مقترحات الباطرونا بخصوص قانون المالية تهم النمو والمالية العمومية ومسؤولية المقاولة الخاصة الفعالية وتحديد الأولويات وتكييفها مع الواقع سبيل لإنجاح الحوار الاجتماعي في أفق سنة 2020، وضع مجلس إدارة الاتحاد العام لمقاولات المغرب خارطة طريق تسترشد بها اللجان في إطار من التناغم وتتخذ في ضوئها القرارات ويتم الاستعانة بها في حصر التوقعات. وبالإضافة إلى اشكالية العزوف عن الانخراط في الاتحاد العام لمقاولات المغرب، يضع الدخول البرلماني والنقابي، كل سنة، هذه الخطة في محك حقيقي. وتعتبر الفترة الممتدة بين تقديم الاقتراحات ونقاش القانون المالي مرحلة لا تخلو من توجسات الباطرونا، بالنظر إلى الملفات التي تنشغل بها المقاولة، والتي يؤثر أي قرار كيفما كانت طبيعته، على وضعها وتنافسيتها ومستقبلها. من ضمن هذه الملفات التي ستستحود، ليس فقط على اهتمام البرلمان بغرفتيه، بل تشكل ايضا انشغال النقابات والأحزاب السياسية الضريبة، والتغطية الصحية والتقاعد وتوحيد الاستراتيجيات القطاعية والجهوية... في هذا الحوار الذي أجرته الجريدة مع محمد حوراني رئيس الاتحاد إطلالة على هذه المواضيع، وعلى قضايا أخرى تزداد أهميتها بعد أن طالت شظايا الازمة العالمية الاقتصاد الوطني. * الدخول البرلماني الجديد تميز بخطاب ملكي قوي يرسم جلالة الملك من خلاله خارطة طريق واضحة المعالم للسنة التشريعية الجديدة. كيف تقرءون، بصفتكم رئيسا للاتحاد العام لمقاولات المغرب، مضامين هذا الخطاب؟ - الخطاب الملكي السامي بمناسبة الدخول البرلماني يعتبر حقيقة بمثابة خارطة طريق، ليس فقط للبرلمانيين، بل أيضا للمقاولات وأرباب العمل، وللحكومة ولمجموع الهيئات المنتخبة والأحزاب السياسية والمنظمات النقابية ولكل جمعيات المجتمع المدني وللمواطنين بصفة عامة. ونرى في هيئتنا أن الخطاب الملكي السامي يؤكد على الأولويات فيما يخص دعم وتيرة النمو والاستثمار والإصلاحات الاستراتيجية القطاعية والتوجهات الاجتماعية، لكن مع الالتزام بالحفاظ على التوازنات المالية الأساسية. وبهذا المعنى فإن الخطاب، الذي ألقاه صاحب الجلالة نصره الله، يشدد على أن مشروع قانون المالية ليس مجرد أرقام، بل هو سياسة اجتماعية واقتصادية ترسم آفاق مستقبلية. وسيعمل الاتحاد، بالتأكيد، على بلورة مضامين الخطاب/الرسالة من أجل الانخراط الفاعل في المشروع التنموي الذي يشهده المغرب تحت القيادة الرشيدة لجلالته. فمثلما أسند الخطاب الملكي مهاما للمؤسسة التشريعية وللأحزاب السياسية، حدد مهاما لا تخلو من أهمية بالنسبة للفاعل الاقتصادي حين شدد صاحب الجلالة على ضرورة أن نكون في مستوى التحديات التي تواجه المغرب وخاصة على المستوى الاقتصادي والتنموي. وقد قدمنا مقترحات تمكننا من القيام بواجبنا على أكمل وجه. * ماهي هذه المقترحات التي تقدمتم بها وهل يمكن اعتبار مقترحات الباطرونا نهائية؟ - مقترحاتنا تهم مواضيع رئيسية تتعلق بالنمو والتنافسية، والمالية العمومية، ومسؤولية المقاولة الخاصة والاستراتيجيات القطاعية الحالية والقطاعات الجديدة التي ينبغي تنسيقها وتطويرها، والمشاكل المالية التي ينبغي تسويتها، وإصلاح المالية العمومية، والتزامات المقاولة المغربية لفائدة الإنتاجية والتنافسية والابتكار والمسؤولية الاجتماعية. هدفنا من هذه المقترحات هو جعل قانون المالية أداة لتطوير متواصل لتنافسية الاقتصاد الوطني، ومواصلة ارتفاع النمو، وانخفاض البطالة والفقر، والحفاظ على التوازنات الأساسية، بالإضافة إلى تعزيز التنافسية الصناعية وأداءات التجارة الخارجية وتقليص الفوارق الاجتماعية. * ألا ترون أن مقترحات الباطرونا، خاصة في الجانب الجبائي، ستثير نقاشات قد تعرقل نوعا ما بعض اللجان؟ - مقترحاتنا واضحة. والهدف الرئيسي من الإجراءات الجبائية الأساسية المقترحة من قبل الاتحاد هو توسيع مجال جلب الاستثمارات الموجهة للصناعة والتصدير، ومحاربة الأنشطة الاقتصادية غير المنظمة، ومواكبة المقاولات الصغرى والمتوسطة، والمقاولات الصغيرة جدا. كما تهم هذه الإجراءات تشجيع البحث الموجه للتنمية والابتكار والإنتاج النظيف على مستوى أنشطة المقاولات، إضافة إلى دعم عملية التشغيل، وتشجيع الادخار الوطني. وفي إطار محاربة الاقتصاد غير المنظم ومواكبة المقاولات الصغرى والمتوسطة والمقاولات الصغيرة جدا، فإن الاتحاد يطالب باعتماد ضريبة خاصة على الشركات في حدود 15 بالنسبة لهذه المقاولات، علاوة على إصلاح الضريبة على القيمة المضافة. مقترحاتنا لا ترمي العرقلة. فلسنا جبهة للعرقلة بقدر ما نعتبر أنفسنا قوة اقتراحية، تدعو لتظافر جهود الجميع من أجل إنجاح كل إصلاح منشود، على درب الشراكة بين القطاعين العام والخاص، التي نعتبرها ناجحة. هذه الشراكة، ميزت، لسنوات، العلاقات بين الإدارة والفاعلين الخواص. ونرغب في أن تتوطد أكثر من أجل مواجهة تأثيرات الأزمة على الملفات الاقتصادية والاجتماعية. * يجري الحديث بقوة عن الأزمة المالية العالمية. هل ترون أن التعامل معها، في سياق القانون المالي لسنة 2011، سيؤثر على طريقة تدبير هذه الملفات الاقتصادية والاجتماعية؟ - ستكون هناك صعوبات بالتأكيد. فدراسة مشروع الميزانية ستشكل محطة لمناقشة قضايا محورية تتعلق على الخصوص بآثار الأزمة العالمية والخيارات المتعلقة بنفقات التسيير، في ظل الحديث عن عزم الحكومة انتهاج سياسة ترشيد النفقات. لقد طالت تأثيرات الأزمة الاقتصاد المغربي. وهذا ما استدعى إحداث لجنة اليقظة الإستراتيجية التي يفترض أن تساعد الإجراءات التي اتخذتها في صيانة استراتيجية التنمية الطموحة التي انخرط فيها المغرب، علما أن المغرب تمكن من بلوغ معدل نمو اقتصادي جيد في السنة الفارطة. لكن ثمة بعض المؤشرات التي تستحق الانتباه، فالاتحاد الأوروبي يتوقع تراجع الناتج الداخلي الخام في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وهذه الدول تعتبر شركاء رئيسيين للمغرب، مما ستكون له تداعيات على البطالة وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج. في نفس الوقت تترقب منظمة التجارة العالمية تراجع الصادرات في العالم والاستثمارات الخارجية المباشرة في إفريقيا. هذه المؤشرات لابد أن تثير انشغالنا لما لها من علاقة بتوازن الميزان التجاري ووضعية احتياطي الصرف، لكنني أعتقد أنه رغم هذه الإكراهات يتوفر المغرب على المؤهلات التي تخول له مواجهة الأزمة واقتناص الفرص التي تتاح أمامنا. ومن المتوقع، بل من المؤكد، أن تشهد هذه السنة مواصلة الإصلاحات الجوهرية، ومتابعة الانخراط في توجهات رئيسية، تتمثل في النهوض بالتنمية المستدامة ورفع تحديات الانفتاح والتنافسية وتوطيد الحكامة الجيدة، وكذا إعادة هيكلة القطاعات التي أبانت الأزمة على محدودية قدراتها. كما سيهيمن على الدخول السياسي، أيضا ملف الحوار الاجتماعي، نظرا لكون بعض الملفات المطلبية لازالت عالقة في حوار الحكومة مع المركزيات النقابية. * كيف تقيمون مسلسل هذا الحوار الاجتماعي؟ - مما لا شك فيه أن الحوار الاجتماعي شهد تعثرات وتوقفات متوالية، وتطلب حيزا زمنيا كبيرا بالمقارنة مع ما كان منتظرا من هذا الحوار. الاتحاد العام لمقاولات المغرب كان دائما حاضرا في جلسات هذا الحوار إلى جانب الحكومة والمركزيات النقابية. أرباب العمل يحصرون الإشكال في كون الدولة تلعب دورين متباينين. فهي من جهة تجلس كمشغل إلى جانب أرباب العمل، ومن جهة أخرى تلعب دور الحكم. هناك أمر واضح وبديهي من المفروض الإشارة إليه وهو أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب غير معني تماما بالمشاكل المطروحة بين الحكومة والمركزيات النقابية حول القطاع العمومي. لذلك ليس هناك ما يبرر استدعاء أرباب العمل إلى جلسات الحوار عندما يتعلق جدول الأعمال بهذه الملفات الثنائية. كما يرى الاتحاد أن لقاءات الحوار المعدودة والمتفرقة غير مجدية. وقد طالب، في هذا الاتجاه، بأن تبرمج جلسات الحوار بشكل منتظم على مدار السنة، ولقي هذا المطلب استجابة جميع الأطراف التي أجمعت على اعتماد منهجية عمل جديدة تقوم على الفعالية وعلى حصر المجالات التي ستكون موضوع التفاوض، وعلى تحديد الأولويات، مع الرجوع إلى القاعدة للتشاور، خاصة في الملفات الكبيرة التي سيتطرق لها الحوار الاجتماعي. * ملف التقاعد ضمن هذه الملفات. هل لازالت هيئة الباطرونا تحتفظ بمقاربتها الخاصة؟ - إشكالية التقاعد أصبحت إشكالية دولية، لا تهم المغرب وحده. ومعالجة هذا الملف انطلقت بإنجاز دراسة قام بها مكتب دراسات أجنبي لتشخيص الوضعية الراهنة لأنظمة التقاعد، ووقف على اختلالات خطيرة أصبحت تهدد هذه الأنظمة. ففي إطار التضامن، سنساهم في هذا الإصلاح، وسيكون علينا تقديم مجموعة من التنازلات. غير أن الدولة كذلك ينبغي أن تتحمل مسؤوليتها. إن أرباب العمل يعتبرون أن الجزء الأكبر من العجز الذي رصدته الدراسة في أنظمة التقاعد يهم بالأساس صناديق القطاع العام، وبالتالي على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها في هذا الجانب حتى لا تقع تبعات الإصلاح على القطاع الخاص وحده. ولا يمكن لإصلاح إشكالية التقاعد أن يتم عبر الرفع من نسبة الاقتطاعات أو الرفع من سن التقاعد. فهذه الإجراءات لن تكون كافية للإصلاح، بل لا بد من التفكير في إعادة النظر الجذرية لأنظمة التقاعد المعمول بها حاليا والعمل على استبدالها بنظام شمولي يشرك جميع الفئات النشيطة من الساكنة وأن يكون هناك نظام إجباري مشترك وأنظمة اختيارية تكميلية.. * الحوار الاجتماعي سيشمل بالإضافة إلى هذا الملف، قضايا أخرى شائكة. وقد اعتبرت النقابات أن حلها يصطدم دائما بتقاطع المصالح.. - هناك أمر هام يجب الانطلاق منه. إذا كانت جميع الأطراف متفقة على المبادئ، سنعبد الطريق أمامنا، خاصة وأننا استطعنا التفاهم حول العديد من الأمور، رغم وجود مجموعة من النقط الخلافية التي نعتبرها طبيعية في ظل تقاطع المصالح. إننا كأرباب عمل نؤيد الكثير من النقط التي تشكل مكاسب وحقوقا للطبقة العاملة بما فيها الحق في الإضراب والحق في تحسين المستوى المعيشي والحق في الحماية الاجتماعية وتسريع عمليات إصلاح صندوق المقاصة، ونظام التقاعد والإدارة، مع التصدي في الوقت ذاته للاقتصاد غير المنظم، وتشجيع إقامة المشاريع والاستثمار الخاص. وكلنا كأطراف في هذا الحوار الاجتماعي متفقون حول هذه الحقوق، غير أننا في المقابل يجب أن نفكر سوياً، في نفس الوقت، في تنافسية المقاولة، لأنه إذا ما تم المساس بتنافسية المقاولة، فإن ذلك يعني أننا سنخسر كل شيء ولن يصبح بإمكاننا تأمين مناصب شغل قارة، خاصة في ظل أزمة تؤثر بقوة على النسيج المقاولاتي المغربي الذي يوجد بحاجة ماسة إلى تدابير تقيه من الأسوأ. * أي نوع من التدابير تعتقدون الأنسب؟ - هناك هدفان أساسيان: تأهيل المقاولة لحمايتها من المخاطر التي تواجهها والرفع من قدراتها على الاستمرارية والديمومة، وتوفير المناخ المناسب للرفع من مستوى إنتاجية وتنافسية المقاولات. وهما هدفان يتطلبان مهنية في العلاقات مع الحكومة، عبر التوجه إليها بملفات جاهزة وعبر تقوية الاحترام والثقة المتبادلة مع الحكومة. المقاولة الصغرى والمتوسطة في النسيج الصناعي بحاجة اليوم إلى تعريف جديد، وإلى مراجعة التدابير العمومية، واللجوء إلى جباية محفزة، وتشجيع المقاولات الناجحة، وإشراك ما لا يقل عن 30 في المائة من هذه المقاولات في مشاريع التجهيز الكبرى. ونحن بحاجة ماسة، أيضا، إلى مقاولات قوية وقادرة على المضي إلى أبعد الحدود في مجال التنافسية. وبالتالي، فالنسيج المقاولاتي المغربي بحاجة إلى ابتكار تدابير ترفع من قوة أدائه. ولا نرى سبيلا لبلوغ ذلك سوى الاندماج والتجميع، سواء فيما بين المقاولات الصغرى والمتوسطة، أو بين مقاولات كبرى، بعدما تم تطبيق الإعفاء الضريبي على الاندماج بين الشركات. والحديث عن الارتقاء بتنافسية المقاولات يتطلب هذا التجميع من أجل التوفر على سياسات تدبيرية وتسويقية في مستوى المتطلبات العالمية. * ألا ترون أن سياسات كهاته باتت متجاوزة في ظل متغيرات دولية جديدة وانحصار الأسواق التقليدية للمغرب؟ - لا أعتقد ذلك. نحن بحاجة إلى تجميع للمقاولات، تواكبه بطبيعة الحال سياسات عمومية تعطي للقطاع الصناعي دفعة قوية، وتجعله قادرا على تسويق منتجاته بالخارج. وقد بدأ المغرب يعي ذلك من خلال التفكير في استراتيجية الإقلاع الصناعي والمغرب الأخضر وأليوتيس. * التجارب السابقة أبانت عن التوقف الدائم لسياسات الإقلاع في منتصف الطريق. هل ستعترض استراتيجيات الإقلاع المعوقات ذاتها؟ - قمنا في الاتحاد العام لمقاولات المغرب بدراسة مفصلة للمشاكل التي قد تواجه هذه الاستراتيجيات القطاعية ومدى انعكاسها الفعلي على الاقتصاد الوطني. هذه الاستراتيجيات تتميز بنوع من التضارب وهي مكلفة جدا. وقد دعونا، حين تقديمنا لرؤية 2020، إلى ضرورة التعاطي مع هذه الاستراتيجيات القطاعية بنوع من المرونة بشكل يراعي تطور المشهد الاقتصادي الوطني والإقليمي والدولي. وألححنا على أهمية توفر شراكة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص لتصريف هذه الاستراتيجيات بالشكل الأمثل، والعودة بقوة إلى الأسواق التقليدية وبلوغ أخرى، وتشجيع الاستثمار الأجنبي على التوظيف المنتج والخالق للشغل في المغرب. * لكن، كيف السبيل إلى إقناع المستثمر الأجنبي والتقرير الدولي الأخير يصنف المغرب في مرتبة متأخرة (73) على صعيد مقومات الاستثمار؟ - العيب هو أننا لم نكن نهتم بما تقوله التقارير الدولية. وعندما تصدر تقارير صادمة نصاب بخيبة أمل. يجب أن نغير طريقة تعاملنا والانطلاق من مبدأ أن ما يقال صحيح، والعمل على تحسين وضعيتنا. علما أن بلادنا، وأقولها كرجل أعمال، أكثر انفتاحا على الاستثمارات من دول تسبقنا في ترتيب التقارير الدولية. فعملية القياس تهتم ببعض المؤشرات، وبعض البلدان تركز عليها من أجل تحسينها.