حل فصل الربيع، وأشرقت الشموس، وابتسمت الطبيعة، وزقزقت العصافير، وبدأ بنو الإنسان يزقزقون هم أيضا.. فهذا مهرجان جهوي، وهذا مهرجان بارود، وذاك مهرجان غناء، وثالث مهرجان أحيدوس.. ورابع مهرجان الباكور والكرموس.. في الميادين يدوي صوت البارود المفرقع وتتردد الزغاريد، وفي الأصقاع تتفرقع "المرارة" ويحترق القلب كمدا على شباب ضاع، وطفل يصيح قد جاع، ومرض عضال قد داع، و"الزلط اللي ضربنا حتى القاع".. مالي أرى أناسا يسهرون الليالي مضطرين بقرسات الناموس، وأناسا يقضون لياليهم ساهرين مع راقصات النونوس؟ ما بال أقوام يتلذذون بموائد المشوي في حين يعيش آخرون ب"كاسكروت" اللوكوس؟ يحتقرون المغربي المحتاج، ويوزعون الملايين على مطربات المجوس.. يا لكثرة الرقصات وتنوعها!! لكل رقصته الخاصة، وشتان بين من يرقص طربا لمؤخرة تتهادى ذات اليمين وذات الشمال فترق لها القلوب وتحفها بالدولار، ومن يرقص وتصطك ثناياه بزمهرير الأطلس ولا يكاد يجني قوت يومه.. تعددت المهرجانات والشعب واحد.. تنظم الموازين، وتختل الموازين، ويقتات البعض على "أبازين".. يردد البعض لازمة ويحرك أناملا بقفازين، ويردد البعض "تمديازين" على وطن يمشي على عكازين.. والذين يحرسون "الموازين" هم أنفسهم من يحاصرون المجازين.. عبثا نحاول ثنيهم عن تبذير الأموال، وعبثا يحاولون ثنينا عن تصوير الأهوال.. اختنقت الحناجر، وجفت الصحف، وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان.. فالمهرجان آت، "والﯕلب راه مات"، وكفى خزعبلات، ومن لم يسره الأمر فعليه بعميق السبات، حتى لا يسمع "العيطات" ولا يرى "الترنحات".. نعم، يحق لهم أن يدفعوا غاليا ليرقصوا، لأنه "عند رخصو تخلي نصو"، لهم أن يقضوا الليالي في الغناء، ونقضيها نحن في النحيب والرثاء.. هم يكسرون الروتين بحرارة الرقص، ونكسر بضع بيضات في حرارة الزيت.. يروحون عن النفوس من ضغط العمل والمدينة.. ونغدو ونروح من أجل درهم شاي وسكر في أعالي الجبال.. لهم أن يفتحوا من أجل الفنانين والفنانات أبواب المخازن، ولنا أن نعيش على الفتات و"أبازين". فهيهات هل يستوي من شعارهم "العام زين"، ومن إلى الجد والشوفينية هم منحازين.. وبما أن المهرجان واقع، والحصان ناقع، والبارود فاقع، والصراخ جهد ضائع، فلا مناص من المساهمة بما تيسر لعقولنا الصغيرة المتحجرة؛ نقترح عليهم هذه الكلمات، نرجو صادقين أن يتواضعوا ويتبنوها شعارا لنسخة هذه السنة من المهرجان: "كيف تفقس شعبا في أسبوع وبدون معلم". * أبازين (بلغة الأطلس): الخبز الحافي