يعتبر المخرج السينمائي هشام العسري واحداً من بين ألمع السينمائيين المغاربة المولعين بالفن السينمائي والتجريب الفني، هو الموغل في تجريبيته إلى حدود تكسير كل خيوط الحكاية الفيلمية وإعادة بنائها في شكل سينمائي مدهش من دون أن تفقد هذه الحكاية خيوطها الموحدة لبنيتها الأساسية. وهو إلى هذا أحد الروائيين المغاربة الذين يكتبون الرواية بطعم مختلف يتوافق مع رؤيتهم للسينما التي يريدونها وينجزونها. أخرج العسري مجموعة من الأفلام السينمائية شكلت في كليتها تصوراً سينمائياً جديداً ذا رؤية سينمائية قوية سواء من حيث التقنية الإخراجية المستعملة فيها أو من حيث المواضيع الاجتماعية التي تطرحها. وهذه الأفلام السينمائية الطويلة هي «النهاية» (2011)، «هم الكلاب» (2013)، و «البحر من ورائكم» (2014)، و «جوع كلبك» (2015). وهي كلها أفلام سينمائية متميزة حققت نجاحاً لافتاً واستطاعت الحصول على العديد من الجوائز كما أنها نالت رضى النقاد السينمائين الذين تفاعلوا معها وكتبوا عنها سواء داخل المغرب أو خارجه. حصار الكتب في حوارنا معه بغية الاقتراب من عالمه الفني السينمائي، كان لا بد لنا من أن نسأله عن علاقته الأولى بالمجال الفني، هو الولوع بالفنون والآداب معاً، وعما تمثل له السينما في هذا المجال الفني الخصب، فأجاب: «عندما كنت طفلاً كنت دائماً محاطاً / مفتوناً بالكتب وخصوصاً هذا العطش الذي لا يصدق للقصص، رواية القصص، والأساطير والحكايات الهزلية وحكايات الحلقات الشعبية، وروايات التجسس المصرية، وأسطورة «الكهف» لأفلاطون والقصص الإيطالية. كما كنت ولوعاً بقراءة «أهل الكهف» لتوفيق الحكيم، والسلسلات القصصية السوداء. فجميع الكتب الممكنة والتي يمكن تصورها كانت بالنسبة إلي الوسادة التي أدفن رأسي فيها من أجل التعلم، والحلم، والهروب. وبطبيعة الحال، وجدتُ السينما في مفترق كل هذه الطرق». ولدى سؤالنا له عن رؤيته الخاصة إلى السينما، قال العسري إن «السينما هي أيضاً وسيلة لإحياء ما قد ضاع، ما قد نُسي أو مُحي من التاريخ لأي بلد.» ثم أضاف قائلاً إن السينما هي «فن أو تقنية فنية وأجد أنه وسيلة تحفيز للغاية لاستخدامها لتحقيق شيء من أجل اللعب المزدوج، ومضاعفة الحديث. والسينما كانت دائماً لغة للتحرر. وهو ما يدعو إلى جعلها وسيلة لا تقبل النموذج الجاهز. السينما التي تنظر إلى الظلام كي تزيله وتسلط الضوء عليه. وتكشف النقاب عن الواقع الذي تسعى السياسة إلى عملية تجميله، ولكن أيضاً كيفية معرفة قصص مختلف الشعوب التي أصبحت تحت تعيش تحت ضغط الزمن والعولمة». الكتابة أولاً أما بخصوص مساره السينمائي وأهم الأفلام السينمائية العالمية التي أثرت فيه، فكان جوابه موسعاً حيث استعرض فيه بداية كتابته للسيناريو ورغبته في إخراج أفلام سينمائية قصيرة، وكتابته للنقد السينمائي حول الأفلام السينمائية المغربية وقسوته على البعض منها. وهو يقول في الصدد: «بعد دراسة جامعية لي في القانون، انطلقت في كتابة السيناريو وهو ما بدا لي أنه أنجع وسيلة لإقناع المنتجين من أجل إنجاز أفلامي السينمائية القصيرة. خلال سنوات دراستي الجامعية، كنت أداعب رغبتي الشديدة في كتابة القصص، وإبداع القصص المصورة مستلهماً إياها من أعمال كل من روبرت هوارد وجاك كيربي. أما لحظة المرور إلى الفعل فقد تزامنت مع فترة تعرضي لإصابة في الركبة وأنا ألعب كرة القدم. الشيء الذي أجبرني على التوقف عن الدراسة لمدة شهر، ودفع بي في المقابل إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة والبدء في شكل ملموس في عملية الكتابة. ثم كانت لي فترة أخرى بصفتي ناقداً سينمائياً في سن 21/22 سنة في صفحات الجرائد المغربية (جريدة «ليبراسيون» المغربية وغيرها من الجرائد) وهو عمل شكل لي هو أيضاً مدرسة مهمة، حيث نشرت مقالات مختلفة وأحياناً قاسية على أفلام المخرجين المغاربة السابقين والذين هم الآن زملائي…بعض المخرجين لا يزالون يتذكرون هذه الأخطاء الشرسة من شبابي في صفحات السينما في الصحافة المغربية». أما بخصوص السينمائي العالمي الذي أثّر فيه، فيقول: «مخرج سينمائي عظيم بالنسبة إلي هو «سيدني لوميت» وفيلم «الهجوم» هو العمل الذي يصادف موعداً مهماً في مرحلتي السينيفيلية، ولكن أيضاً في طريقتي ونظرتي إلى السينما، فأنا أعتبر السينما ناقلة للإحساس، بعيداً عن دكتاتورية السيناريو المكتوب وبعيداً عن ديكتاتورية القراء «السيّئين» للسيناريو … ككاتب، فإنه من الغريب أن أقوم بتشويه سمعة السيناريو وعملية كتابة السيناريو، وإنما هذا هو شعوري». اشتغل هشام العسري في أفلامه السينمائية وقدم مواضيع اجتماعية مهمة بعمق فكري وحّد الرؤية حولها وباشتغال فني قوي اتسم بالتجريب في أبعد حدوده، وفي شكل سينمائي محكم يؤطره. وهو ما دفعنا إلى طرح سؤال عليه يتمحور حول هذه الأفلام السينمائية التي قدمها وكيفية رؤيته الخاصة لها، فجاء جوابه على الشكل التالي: «السينما هي آلة كشافة. هي محرضة وملهمة. هي اختراق في كاتدرائية الصمت، وهي قوة الخيال ضد الجمود والتراخي. ومن خلال أفلامي/قصصي السينمائية، أنا أحاول أن أُدهش أكثر من أن أفهم عالمي بواسطة التفكير فيه … كل فيلم من أفلامي هو لحظة حاسمة في حياتي كمواطن من هذا الجزء من العالم». أما بخصوص جديده السينمائي والإبداعي في شكل عام، فقد قال إنه بصدد الانتهاء من فيلم جديد، وإنه سيعمل أيضاً على إنهاء كتاب سردي هو الأول له في مجال «القصص المصورة». نور الدين محقق*