كثير من النوابغ ببلدنا الحبيب قضت مواهبهم في صمت دون أن يُحس منهم من أحد، أو يُسمع لهم رٍكْزًا(صوت خفي). فمعظم الموهوبين يجرفهم تيار الحياة القاسية، بحيث لا يتعرفون على أنفسهم ولا يتعرف عليهم غيرهم، بل الأدهى والأمَرّ ما يصاحب هذا التجاهل والإهمال من استعداد لنمو السلوك غير السوي لديهم، واحتمال استغلال قدراتهم في الشر والبراعة فيه. (القرصنة عبر الانترنت بشتى ألوانها نموذجا..). إن الموهوب في عالمنا العربي –والمغرب لايشذ عن هذه القاعدة-لا يحظى بأية رعاية إلا بعد أن يثبت قدرته ويبرزها للجميع، وحتى الذين أتيحت لهم فرصة الظهور والبروز فإن الرعاية التي يحظون بها غالبا ما تكون قليلة أو مبثورة لا تتجاوز التقدير المظهري العابر، أما الرعاية الشاملة نفسيا وتربويا وماديا فحدّث عن تجاهلنا وإهمالنا لها ولا حرج. اكتب هذا الكلام بمناسبة وصول اثنين من مواهبنا في الأكاديمية الجهوية لجهة تادلة أزيلال إلى التصفيات النهائية في المسابقة العربية ذات الصبغة العالمية للقصة القصيرة (موضوع القدس) بالإمارات العربية المتحدة دورة 2010، (فئة 13–16 سنة). وهما التلميذتان النجيبتان أمل البريني (الثانوي الإعدادي بمجموعة مدارس فيكتور هيكو) عن قصة "بطولة المقدسي"، وخولة شكور عن قصة "صرخة قلم"الثانوية التأهيلية جون جاك روسو) نيابة بني ملال.. أكتب ذلك –يا أهل السماح- تنبيها إلى أن التحول الذي ينشده مجتمعنا في حاجة ماسة إلى تعبئة إمكاناته البشرية قبل المادية، بل والتركيز على استثمار وتسخير أهم عناصر هذه الثروة وهم الموهوبون . وبوابة ذلك صياغة مشروع تربوي تكويني اكتشافي لمواهبنا على مختلف الأصعدة والتخصصات.. وقبل اسدال الستار على هذه الخطوط القصيرة الملتاعة لضياع أجيال من المواهب والنوابغ وغيابهم عن ساحة الفعل المستقبلي جراء الإهمال، اختم بعبارتين: - العبارة الأولى أوجهها ل "خولة" و"أمل" وأمثالكما: بداية لا يسع المطلع على اسمكما ضمن الائحة المؤهلة عربيا إن لم نقل عالميا(المسابقة كانت مفتوحة لمختلف الجنسيات باللغة العربية والإنجليزية) للتصفيات النهائية في مسابقة القدس للقصة القصيرة، إلا أن يفرح بهذا التتويج الفريد، وينتظر منكما المزيد.. ولكما في الكثير من المواهب التي صارت أعلاما في الشهرة العلمية والأدبية ما يجعلكما تسيرا على الدرب مهما غابت الرعاية المجتمعية وغاب التكريم.. وفي هذا الصدد أذكّركما بأديبة يابانية عالمية "بنانا يوشيموتو"، التي كانت قد بدأت الكتابة في سن مبكرة من حياتها(سن الثامنة) بقصة قصيرة تحت عنوان "الجسر الأحمر"، ثم تتالت رواياتها الكثيرة لتحصد الكثير من الجوائز والتكريمات العالمية، داخل اليابان وخارجها، حتى قيل عنها إنها شكلت "ظاهرة أدبية بقوة في اليابان، وخارجه.. واستطاعت أن تجعل لها اسماً ينتظر القراءُ أعمالَه في كل الأماكن التي تصل إليها الترجمات." بل إنها تُعلن وبدون خجل أنها تطمح لنيل جائزة نوبل للأدب.. فسيري على الدرب يا مواهب.. فلنا فيكم رجاء كبير.. - العبارة الثانية: أوجهها للقائمين على شؤون التربية والتكوين وتدبير الأمور في هذا بلدنا الحبيب، تحميلا لمسؤولية ضياع أفواج من النبغاء، وهجرة جيوشٍ جرارة من مواهبنا ضحايا الاستقطاب الأجنبي في شتى التخصصات، لم نكن لهم صوتا يقول لهم من هنا الطريق، وملاذا للعناية بهم وصقل مواهبهم. وإن رأينا من رعاية فبالاكتفاء بإقامة مسابقات تستهدف اكتشافهم ومكافأتهم بالجوائز، والاكتفاء بكلمات التحفيز العابرة، ثم نمضي دون تتبع في بقية مراحلهم العمرية. إن رعاية الموهوبين في مشروع متكامل مهما كانت الفئة التي يمثلونها اجتماعيا، هي مسؤولية الجميع، ومهمة وجب أن تكون سلسلة متصلة الحلقات يرتبط أولها بآخرها وآخرها بأولها، تتبتدئ من البيت مدرسة التكوين الأولى، وتمر عبر المدرسة، وتنسلك في مشروع مجتمعي متكامل غايته خدمة الغايات الكبرى للبلاد من خلال توظيف كافة الطاقات البشرية، وفي مقدمتها الفئة الموهوبة.. فهل إلى ذلك المقام وصول.. !!!!؟؟؟؟