أن تكون واحدا من افراد الشعب المغربي الفقير ,شيء رائع وجميل جدا , ان تحس وتشعر بألم الفقراء , ليس فعلا عاطفة يشعر بها كل الناس , ان تحاول التسلق في سلم الطبقات ألاجتماعية , متناسيا المبادئ الانسانية الخالدة العظيمة , امر مهين , يضعك اخر المطاف في الحضيض الاسفل . ان اخزى وأسوء الانجازات : الانتحار الطبقي , والتصنع الخبيث للوصول للعيش المزيف . كثير هم الذين يدعون النعيم والترف وطلاء الحقيقة المرة بغشاوة سميكة , قد تتبدد بمجرد وضوح الواقع الصلد . اجلس في المقاهي الفاخرة الغالية , ودردش في الحوار والنقاش مع افراد الطبقة الراقية , وتصنع في جلوسك , ونمق لغتك , واستعن بإشارات اصابعك , وبين الفينة والأخرى , اغرس شفتاك في عباب قهوتك السوداء , وانظر الى الافق , باحثا عن مغزى فكرة غريبة لا صلة لها بطبقتك الاجتماعية ... فمهما حاولت وأجهدت في اخفاء وضعك المكتوب على صفحة جبينك البراق , فانك لن تغير ولن تستطيع طمس اهتزازاتك النفسية الباطنية : انت واحد من هذا الشعب الفقير , وزاوية اساسية تستند عليها كل مقومات الفكر الثوري الملتزم بقضايا وهموم الطبقة الشعبية الكادحة الفقيرة . لما لا تزيل عنك هذا القناع المفتعل , وتجلس في الحضيض مع ابناء جلدتك الابرياء السذج الرحل , الباحثين عن لقمة العيش الحلال . فما الحاجز الذي يجعلك تخجل من المكوث في صفهم , وتشم رائحة عرقهم , وتلتزم بمبادئهم .الست منهم ؟ ام تريد شيئا اخر غير الذي ترعرعت فيه ,وكبر عليك اليوم البقاء بين احضانه ؟ . لا تتصنع في مشيك , ولا تبالغ في اناقتك الجسدية , ان كنت مارا بحيك , فسلم علي فقراء دربك , وابتسم لهم , كما كنت تفعل قبل سنوات ماضية , انك واحد منهم شئت ام ابيت , فاقتناؤك اليوم المنزل الانيق الجديد , وركوبك السيارة الفخمة ,جعلهم يرددون ويتهامسون فيما بينهم : من اين له هذا ؟ . ادخل دكان حلاق الدرب القديم , كعادتك يوم كنت لا مال لك ولا مقر . اشتري الرغيف من الفرن الوحيد المشهور في الزقاق الضيق من بين انامل الخباز " عمي الحسين " وابتسم للفقراء , لأنك اصبحت في نظرهم , رمزا للتحدي ومتنفسا للمشاعر والأحاسيس المكبوتة . تذكر يوم كنت مناضلا , يوم وضعوك في زنزانة ضيقة , وأنت تحمل افكارا رائعة ممتازة , ترددها في التجمعات الطلابية والمقاهي الشعبية البسيطة المتواضعة : نعم سنموت ولكننا سنقتلع القمع عن شعبنا ..... لا للذل والمهانة... لا للاستغلال ... نحن سواسية كأسنان المشط .... تذكر ايام كنت طفلا بريئا تحمل الى المدرسة لوحة صغيرة سوداء , وقطعة طباشير بيضاء , وأمك العجوز اليوم , القاطنة منذ ذلك العهد في نفس الحي , يعز عليها تركه ومغادرته . كانت تنتظرك في البيت السعيد , لتقدم لك فنجان شاي بارد , وقطعة من خبز ذو جنب مفحم , وانية من زيت زيتون خالص .لتضع على جبينك قبلة حارة خالدة . ولكي تلبي اليوم رغبة زوجتك الموظفة وتقطن معها في المنزل الجديد الرائع الشكل المعماري الهندسي , تركت امك العجوز في دار من دور العجزة , ونسيت الايام والليالي التي كانت تسهر خلالها من اجل راحتك ونومك الهادئ . محمد همشة . اكادير في : 25/09/2012 .