المصطفى الغزوي رئيس فريق تحالف القوى التقدمية الديمقراطية: كل ما علينا فعله هو اتخاذ مواقف صارمة إزاء اسبانيا وأن نعد العدة اللازمة لصيانة وحدتنا الترابية خصص مجلس النواب جلسة عامة لمناقشة مستجدات الموقف الإسباني من قضية الوحدة الترابية للمغرب، عقب تصويت برلمانه على توصية معادية للمغرب، وفيما يلي نص مداخلة مصطفى الغزوي رئيس فريق تحالف القوى التقدمية الديمقراطية. السيد الرئيس، السيد الوزير الأول، السيدات والسادة الوزراء، السيدات النائبات، السادة النواب، لقد نصب البرلمان الاسباني نفسه أمس من خلال مصادقته على قرار يعادي المغرب، ويتضمن فقرات وعبارات غير مقبولة، لتقديم دروس لبلدنا ولشعبنا حول تصفية الاستعمار وحقوق الإنسان، على إثر الأحداث المؤسفة التي شهدتها مدينة العيون يوم 8 نونبر الماضي. ويعبر هذا الموقف مجددا على العداء الدفين الذي تكنه لنا اسبانيا من خلال هذا القرار المرفوض، وننصح هذه الأخيرة بالتزام الصمت، اعتبارا لماضيها الاستعماري والعنصري، ولن ينفعها إلا ذلك، ما دامت مصرة على دعم الأضاليل والافتراءات، ولم تقم بما يلزم من أجل البحث عن الحقيقة التي غابت عنها، ومن المؤسف إذن أن نسمع اليوم ما سمعناه من جار كان أجدر به أن ينظر إلى المستقبل أكثر من حنينه للماضي.. السيد الرئيس، من المفيد، ونحن بصدد الحديث عن الماضي الاستعماري لإسبانيا، التذكير بأنه إذا كان التدخل الاستعمار الإسباني بالصحراء المغربية، قد بدأ منذ بداية القرن الماضي، فإنه عجز عن احتلال مجموع تراب وادي الذهب والساقية الحمراء حتى سنة 1934، بفضل المقاومة الباسلة التي أبدتها الدولة المغربية والقبائل الصحراوية. وبعد ذلك، واصل المستعمر الإسباني مناوراته حتى تمكن من إدماج ما تسميه قوى الاستعمار الاسباني «بإفريقيا الغربية الاسبانية»، وذلك عبر نهج سياسة تقوم على الاحتواء الإداري والسياسي للساكنة، وخاصة بالعمل على جعل القوانين الإسبانية نافذة في هذا الجزء من التراب المغربي. ولنتذكر سنتي 1956 و1957، حيث تمكن جيش التحرير المغربي بالجنوب، في ظرف أشهر قليلة، من استرجاع كامل تراب الساقية الحمراء ومناطق أخرى من الصحراء. ولم تتم إعادة تثبيت الوجود الاستعماري الإسباني في الصحراء المغربية بداية سنة 1958، إلا بعد تدخل مشترك للاستعمارين الفرنسي والإسباني من خلال عملية «إيكوفيون Ecouvillon»، التي عبئ لها أزيد من 10 آلاف جندي مدججين بآليات حربية، وأكثر من 70 طائرة. ولنتذكر كذلك أنه من جراء العدوان الجزائري لسنة 1963، ومشاكل الحدود المغربية الجزائرية، والوضعية السياسية الوطنية غير المواتية بفعل حالة الاستثناء، اتخذ ملف القضية الوطنية، على مدى عشر سنوات، مسارا يناهض الحقوق المشروعة للمغرب ومصالحه، وذلك بالرغم من أن أعلى سلطة في الدولة المغربية، أكدت باستمرار أنه لا تنازل عن حقوق المغرب على صحرائه. ولكي تواجه اسبانيا التوصيات الصادرة عن اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، في ستينيات القرن الماضي، سارت في اتجاه خلق دويلة مصطنعة يتوقف استقلالها على الحماية التي يوفرها لها الجيش الإسباني، وتدين بالولاء «للوطن الأب، إسبانيا»، حسب التعبير الاستعماري الذي كان متداولا آنذاك. وأمام هذه المناورات الاستعمارية، اندلعت مظاهرات عارمة في 18 يونيو 1970 بمدينة العيون، تنديدا بالوجود الاسباني فوق التراب الوطني، وكرد فعل شعبي على الممارسات الاستعمارية للاحتلال الاسباني، المتمثلة في الضغط على الساكنة والتنكيل بها وترحيلها، وغيرها من أساليب قوى الاستعمار. وهي المظاهرات التي لم يتردد الحرس المدني الاسباني «guardia civil»، والفيلق الأجنبي «El Tercio»، في إطلاق الرصاص الحي لقمعها. ولنستحضر، في هذا الصدد، ما قاله الزعيم الوطني «سي علال الفاسي»، رحمه الله، ثلاثة أيام بعد هذه الأحداث، حيث قال، والكلام منشور في جريدة «لوبنيون»: «نزل مواطنونا إلى الشارع، هاتفين بشعارات تطالب بتحررهم، وتعلقهم ببلدهم المغرب، وكانت ردة فعل السلطات الاسبانية هي إطلاق النار على المتظاهرين، الذين لم يكونوا مسلحين إلا بإيمانهم وبتضحياتهم وبإرادتهم القوية للدفاع عن وجودهم وانتمائهم للمغرب. لقد اعتقلت السلطات الاسبانية أزيد من 2000 من المواطنين المغاربة، وضمنهم الزعيمين خطري ولد سعيد الجماني، وبا الشيخ بن محمد مولود». (انتهى كلام سي علال الفاسي). هكذا كانت إذن سياسة المستعمر الاسباني. من جهة، إحكام السيطرة على الصحراء المغربية بواسطة القمع، ومن جهة أخرى المناورة لخلق دويلة مصطنعة، تقودها حكومة خاضعة لإسبانيا وخادمة لمصالحها. وإلى حدود يومنا هذا، ونحن في نهاية سنة 2010، ظلت السياسة الاسبانية اتجاه الصحراء المغربية محافظة على نفس التوجه ونفس الثوابت الاستعمارية. وفي الختام، اسمحوا لي السيد الرئيس، بأن أستحضر معكم مقولة الزعيم الوطني سي علي يعتة، في افتتاحية جريدة «الكفاح الوطني» لفاتح يوليوز 1966، حيث قال رحمه الله، «إن المغرب يحابي إسبانيا، ويقدم لها تنازلات عديدة، ولم يمارس عليها أي ضغط، بل على العكس من ذلك، تعاون معها لما فيه مصلحتها. وبالمقابل، لم تمنحه أي شيء، ولم تعر أي اعتبار لحقوقه أو تطلعاته للوحدة والكرامة. إن الخطر الذي يتهددنا كبير، (والكلام لا يزال لسي علي)، ويستلزم من كل المغاربة الرد المناسب، والدفاع عن حقوقنا وكرامتنا مهما كان الثمن». ويضيف السي علي قائلا «إن المغرب مطالب باتخاذ موقف صارم إزاء اسبانيا، ينبني على إجماع قوي، واضح لا لبس فيه، موقف يطالب بالاعتراف الفوري بالسيادة المغربية على سبتة ومليلية، والجزر الجعفرية.. إنه موقف لا يجب أن يتم الاكتفاء بالتعبير عنه، بل يجب تفعيله عبر عمل جدي، وتدابير ملموسة لإجهاض محاولات الانفصال». هكذا تكلم سي علي يعته سنة 1966. وهو تحليل، لا أخالكم إلا متفقين معي على أنه لا يزال صائبا حتى اليوم، ولن تفاجئنا إسبانيا بمواقفها العدائية. كل ما علينا فعله، هو اتخاذ مواقف صارمة إزاء اسبانيا، وأن نعد العدة اللازمة لصيانة وحدتنا الترابية. واسمحوا لي كذلك، السيد الرئيس، بأن أخبر المجلس الموقر بما جرى اليوم الجمعة (يقصد الجمعة الماضية) في مؤتمر اليسار الأوروبي (يضم الأحزاب اليسارية والعمالية والشيوعية والخضر)، المنعقد ي بباريس، واتجاهه نحو اعتماد توصية مسيئة لبلادنا، ومعادية لقضية الصحراء المغربية، ومنحازة بشكل سافر لأعداء وحدتنا الترابية. وقد أجرى وفد حزب التقدم والاشتراكية، أحد مكونات فريقنا، الذي دعي لهذا المؤتمر، اتصالات مكثفة، وبذل مجهودات متواصلة، بهدف تفسير الموقف المغربي، وتسليط الضوء على حقيقة الأوضاع بالصحراء المغربية، وما جرى حقيقة في مدينة العيون يوم 8 نونبر الأخير وما نتج عن ذلك من تداعيات. كما عبر وفد حزب التقدم والاشتراكية عن إدانته القوية لهذه التوصية التي يتجه المؤتمر لاعتمادها، لما تضمنته من مس بثوابت المغرب ومؤسساتها الدستورية، ولمعاداتها لحقوقنا التاريخية المشروعة ولوحدتنا الوطنية والترابية، مبرزا اصطفافها المرفوض والمدان إلى جانب أعداء المغرب. وأمام استحالة التأثير على هذا الموقف الخطير المعبر عنه من قبل المؤتمر، وبالنظر لعدم وجود أي استعداد للأخذ بعين الاعتبار المعطيات والشروحات التي تقدم بها وفد حزب التقدم والاشتراكية، أعلن هذا الأخير انسحابه من هذا المؤتمر. وعلى العموم، فإن موقف البرلمان الاسباني وغيره لا يلزمنا في شيء. المغرب في صحرائه، والصحراء في مغربها، نحن ندرك تمام الإدراك كل ما يحركهم، ودماؤنا فداء للوطن..