أولا أهنئ كل الناجحات و الناجحين في مباراة التوظيف. و أقول لكم: من شروط و متطلبات التعليم أن يكون المدرس متمكنا من مادته معرفيا، و مطلعا على التراث البيداغوجي و المدارس التربوية و مستوعبا للمقاربات التدريسية و قادرا على تطويرها و تكييفها مع ظروف و قدرات المتعلمين، و متحكما في تكنولوجيا التدريس، و ممتلكا لمؤهلات شخصية تساعده على التحمل و الصبر و التواصل الإيجابي … لكن ما سيصنع منكم أساتذة حقيقيين ليس ما ستقرأونه من ملخصات في الديداكتيك، أو عدد الجذاذات التي ستحملونها من الأنترنيت، و لا تلك التي ستسطرونها بكل الألوان و الخطوط، و لن يصنع منكم أساتذة حقيقيين اطلاعكم على الميثاق الوطني أو الكتاب الأبيض أو الأزرق أو غيرها من الكراسات، و لن يصنع منكم أساتذة حقيقيين نوع التكوين الذي تلقيتموه أو لم تتلقونه أصلا أو إلا قليلا أو الذي ستتلقونه خلال غشت القادم. إن ما سيصنع منكم أساتذة حقيقيين هو كم الإنسانية فيكم و أصالة شخصيتكم، و اتساع أفق تفكيركم، و تشبعكم بالقيم الحقيقية للحضارة ، و زخم ما فيكم من مشاعر صادقة و نبيلة، و أفكار صافية و ما تقدرون على فعله بوعي تام و نبل الذوق. إن ما سيصنع منكم أساتذة حقيقيين هو حرصكم على أن تسموا بوعيكم بعيدا عن كل ابتدال و ألا تسمحوا لأي أحد يبخس مسؤولياتكم، ولا يجب أن تغيب عن أذهانكم أن المدرسين هم الحماة الحقيقيون للحياة و الحق و الصدق و هم من يمنح الروح للمستقبل. فلا تبخسوا أنفسكم و لا تبحثوا لأنفسكم عن غايات تتشابه مع غايات أي كان من الناس، و لا تبحثوا عن مبررات لا تليق بكم و بقدسية مهنتكم. طالعوا و اقرأو وتعرفوا و فكروا و تخيلوا و جربوا و قاوموا و دافعوا و لا تقنعوا بحد من المعرفة و الممارسة. فكلما زاد اطلاعكم، و سما ذوقكم و تحرر خيالكم كلما كنتم أصليين و حقيقيين و إنسانيين و ازدادت حظوظ أجيال المستقبل في بلوغ نعم الحياة على أيديكم بكل لطف. اجتهدوا و ابحثوا و لا تغيب عن أذهانكم المسؤوليات الأخلاقية و الاجتماعية و التاريخية اتجاه أجيال المستقبل، في إطار الرقي بالإنسانية. لا تعولوا على أحد غير إرادتكم و بحثكم لتطوير أفكاركم و قدراتكم و مهاراتكم. و أتمنى أن يكون توظيفكم فاتحة خير لكم و للبلاد و العباد.