أكيد أن حادة أعكي كانت ولازالت نجمة ساطعة في سماء الموسيقى الأمازيغية، وتعيش في قلوب الملايين من المغاربة، وهي التي دخلت هذا العالم منذ أزيد من أربعة عقود الماضية. رأت النور في إحدى الدواوير في منتصف القرن الماضي ، قرب قرية إسحاق في قلب الأطلس المتوسط الذي أنجب عمالقة كثر في الغناء والطرب الأمازيغيين. وعندما يذكر هذا المجال الجغرافي تحضر خنيفرة وعين اللوح وتغالين والقباب كعواصم للفنانين الأمازيغ الذين أغنوا الساحة الفنية بإبداعات خالدة، غنت للحب والتعايش والإنسانية في أبهى صورها. حادة أعكي انتظرت قدوم جاكلين كو ، المخرجة الفرنسية التي أخذت على عاتقها مهمة إنجاز فيلم وثائقي، سيكون وثيقة للتاريخ والذاكرة، وسيمنح للأجيال فرصة التعرف عن قرب على حادة الفنانة الأطلسية، التي دخلت كما جاء في الفيلم غمار الفن منذ نعومة أظافرها، فقد صرحت أنها عشقت الغناء منذ سن الرابعة، ووشمت في سن الثامنة لعلها تدخل عالم الكبار وهي طفلة صغيرة، تم تزويجها قسرا خوفا من تمردها وسلوكها الطائش بالنسبة للأسرة، لكنها رفضت مؤسسة الزواج وحصلت على الطلاق / الحرية لمعانقة الفن والشهرة. في سن الخمسة عشر ستغادر إلى الدارالبيضاء رفقة الغازي بناصر الهرم الفني الأخر الذي لا يذكر أحدهما دون ذكر الأخر، نظرا لما أسسا له معا طيلة عقود من العمل المشترك. حادة الأمازيغية التي عشقت الغناء، سافرت إلى عالم البيضاء في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات ووقع لها ما يمكن أن نسميه بصدمة الحداثة، فهي لم تكن تعرف غير لغتها الأمازيغية ولم تر من قبل عالم المدينة الحديث بسياراته وقطاراته وسلوكاته، لكنها وجدت في الغازي بناصر مرشدا لها مع باقي أعضاء الفرقة التي اشتغلت معها، رغم صعوبات الاندماج في البداية استطاعت أن تفرض نفسها وتسجل العشرات من الأشرطة الصوتية بالأمازيغية والدارجة، وعلى ذكر اللغة فقد جاء في تصريحها في الفيلم أنها كانت تغني بالدارجة حتى قبل أن تعرفها، إذ أعجبت بلحن أغاني الدارجة ، وغنت بها دون معرفة مضامينها. كما أن الفيلم تضمن هفوات كثيرة في الترجمة، إذ لم يترجم حوارها بشكل جيد ، إضافة إلى أنها لم تعبر بإحساسها في الحوار لأنها لم تتحدث بالأمازيغية. ما يثير في تجربة حادة أعكي أنها لم تندم على مسيرتها ولم يؤنبها ضميرها على ما عاشته في عوالم الفن والشهرة، لأنها كسبت ود أجيال من المغاربة وحتى الأجانب الذين أعجبوا بصوتها الرائع، وشتان بينها وبين العديد من فنانات" الكوكوت مينوت" اللواتي ينتظرن اختناق الحساب البنكي، للاعتزال تلبية لطلب الزوج الحالي أو المستقبلي أو توبة لله. لا أريد أن أعطي هنا أمثلة فهن كثيرات في الغناء والسينما والمسرح والتلفزيون. أما حادة فقد قالت " لا أريد زوجا ولا أبناء أريد أن أغني فقط" ، هذا هو المعنى الحقيقي للفن كما عرف منذ البداية. وهذه هي الرسالة التي سعت مخرجة فيلم حادة أعكي لإيصالها للعالم، أرادت أن تقول لنا أن هناك فنانات وفنانين عاشوا من أجل الفن بدون عقد و بدون مركب نقص، لأنهم اعتبروا ذلك جزءا من ثقافتهم وأحبوه وعشقوه بعيدا عن الفكر المتطرف وإسقاطات الوهابية، والدليل في الفيلم دائما ذلك العناق الإنساني الحار بين حادة و بناصر في البيضاء بعد أن فرقتهما ظروف العمل والحياة لسنوات . لم تشعر حادة ورفاقها ، الزهراوي وبناصر أخويا بأي مركب نقص وهم يتجولون بالأحياء القديمة للدار البيضاء والمرور أمام الملاهي التي احتضنت عشقهم للموسيقى وصخب عمر الشباب. وقد برز من خلال لقطات من الأرشيف، عادت إليها المخرجة أن الدارالبيضاء كانت مدينة للحرية، من خلال ملابس النساء في الشارع العام، وطبيعة العلاقات التي كانت تجمع بين الفنانين من مختلف المناطق، قبل أن تغزوها الأفكار الوهابية التي راح ضحيتها الكثيرون في تفجيرات 16 ماي 2003 و وتفجيرات 2007 وتحولت أحياء بالمدينة إلى قلع للتدعيش. حادة أعكي نموذج حي لإنسانة تشبعت بقيم الإنسانية النبيلة، أعطت الكثير وأغنت التراث الأمازيغي والمغربي والإنساني بإبداعات خالدة، حين غنت للحب والطبيعة والإنسانية، وخلدت بأغانيها أساطير فازاز. ورغم ذلك عاشت في الهامش دون أن تلتفت إليها كاميرات إعلاميينا و بعض مخرجينا الذين سخروا إمكانياتهم لخدمة فئة دون أخرى. محمد زروال / خنيفرة