بنجلون واحد من جيل الرائعين الذين منحوا التخييل العربي والمغربي فرصة العبور إلى اللغة الفرنسية استعار الشاعر والناقد المغربي محمد السرغيني مقولة الجاحظ «المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي» ليقول «إن المعاني هي أحاسيس نشعر بها بطريقة إنسانية باطنية ونعبر عنها بلغات متعددة سواء كتبت من اليمين إلى اليسار أو من اليسار إلى اليمين». وأصر السرغيني في كلمة له، لحظة تسلم الشاعر المغربي الطاهر بن جلون جائزة الشعر العالمية «أركانة» لسنة 2010، التي يمنحها بيت الشعر ومؤسسة صندوق الإيداع والتدبير، على القول بأن صاحب جائزة «غونكور» ليس شاعرا فرانكوفونيا كما يدعي البعض، لأن الأحاسيس والمعاني واحدة سواء كتبت باللغة الفرنسية أم باللغة العربية، مشيرا إلى أن الطاهر بن جلون على غرار جيله من الشعراء كمحمد خير الدين وكاتب ياسين، «مغاربة لحما ودما ولو كتبوا بلغة موليير». وأبرز محمد السرغيني أن الطاهر بن جلون، وعلى امتداد الزمن الكتابي، ظهر مع ظهور مجلة أنفاس وآل على نفسه أن يكون مغربيا حتى وهو يكتب بالفرنسية، ولهذه الاعتبارات، يقول رئيس لجنة التحكيم لجائزة الشعر العالمية «أركانة»، قررت اللجنة أن تصوت عليه بالإجماع، فكبرت الجائزة به وكبر بها وستشق طريقها بشكل متسع سيفتح أمامها آفاق العالمية. من جانبه، قال الشاعر محمد نجيب خداري رئيس بيت الشعر، في المناسبة ذاتها، أن منطلق الطاهر بن جلون في الإبداع كان منذ حوالي نصف قرن، واستمر كأحد رموز الشعر المغربي المكتوب بالفرنسية منصتا لنداءات الشعر وضروراته، ولأسئلته المعرفية والجمالية، داخل منجزه الشعري والسردي معا، مشيرا إلى أن الطاهر بن جلون إلى جانب نخبة من الشعراء من أمثال محمد خير الدين وعبد اللطيف اللعبي ومصطفى النيسابوري ومحمد الواكيرة وغيرهم، يشكلون جيلا من الرائعين الذين منحوا التخييل العربي والمغربي فرصة العبور إلى اللغة الفرنسية، والشعرية المغربية فرصة الإقامة في التعدد اللغوي والثقافي وفي الانفتاح على آفاق شعريات العالم ومباهجها. وما يميز عطاء الطاهر بن جلون الشعري المتمثل في أعماله الكاملة الصادرة عن (دار غاليمار)، يضيف خداري، «هو تأسيسه على ذلك الحوار العميق بين لغتين وثقافتين وحضارتين وشكلين إبداعيين هما الشعر والسرد، حوار يشي بأسئلة قلقة في الوجود، في الحرية، في الهوية، في الاختلاف، في الألم، في العنصرية، في التطرف، في السامح في العدالة ، في الظلم... ورغم روح الحوار التي تسكنه، فإنه يبقى متفاعلا متواصلا مع الهامش ومع قضايا الهجرة وقضيا أمته العربية». وذكر رئيس بيت الشعر أن الفائزة بالأركانة في دورتها الخامسة هو العربي الأول الذي دشن التكريم العالمي للإبداع المغربي بحصوله سنة 1987 على جائزة الغونكور الفرنسية الشهيرة، معربا عن سعادة بيت الشعر أن تذهب الأركانة إلى اسم الطاهر بن جلون الذي أصبح يتردد ضمن القائمة الأولى للمرشحين لجائزة نوبل. من جهته، اعتبر امحمد اكرين الرئيس المنتدب لصندوق الرعاية لمؤسسة الإيداع والتدبير، أن جائزة أركانة أغنت رصيدها بتتويج الشاعر والأديب المغربي الطاهر بن جلون باعتباره معلمة أدبية وشعرية مرموقة وكمفكر وأديب ترجمت أعماله إلى عدة لغات مما جعل منه سفيرا وممثلا للثقافة المغربية عبر العالم. وذكر امحمد اكرين أن جائزة الأركانة، التي منحت هذه السنة للطاهر بنجلون، وقبله لكل من الشاعر الصيني بي ضاو (2002) والشاعر المغربي محمد السرغيني (2004) والشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش (2008) والشاعر العراقي سعدي يوسف (2009)، تشكل فضاء تتوارى فيه الانتماءات، فاسحة المجال للشعر الجميل والهادف أيا كانت اللغة التي تحمله وأيا كانت التربية التي نبت فيها، ليتألق كإبداع كإنساني متميز. وخلال حفل التتويج الذي أقيم بمسرح محمد الخامس، والذي نسج بين فقراته الشاعر ياسين عدنان، وحضرته وجوه من عالم الفكر والإبداع والسياسة، اعتبر الطاهر بن جلون الذي قال في كلمة له بالمناسبة «هذه أول مرة أكرم فيها في بلدي، خلال تاريخي في الكتابة»، أن «الشاعر هو من يتكلم في حضن الزمن، إنه في الزمن ، مختبئ كالقناص في غابة غامضة...إن الشعر هنا في هذا الاقتضاء المطلق لا يترك مكانا لأي شيء إلا لوجع العالم الذي ينتشر كل يوم أكثر بين الناس الأكثر حاجة والأكثر إهمالا». فالشاعر، حسب بن جلون، «يعاند قصد تغيير العالم بكلماته، وتغيير الناس بإرادته وأمنيته في الخير، غير أن الشعر لا يغير الإنسان والعالم فقط بل يندد بهفوات الذات، يعمقها ويبرزها»، مضيفا أنه «ينبعث من هذا الرماد الذي تنبت عليه من غير توقع الوردة التي تكذب مخاوفنا وانقباضاتنا». ومن جانبه، اعتبر الزجال مراد القادري، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن بيت الشعر من خلال تكريمه للطاهر بن جلون يؤكد على الاعتبار الذي تحظى بها القصيدة المغربية المكتوبة بالفرنسية والتي تعد ضلعا من أضلاع متن الشعر المغربي، الذي لا يمكن الحديث عنه دون إعطاء حيز وافر للقصيدة المنظومة بلغة موليير، مضيفا بيت الشعر يحيي من خلال هذه الجائزة الطاهر بن جلون ومن خلاله القصيدة باللغة الفرنسية التي تؤكد على متخيل ووجدان مغربي واحد، مبرزا أن فوز شاعر وكاتب من حجم الطاهر بنجلون ربح لجائزة الأركانة. وكان الطاهر بن جلون قد وقع قبل انطلاق حفل التتويج، ببهو المسرح الوطني محمد الخامس، منتخبات شعرية موسومة ب»ظلال عارية» ترجمها وقدم لها الناقد خالد بلقاسم الذي أكد في تقديمه أن «المنجز الشعري للطاهر بن جلون متعدد وحيوي شاهد على مسار مضمر لمداره وتحوله وللأوعاء الشعرية المخترقة له». ويتوزع هذا المسار، حسب خالد بلقاسم، إلى محطات متباينة، تتحدد بقصيدة طويلة أو بمجموعة شعرية، بل إن الحدود بينهما تضيق أحيانا، في إنجاز الطاهر بن جلون. يشار أن لجنة التحكيم التي يرأسها الشاعر والناقد محمد السرغيني، ضمت في عضويتها كل من محمد العربي المساري وعبد المجيد بن جلون وحسن نجمي وعبد الرحمان طنكول ومحمد بناني ونجيب خداري وخالد بلقاسم. مسار الطاهر بن جلون درس الطاهر بن جلون, المزداد بفاس سنة 1944, في بداية مساره الفلسفة في ثانوية بتطوان, حيث بدأ بنشر قصائد شعرية. وكانت له مساهمات في مجلة «سوفل» مع عبد اللطيف اللعبي ومحمد خير الدين (1968-1970). وفي سنة 1973، أصبح متعاونا لدى اليومية الفرنسية «لوموند»، كما نشر روايته الأولى (حرودة). وقد خولت له أطروحته في علم النفس (1975) الاشتغال على السكان المهاجرين، إذ أنجز العديد من الأبحاث التي ميزت مساره الأدبي, منها على الخصوص «أقصى درجات العزلة» ورواية-شعر «السجن الانفرادي». وشكل بحثه عن الذات والهوية والجذور مصدر إلهام في تأليف العديد من الروايات من قبيل «صلاة الغائب» (1981), و«طفل الرمال» (1985), و«يوم صمت في طنجة» (1990), و«ليلة الخطأ» (1997). كما نشرت له دار غاليمار بباريس عدة أعمال منها «الرحيل»، و»خطاب الجمل» (شعر)، و»عن أمي»، و»البلاد». كما أصدرت مؤخرا «جونيه، الكذاب الرفيع» و«بكيت، وجونيه، شاي في طنجة» (مسرحية). وقد تم إصدار هذين الكتابين بمناسبة الذكرى المائوية لميلاد الكاتب الفرنسي جان جونيه الذي جايله الطاهر بن جلون وكان شديد التعلق بالمغرب.