القصيبة : معيقات الانتقال من المخزنة إلى الديمقراطية لا يتعلق الأمر هاهنا بالتأريخ (وليس تاريخ) ولا بالسياسة،فالأول غير موثق، فتعوزنا الربائد والمضان للقيام بذلك،وأما الثاني فأهل القصيبة يتكلمون السياسة كثيرا ولا يمارسونها إلا قليلا، يتعلق الأمر إذن بما كونه أهل القصيبة من تصور يكمن في التجربة التاريخية مع المخزن، وهي تجربة مسجلة في الوعي الجماعي للأفراد وجعلته سلطة متعالية في ذهنهم روحيا ودينيا ورمزيا وماديا. القصيبة حاضرة أيت ويرا،وهؤلاء فرع من اتحادية أيت سري ، يغلب على الظن أن وصول أيت ويرا إلى أطلس القصيبة وديرها يرتبط بالتحركات القبلية التي كان يعرفها المغرب منذ عهد بعيد ،إما بحثا عن المراعي في إطار الانتجاع بين السهل والجبل أو بين مناطق الإقحال والرطوبة المناخيين،وإما لدواعي سياسية ومعيشية لاسيما في فترات الجوائح الطبيعية وسنوات المسغبة، أو فترات تسديد الكلف المخزنية. واضح – تاريخيا- أن الارتباط فك بين المخزن وأيت ويرا عموما منذ البداية قسرا بحكم نزوع هؤلاء نحو الاستقلال بأنفسهم،وعدم الاعتراف بالمخزن سواء من حيث البيعة كميثاق تعاقدي أومن حيث أداء النوائب والإتاوات وسائر المغارم،لكن الأمر سيتغير على الأقل منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر،حيث سيبدأ تعيين ممثلي المخزن المركزي في هذا المجال،وتذكر المصادر التاريخية أن السلطان الحسن الأول عين "ابن همو" قائدا على قبائل أيت ويرا ،وكان موحى أسعيد مساعدا له و مسؤولا عن أمن القصيبة،وإليه أصبحت تنسب ،ومعه ستترسخ الذهنية المخزنية في أوساط السكان مع توالي الأجيال،فوقتذاك كان كافيا أن يتشبع القائد بأفكار المخزن لتنتشر بيسر في صفوف رعية السلطان،ومن أهم صفات القائد أن يكون "من نفس القبيلة،ومن ذوي النجدة والعصبية وأن يكون مطاعا في قومه،ذا خبرة وهيبة وقدرة على الولاية،شجاعا مقداما وسخيا ،ألا يكون من عامة الناس،بل من أعيان القبيلة وكبارها ،إن لم يكن هو أكثرها جاها ،وأن يكون رجلا عاقلا فاهما صالحا وناصحا وعالما بأمور إخوانه وأمور الدار السعيدة ومن أهل المصلحة والدين،يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وأن تتفق القبيلة على ولايته"وطبعا تأويل كل هذه الصفات سيكون تأويلا مخزنيا،ولن تفهم خارج هذا السياق. وإذا كانت هذه الصفات متوفرة في القائد موحى أسعيد ( رسالة إلى السلطان مؤرخة في 1893 ) ، فإنه عن غير وعي اكتسب ذهنية مخزنية حين عينه السلطان قائدا لما أسداه من خدمات للمخزن لاسيما حين أمن عودة حملة عسكرية كان السلطان قد أوفدها إلى أيت سخمان لجباية الضرائب بالقوة وكان على رأسها ابن عمه المولى سرور الذي قتله أيت سخمان نواحي أغبالة.وبعد تعيينه مده السلطان ب300 جندي وأربع مدافع،لردع القبائل وتذكيرهم دوما بوجود المخزن الشريف على رأس الدولة. بالرغم من أن موحى أسعيد نظم المقاومة ضد الأجانب ،فإن نصرته للمخزن كانت أوضح إلى درجة أنه غطت على سمعته كمقاوم، ففي نظر البعض قد جمع بين السلبي والايجابي ،فهو إذن سلبي،مخزني وأسرته مخزنية بوراثثها للمنصب ومخزنتها للقبيلة،وإذ هو كذلك فإنه يتلقى ويبلغ،يأمر ليطاع لأنه هو مأمور مطيع،فلا شخصية لرجل المخزن سوى المخزنية ،لا غاية له سوى انتظار الأوامر وتبليغها. المخزن بنية جامدة ومنغلقة وعقلية مقفلة لا تنتج إلا بنفس الأسلوب العسير الفهم في بعض الأحيان، أزمة الأزمات في المغرب أننا في دولة تعاني الازدواجية،المخزن من جهة والانتخابات والمجالس من جهة أخرى،ومنه فإن القصيبة جزء من كل،عانت من إشكالية ممارسة السلطة ولمن الحكم،فبعد انتهاء الفترة الاستعمارية ،ازدادت النكسة وحصلت الردة فكريا وإنتاجيا واجتماعيا ومؤسساتيا، وحصلت دولنة كبيرة للمجتمع القصيبي بتشجيعها لأحزاب إدارية ومخزنية تحت طائلة الدفاع عن القومية الإثنية كاستغلال مخزني وتأليب الرأي العام المحلي حول فكرة جوفاء وادعاء أهون من بيت العنكبوت،ولكي لا يقع التحول المنشود ، عمل المخزن على تجديد البنيات الحزبية أخيرا،بنفس الأسلوب لاسيما على مستوى الغرفة الأولى. اعتنت هذه الفقرات بقياس نسبة الاستعداد الفكري،في نطاق فرضية التحول انطلاقا من عملية تدبير وإنجاز التحديث السياسي في المغرب الحديث،وبالتالي إمكانية إدخال بعض الإصلاحات ،وفي هذا الأطار بدا لنا أن نقص هذا الإستعداد أو هشاشته كان أحد العوامل التاريخية القوية في تفسير صعوبة استقلالية المجتمع عن المخزن لأن الثاني بما هو متاح له أكثر تفوقا على الأول فهي إذن مسألة غالب ومغلوب ،وحسب ابن خلدون فالمغلوب مولع أبدا بالإقتداء بالغالب في زيه ونحلته ومعاشه وسائر أحواله،وهذا ما يفسر التعلق الدائم لدى البعض بالذهنية المخزنية وعجزهم عن التفكير خارج هذه البنية وصولتها.