لم يمكن مشكلنا اليوم ماديا أو استراتيجيا وإنما هو كبوة بعض مسؤولينا وقلة عفة مواطنينا.. وذلك حينما يعمل الجاهل والظالم في جعل سلمه الهرمي ضمن الأطر الفاعلة والبناءة.. ليقع ويوقع من معه ضمن أزمة خانقة تدنى الوعي بها وتدنت فعالية أدوات تجاوزها.. أقصد هنا تداعي البنى الاجتماعية الكائنة محط تهميش، والعجز عن تجاوزها إلى بنى جديدة ورصينة مرجعها في ذلك سلامة المنبع وكثافة المعارف التي لا خلل بينها... بعدما انحط العقل العربي وبعدما ساهم في تسريب مسيرة التفكك الاجتماعي وتزوير الحقائق التاريخية والتدهور إلى سوية الوجود الجغرافي ليس أقل. من الناس من يتكلم بمكر الخبث ومكر الجهل، ومنهم كذلك من يتحول قلبه إلى صنبور نحس وشؤم وحقد ضد كل من صادف في طريقه.. وربما أحد هذه الأصناف تستمر في محادثتك ليس لأنه يطمئن عليك وإنما لإيجاد مخرج أو مدخل يمكنه توجيه طعنة لك... مع العلم أن هذه الصفات هي وحشية وقذارة وعدوان وشتيمة وعنف وتحد وهو خطيئة دون مقدمات عقلية صح ربطها بسلوك الحيوان، ولو أننا في بعض الأحيان نظلم الحيوان نفسه. أما ترى الحمار يوصف بالبلادة وهو أحسن خادم للإنسان وأن الغزال منبع للجمال عند الغالبية وهو عنيف العشرة، سيء الألفة. غير ما مرة أكلم نفسي من باب التساؤل، ما قيمة الحياة في ظل الغدر والنفاق والظلم؟.. وكل قواميس العهارة موظفة.. والعالم لا يحكمه إلا الشر كما لا تنقصنا حياة الأنانية ولا الوصولية ولا الخيانة كما قالت أحلام مستغانمي .. حياتنا سخرية من غيرنا وهيمنة على بعضنا، أو قل تبعية وخضوع وجري من وراء ذوي البطون الجائعة... ليغدو التغيير سفينة ظلت طريقها والرابح الأكبر هو سمك القرش بمساعدة التيارات الهوائية.. كما الثورة التي تخطط لها الأقدار وينفذها الأغبياء ليجني ثمارها السراق.. إذ لا عدالة في أرض يحكمها الظالمون والمجرمون.. بعدما تحول الإجرام نفسه إلى حرفة وتجربة. كم يذهلك كذب البعض من كون الواقع السياسي والاقتصادي قد تغير وتبدل، في حين لاشيء سوى استمرار الزبونية والمحسوبية والتعامل وفق عملة المصلحة الفردية وقضاء الحاجات الذاتية وتسخير سلطة الكراسي في النهب والسلب والترامي على حقوق الآخرين، واستعبادهم وتطويعهم بهدف تحقيق مآرب الذات والمقربين. أما الضعاف فالله في عونهم، إذ لا مدافع ولا مساعد ولا ناصح ما فتئ الإقصاء والتهميش .. نشهد شهادة زور في كون المغرب قد تغير والمغرب ضيعة إقطاعية واستعمارية للأثرياء رفقة أبنائهم وبناتهم يشرعون حسب رؤية مستقبلهم للحفاظ على مصالحهم.. هم القدر و القضاء... هم التاريخ والدهر.. هم الدوام ونحن الفناء.. كم تعبنا من تعبنا وكم بكينا من واقع حالنا.. كم تعرضنا للعبودية والعبودية ذات سلطة أحسن منا، متى ننعم بالعدالة الجماعية والديمقراطية الحقة لا المزيفة.. متى نقطع الصلة مع هيمنة الأقزام وسيطرة الضباع وغذر الذئاب، متى سيتغير هذا الواقع المهزوم.. متى ومتى..؟؟؟ والفقر كالعقم يجعلك تغار من حيوان غني وتطلب الله بحق التساوي مع غيرك مادمت أحد مخلوقاته... أو كيف تستطيع قطة أن تحمل صغارها بين رجليها دون أن تؤذيهم، لكن نحن كم آذانا غيرنا فلم نستطع تحريك شفاهنا.. أناس وطن يلحقون أذى بغيرهم لا يلحقه حيوان بنسله. متى سنبحث لهذه الأسئلة العمياء عن أجوبة، أجوبة أناس يرمون غيرهم إلى منافي الفقر والحرمان ويعرضون عار بطونهم المنتفخة بخميرة المال المنهوب دون خجل.. متى ذلك"؟ طبعا تبقى الكتابة كما الرسم وسيلة الضعفاء أمام الحياة لدفع هذا الأذى المقبل والمستمر.