم الآخران وتخلفا عن الموعد الذي تم تحديده مسبقا، تاركين إيانا ننتظر لأزيد من 4 ساعات، وعندما اتصلنا بأحدهما لنستفسره، أجاب بلهجة حادة بأنه "مامساليش" وأن لديه أشغالا أهم يتعين عليه القيام بها. ضربة حظ لم يكن كل من الرفقاء (ر) و(ب) و(م) يتصورون أن التجربة الأولى لهم في لعب الرهان ستقلب أوضاعهم وتغيرها إلى أخرى لم يحلموا بها قط. عشية يوم الجمعة 12 يونيو الذي شهد حدث الاستحقاقات الانتخابية، كان الأصدقاء الثلاثة جالسين إلى طاولة بمقهى بوسط مدينة قصبة تادلة، الذي اعتادوا على "قتل" الوقت فيه بعد حصولهم على التقاعد. "عندما سمعنا أن مبلغ السحب سيفوق ملياري سنتيم، قلنا لماذا لا نجرب حظوظنا لعل وعسى نفوز بهذا المبلغ وننقذ به أنفسنا من البؤس الذي نتخبط فيه؟"، يقول (ر) وهو يتذكر اللحظة التي اقترح فيها على زميليه المشاركة في اللعب على سبيل التجربة فحسب. 165 ريال هو النصيب الذي ساهم به كل واحد من الثلاثة من أجل ملء استمارة "لوطو" بمبلغ 25 درهما، وهو النصيب الذي أعاد على كل واحد منهم 698 مليون سنتيم. "عندما أعلنت النتائج واكتشفنا أننا فزنا، لم نخبر أحدا، ولا حتى عائلاتنا، بل اتفقنا على السفر إلى الدارالبيضاء للتأكد من صحة فوزنا من عدمه، ولما وصلنا إلى المقر المركزي للشركة أكدوا لنا فوزنا بمبلغ مليارين و95 مليون..". بعد أن تسلم الثلاثة شيكا يضم المبلغ الخيالي الذي قادتهم الصدفة إلى الفوز به، توجهوا إلى مؤسسة بنكية وأودع كل واحد منهم نصيبه في حسابه الخاص، ثم عادوا في اتجاه مدينتهم الصغيرة. دوخة المال ماذا كان شعورك عندما فزت بذلك المبلغ الكبير؟ سألت (ر) فأجاب أنه لم يصدر منه أي تصرف غير طبيعي في تلك اللحظة، ولم يقم بأي رد فعل مثير للانتباه.. "فرحنا بناتنا ورجعنا لديورنا بشكل عادي ما بيّنا حتى حاجة للناس". يؤكد (ر) أن حالته النفسية لم تتأثر بتغير حالته المادية، وأن علاقاته مع الناس لم تتغير أبدا بل لاتزال طبيعية كما كانت: "أنا من طبعي حدودي وشاد التيقار مع الجميع، وخا ربحت ما تغير فيا والو.. أنا طبيعي ما تغيرت ما والو". من متقاعد إلى مستثمر أول ما فكر فيه (ر) عقب تسلمه لجائزته المالية، هو تحقيق الحلم الذي طالما راوده: إنه مشروع إنشاء مزرعة. "شريت فيرما فالنواحي ديال بني ملال، ودابا راني مخدم فيها شحال من واحد"، يقول (ر) بلهجة الواثق من نفسه، مكذبا ما راج من إشاعات حول تعرضه للنصب من طرف شخص باعه مزرعة "وهمية" بمبلغ 45 مليون سنتيم. بالإضافة إلى مشروع المزرعة، استثمر (ر) قسطا من أمواله في شراء عمارة سكنية بمدينة بني ملال، كما اقتنى شقة بالدارالبيضاء خصيصا لأحد أبنائه الذي يدرس هناك. ويحتفظ (ر) بالقسط المتبقي من حصته في البنك، مشيرا إلى أنه يعتزم استثماره في مشروع ما بسبب توجسه من الفوائد الربوية. وبالرغم من علم (ر) بحكم الشرع في ألعاب الرهان التي تصنف ضمن الميسر والقمار التي حرمها الدين الإسلامي بنص واضح وصريح في قوله تعالى: ''يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون''، فإنه يعتبر الجائزة التي غنمها من خلال فوزه في لعبة "اللوطو" أموالا حلالا مادام سيستغلها في طرق مشروعة. أما بالنسبة إلى كل من (ب) و(م)، فإن كلا منهما استثمر قسطا من المبلغ الذي فاز به في العقار على الخصوص. فالأول اقتنى منزلا بحي "نادية" حيث يسكن حاليا، فيما الثاني منشغل بتشييد بقعة أرضية تقع غير بعيد عن مسكنه بحي "الراشيدية"، بعد أن اشترى سيارة من نوع "كونغو" ووزع مبلغا مهما على بعض أقاربه. وفيما انتقل (ر) من حي "البام" الذي كان يقطن به بقصبة تادلة نحو مسكنه الجديد ببني ملال، فإنه لا يزال يسافر عبر الحافلات العمومية وسيارات الأجرة، وحينما سألته لماذا لم يقتن وسيلة نقل على غرار ما فعله زميله (م)، قال إنه سيفكر في ذلك فيما بعد.. لكنه شدد على أنه سيقتني سيارة عادية جدا كأيها الناس... نعمة أم نقمة؟ قبل خمس سنوات، ذاع خبر رجل ببني ملال فاز بمبلغ خيالي لا تجمعه إلا الأفواه. لكن الغريب في الأمر أن الرجل لم يتوصل ولا بسنتيم واحد، ومع ذلك ظل يعيش وعائلته مدة طويلة على هذا الحلم الذي لم يتحقق إلى الآن. تعود فصول هذه القصة إلى سنة 2004، حين شارك جواد أفرني، الطالب بشعبة اللغة الإنجليزية بكلية بني ملال، في مسابقة استرالية توصل إثرها ببلاغ يعلمه بأنه فاز بمبلغ 12 مليار سنتيم! وتقاطرت على موحا أفرني، والد الشاب "الفائز" تهاني وتبريكات كل من يعرفه بالمدينة، وأطلقت حول الأب عدة إشاعات أشهرها أنه سيترأس رجاء بني ملال لينقذه من موقعه في القسم الثاني، بحكم تعلقه بهذا الفريق وعمله كمراسل صحفي رياضي من بني ملال. ويقول موحا إن هاتفه آنذاك لم يكن يتوقف عن الرنين طيلة اليوم، إذ ظل طيلة اليوم يستقبل مكالمات المهنئين والراغبين في كسب ود "المليونير" الملالي وطلب كرمه. ويضيف أنه وبالرغم من عدم توصلهم بالمبلغ من طرف الجهة المسؤولة باستراليا، إلا أنهم ظلوا ينامون ويستيقظون على حلم ال12 مليار سنتيم.. خاصة بعد أن وكلوا محاميا لينوب عنهم في القيام بالإجراءات اللازمة لتسلم الجائزة، فأكد لهم أن "الربحة صحيحة" من الناحية القانونية. اليوم وبعد مرور كل هذه السنين، استفاق الجميع من حلمهم الذي لم يعرفوا ما إذا كان نعمة لهم أو نقمة عليهم لو تحقق. وتحولت كل أماني أفراد العائلة إلى سراب.. غير أن موحا يرى له رأي مغاير، إذ ختم حديثه قائلا: "من الخير أننا لم نتوصل بال12 مليارا، وإلا لأصبنا جميعا بالحمق!".