بقلم البوسعيدي. في الوقت الذي يعيش فيه المغرب تحركاته الخارجية وتقديمه يد العون لغيره من الأفارقة، هناك عديد من المغاربة أنفسهم يموتون مرضا وينتحرون ببطء يوما بعد يوم .. غير ما مرة وأنا أقصد مستشفى - بني ملال- الذي من المفروض أن يتوفر على الإمكانات الطبية التي تنقص بأماكن التطبيب الأخرى، فإذا به يفتقد حتى لأماكن الجلوس الكافية، وحبذا لو كتب على مدخله مزبلة بشرية جماعية حتى لا ينساق الزائر مع الشكليات. في هذا المستشفى الذي مازال فيه المواطنون يفترشون الأرض الباردة ويتغطون بخمائل العنكبوت وأوساخ الطيور كما يتداوون بكلمات الأعوان والممرضين الجارحة والقاسية. أما غياب الأطباء فهو شبيه بغياب الهلال. في هذا المستشفى الذي مازالت فيه النساء تصطف وتنام وتأكل أمام أماكن الولادة وهن يصرخن ويبكين كأنه الجحيم والنار تلتهم الأجسام. في أماكن الوفيات حيث روائح وأزبال وأوساخ وعفن وعنف وتعب يطال المكان .. هناك العدل وهناك الحرية وهناك الشفافية. ماذا يعجبك في مستشفى بني ملال سوى مجموعة من المنحرفين الساهرين على حراسة الأبواب يسيئون معاملة العجزة ويتحرشون ببعض الصغيرات ويتعنتون على من هم من سنهم، إلا أن حظهم قد خانهم من المعرفة والوعي.. أتذكر ذات مرة أن أبي أصيب بوعكة صحية عجلت بضرورة إيصاله في أقرب الأوقات إلى المستعجلات ولما وصلنا باب الدخول وقف أمامنا شخص ونصف بعدما تأكد أن حال الأسرة هو حال الفقر والحرمان، وبعد محاولات طلبٍ نالت منه إنسانيا فتح الباب في وجهنا ولما قصدنا طبيب المستعجلات ألح على ضرورة القيام بفحص طبي على وجه السرعة وينبغي تسجيله ضمن خانة المواعيد أولا. قصدت مكتب التسجيلات وأنا أحمل بعد الأفكار الديمقراطية كما كنت تعلمتها من معلمي .. إلا أن صاحبة التسجيلات لها لغتها هي الأخرى التي تحتاج إلى دراسة سنوات وسنوات. مجيبة لي يوم موعد الفحص شهر مارس من السنة المقبلة... فجأة ودون شعور خاطبتها كيف ذلك؟ وأبي في حالة صحية صعبة، لترد علي ذلك لا يهمني هذا هو القانون. ولما أردت تأكيد الأمر لها مجددا ردت عليا إما أن تخرج وإلا القانون سيعاقبك، طبعا ملامحي تخونني وربما أصلح للعقاب حتى يقول البعض الحمد لله العدالة تطال الجميع .. وطبعا هذا هو القانون حينما يتعامل الناس أقل من الحيوانات، وكلنا نشهد بالنفاق والزور، ونحن نردد: المغرب يتغير. والأسود والذئاب تتزايد كل يوم لتحقق أعلى معدلات النهب فهذا فعلا هو التغيير وهذا هو التقدم. شاءت الأقدار أن يمرض أبي من جديد وأن تعيدنا الذكرى إلى المستشفى الحبيب دخلت أمي قبلي واتبعتها تم نهرتني موظفة مدججة بشاب حبذا لو كلف بحراسة الجن، حاولت إقناعها أنني رجل تعليم وما أريده هو الاطمئنان عن حالة أبي تم الانصراف.. لتخاطبني كن أستاذا أو كن... ذلك لا يهمنا، أجبتها: إنني رجل تعليم ولو قصدت مكان مؤسستنا احترمناك ولربما علمناك معنى احترام الغير. - قلت هذا بعدما نالت من هدوئي- .. ردت علي ابتعد وهي تصرخ. تأكدت كذلك أن وضعي يخونني وأنني من المهلوكين،- أو ببساطة من المزاليط - أتذكر سخريتها... لم تصدق أنني أستاذ أو ربما في نظرها أدعي التمثيل .. لأن شكلي لم يكن يوحي بذلك خصوصا وأنا ارتدي جلبابا تقليديا وحذاء بسيطا بعدما نال البرد مني. واليوم ومع استمرار الفقراء والمحرومين والضعفاء والمهزومين على حالهم: ألا يحق احترام هؤلاء والسهر على صحتهم وسلامتهم؟؟؟.. إن ما يحدث في هذا المستشفى من تعسفات وإهمال في حق طبقة الكادحين، لقمة الظلم والعبث، خصوصا وأن طائفة من السادة الأطباء هم أنفسهم في حاجة إلى من يضمد جراح عقدهم، فبالأحرى يستطيعون معالجة المرضى.. وكم ذا - بالمغرب- من المضحكات ولكنه ضحك كالبكاء وليسمح لي الشاعر- المتنبي- على التصرف في بيته بعدما تصرف بعض الأطباء في أجسام مرضاهم بعبثية وظلم. فمتى نستيقظ من غفلتنا؟؟ طبعا ذاك رأي بل وحق المريض والفقير والمظلوم المحكوم بحب غالبه.