انطلقت مساء السبت الماضي، فعاليات الدورة الرابعة لمنتدى فاس حول تحالف الحضارات والتنوع الثقافي، التي تتناول دور الدبلوماسية الدينية والثقافية في خدمة الأمن والسلام العالميين. وأبرزت المداخلات الافتتاحية للدورة التي تحمل اسم «علال الفاسي»، أهمية إرساء سبل الحوار والتفاعل بين مختلف المرجعيات الدينية والثقافية على قاعدة الانتماء إلى الأسرة الإنسانية الواحدة والتصدي لنزوعات الهيمنة والسعي إلى إلغاء الآخر. وقال الوزير الأول عباس الفاسي في كلمة بالمناسبة إن الانقسامات الثقافية أصبحت عامل انشغال للباحثين وصناع القرار وعنصر تهديد لاستقرار العلاقات الدولية في عصر انتعاش تيارات التعصب والعنصرية ومعاداة الآخر. واستعاد الفاسي، في الكلمة التي تلاها شيبة ماء العينين، الدور الذي اضطلع به الزعيم علال الفاسي، الذي تحتفي به الدورة التي نظمت إلى غاية 6 دجنبر الحالي، ليس فقط كعالم مجتهد بل كمفكر إنساني ناضل من أجل بناء حوار جاد ومسؤول بين مختلف الفرقاء الدينيين والسياسيين. وسجل الوزير الأول أن علال الفاسي آمن بأن الحضارة الإنسانية ازدهرت بفضل استنادها إلى قيم الانفتاح على مختلف الثقافات والتوفيق بين العلم والدين وتكريس حرية التفكير ومناهضة التعصب والانغلاق. وأضاف في السياق ذاته أن الراحل حرص على ربط الصلة مع مفكرين وقادة من ديانات ومرجعيات عقدية مختلفة ودافع عن إسلام لا يسعى إلى إلغاء الآخر بل يوجه دعوة إلى التوحيد وإعلاء شأن العقل وإبراز مظاهر التساكن والتلاقح بين الحضارات والمجتمعات. ومن جهتها، لاحظت لطيفة أخرباش، كاتبة الدولة في الشؤون الخارجية والتعاون، أن تعدد بؤر الشقاق والتصادم وممارسة العنف في تجلياته الفكرية والاقتصادية والاجتماعية دفع بالحوار الثقافي إلى واجهة الأجندة الدبلوماسية الدولية التي باتت منشغلة بتفاقم التقاطبات الثقافية ونشاط جماعات الضغط الاديولوجية والقوى الظلامية التي تستبيح الدماء والعمران «بمنهجية تتفانى في تدمير الآفاق الإنسانية الرحبة». واستنكرت أخرباش تمادي بعض التيارات السياسية في تضليل الرأي العام واستخدام الأكاذيب لإخفاء الحقائق وتشويه الأوطان ونسج المغالطات والتلفيقات بعقلية استعمارية، فضلا عن انحرافات بعض الجهات الغربية و»رضوخها للتعميمات المكيفة بذوق صدام الحضارات مكونة بذلك صوتا مكررا لإعلام الكراهية». وأكدت كاتبة الدولة أن احترام التنوع الثقافي وتعدد الأديان، شكل منذ أقدم العصور أحد أهم مكونات ثقافة وهوية المجتمع المغربي، حيث أصبح هذا الإرث مكمن قوة المملكة ومصدر إلهام لالتزامها الراسخ ودفاعها الدائم عن الحوار بين الثقافات والحضارات والديانات. وأبرزت أن «دور إمارة المؤمنين، الضمانة الفعلية لتحصين الأمن الروحي على امتداد التاريخ، في بلورة فكر إسلامي يدعو إلى التشبث بروح الانفتاح والتسامح والتعايش، ساهم بشكل كبير في إشعاع الدبلوماسية الدينية للمملكة» كما أن مساهمة المغرب في نشر تعاليم الإسلام المرتكزة على الوسطية والاعتدال في أفريقيا مكنته من التوفر على رصيد ديني وإشعاع روحي متين لدى شعوب ودول المنطقة. واستعرضت دور المغرب في النهوض بالحوار بين الأديان على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث عمل على جعله مسار عمل وسلوك يتم في إطار استراتيجية وطنية حقيقية لتعزيز التنوع الثقافي والالتزام الدولي لمناهضة جميع أشكال التطرف ورفض الآخر. وحضر إرث الزعيم الراحل علال الفاسي بقوة خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر التي عرفت عرض شريط وثائقي استعاد الأدوار التي اضطلع بها الراحل في إطار الحركة الوطنية والإشعاع الدولي الذي وظفه في خدمة الحوار والتلاقح بين الحضارات. وركز رئيس المجلس البلدي لفاس حميد شباط ورئيس مجلس الجهة السيد امحمد الدويري على راهنية الأفكار التي صاغها علال الفاسي على صعيد التأسيس لفكر الانفتاح والتسامح بتزامن مع الدفاع عن الحقوق المشروعة والوحدة الترابية للمملكة. ويعرف منتدى فاس لتحالف الحضارات والتنوع الثقافي مشاركة حوالي 60 شخصية من ميادين الفكر والسياسة والإعلام والاقتصاد. وتتوزع جلسات المنتدى، التي ستتوج بإعلان فاس، على إشكاليات «الدبلوماسية المشاركة في خدمة تحالف الحضارات والتنوع الثقافي» و»التحالف الدبلوماسي في خدمة السلم والأمن العالميين» و»دور عناصر الدبلوماسية الدينية والثقافية في التوجيه العالمي: الحصيلة والآفاق».