تولي مجلّة الإيكونوميست البريطانية أهمية كبيرة للانتخابات الرئاسية الفرنسية، إذ ترى أنّ نتائجها ستكون أبعد من الحدود الفرنسية نفسها. فلسنوات طويلة، لم تشهد باريس ثورة مهمة أو على الأقل محاولة إصلاح معيّنة، حتى مع تناوب اليسار واليمين على السلطة في تلك البلاد. لكنّ "انتخابات هذه السنة، الأكثر إثارة في الذاكرة الحيّة، تعد بثورة". فالاشتراكيون والجمهوريون قد يخسرون في الجولة الأولى من الانتخابات في 23 أبريل المقبل. ويُحتمل أن يواجه الناخبون الفرنسيون خياراً بين مارين لوبن، "الزعيمة الكاريزمية" للجبهة الوطنية وإيمانويل ماكرون زعيم تيار "إلى الأمام" الليبيرالي والذي أسسه السنة الماضية. وتأثير هاتين الشخصيتين ليس مبالغاً به، لأنهما يجسدان مثلاً حياً لمسار عالمي رائج وهو أن الانقسام القديم بين اليمين واليسار بات أقل أهمية من ذي قبل. فالانقسام الجديد الآن بحسب المجلة هو بين "المنفتح والمنغلق". ليس هذا وحسب، بل يمكن للانتخابات أن "تعيد إحياء الاتحاد الأوروبي أو تدمره". الشعب الفرنسي هو الأكثر تشاؤماً من أهم أسباب هذه الثورة هو غضب الفرنسيين من طبقتهم الحاكمة. إضافة إلى ذلك، وجد أحد استطلاعات الرأي أنّ الشعب الفرنسي هو أكثر الشعوب تشاؤماً على الأرض، إذ يرى 81% منه أنّ العالم يزداد سوءاً، فيما يرى 3% فقط نقيض ذلك. ويعود ذلك بحسب المجلّة إلى الوضع الاقتصادي الفرنسي المتردّي، إذ إنّ ربع الشباب الفرنسي مثلاً عاطل عن العمل، فيما يعجز القسم العامل أساساً عن إيجاد عمل دائم كذاك الذي حصل عليه الجيل السابق. أمّا الهجمات الإرهابية فكان لها نصيبها في رسم تلك الصورة القاتمة. هذه الأسباب بُنيت على مدى عقود، وعجز اليمين واليسار على حد سواء عن التعامل معها. تشخيصان متناقضان تضيف الإيكونوميست أنّ ماكرون ولوبن يعزفان على وتر هذا الفشل، لكنّهما يقدمان تشخيصين مختلفين جذرياً لما يجري. فزعيمة الجبهة الوطنية تلوم القوى الخارجية وتعد بحماية الناخبين بمزيج من الحواجز والرفاه الاجتماعي، كما تجذب أولئك الذين يريدون الانعزال عن بقية العالم. فهي تصف العولمة كتهديد للوظائف الفرنسية وتستعدي الإسلاميين فيما يبدو الاتحاد الأوروبي "وحشاً معادياً للديموقراطية" بالنسبة إليها. تستهدف لوبن أيضاً "إغلاق المساجد الراديكالية" وإعاقة تدفق المهاجرين وتقييد التجارة الخارجية، إضافة إلى دعوتها لإجراء استفتاء من أجل مغادرة الاتحاد الأوروبي. غرائز ماكرون هي نقيض ذلك". فهو يعتقد أن مزيداً من الانفتاح سيجعل فرنسا أقوى. يؤيد التجارة الحرّة بقوة وكذلك سياسات التنافس والهجرة إضافة إلى تأييده للاتحاد الأوروبي ودعمه للتغيير الثقافي. ويعتقد أنّ مكافحة البطالة تمرّ عبر تقليص حجم الحمائية لا من خلال فرض قيود جديدة. وهو باختصار يصنّف نفسه على أنه "ثوري مؤيد للعولمة". صعوبات وتطلب الإيكونوميست من قرائها الانتباه إلى أنّ كلا المرشحين لا يأتي من خارج عالم السياسة. فلوبن أمضت حياتها في هذا المجال، فيما أمّن نجاحها قبول حزبها المتطرف في المجتمع الفرنسي. كذلك الأمر بالنسبة إلى ماكرون الذي كان وزير الاقتصاد في عهد هولاند. لكنّ "الثوريين" سيجدان صعوبات في تنفيذ أجندتيهما. فلو انتصرت لوبن، سيفتقد حزبها للغالبية في البرلمان الفرنسي، والسيد ماكرون بالكاد يملك حزباً". في جميع الأحوال، تمثل الشخصيتان رفضاً للأمر الواقع. إنّ فوزاً لماكرون سيكون دليلاً على أنّ الليبيرالية ما زالت تجذب الأوروبيين. أمّا فوز لوبن فسيجعل فرنسا أفقر وأكثر انعزالاً وبغضاً. وإذا سحبت فرنسا من منطقة اليورو فستطلق أزمة اقتصادية وتطيح باتحادٍ، على الرغم من كل نقائصه، روّج للازدهار والسلام في أوروبا على امتداد ستة عقود. "سيحب بوتين ذلك". ولهذا السبب تستبعد المجلة وجود صدفة في قبول لوبن قرضاً كبيراً من مصرف روسي فيما عانت مؤسسة ماكرون من أكثر من 4000 هجمة قرصنة. على بعد شهرين من الانتخابات، يبدو أنه من غير المرجح فوز لوبن بالرئاسة. لكن في هذه الانتخابات غير المألوفة، يمكن لأي شيء أن يحدث. "فرنسا هزّت العالم من قبل. يمكن أن تفعل ذلك مجدّداً".