لم يتجاوز حفل تكريم الكاتب المغربي إدريس الخوري الذي نظمته المكتبة الوطنية للمملكة المغربية يوم الجمعة الماضي، أكثر من نصف ساعة، مكسرا بذلك القاعدة التقليدية للنموذج السائد في الاحتفاء، والتي تتجاوز أحيانا الثلاث ساعات، يتناوب خلالها، على منصة أمام الجمهور، نقاد ومبدعون وأصدقاء ومعارف المحتفى به. هذه المرة لم تكن الكلمة حاضرة بقوة، ولم تكن هناك منصة ولا أوراق خطابة، لكن رمزية اللحظة ورمزية الخطوط المؤثثة لمعرض «اليرقة» الذي تنظمه المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، كانت أقوى وأعمق من أي خطاب ..طريقة تكريم مغايرة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، مغايرة في شكلها ومضمونها.. كان الجميع واقفا، احتراما للمحتفى به ولشموخه وعطائه الفكري والإبداعي، ولأن المحتفى به لا يزال بيننا، أمد الله في عمره، فإن الاحتفاء يشكل مهمازا ومحفزا على المزيد من الكتابة والعطاء، فلحظة التكريم كانت، بحق، لحظة اعتراف وعرفان لرجل أغنى ولازال، المشهد الثقافي الوطني بكتاباته الإبداعية والفكرية، وهي أيضا أقوى من لحظة تكريم المبدع بعد وفاته. هذه الطريقة المغايرة في أسلوب وطريقة التكريم لاقت الترحاب من أصدقاء أبا دريس الذين شاركوه هذه اللحظة من كتاب ومبدعين وسياسيين وإعلاميين أبدوا استحسانهم لهذه الطريقة التي وصفها المحتفى به في كلمة له بالمناسبة (دقيقتين) ب»الفريدة» و»الاستثنائية» في الوطن العربي، مشيدا في الوقت ذاته بالمكتبة الوطنية صاحبة المبادرة، وبخالد الأشعري صاحب كتاب «أبا ادريس رسوم وحكايات». بدوره، لم يتجاوز إدريس خروز مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، الثلاث دقائق، في كلمته التي أشاد فيها بالمحتفى به، وذكر أن المكتبة الوطنية بتكريمها للكتاب المغربي إدريس الخوري تكون قد دشنت لسلسلة من الاحتفاءات بأسماء أخرى طبعت ولازالت المشهد الثقافي الوطني. من جهته حكى خالد الأشعري قصة الرسالة التي توصل بها ذات يوم من صديقه إدريس الخوري والتي شكلت بالنسبة له منطلق الاشتغال على تلك الحروف ليعكس أوضاعا ترتبط بحياته وبأشكال أخرى. مشيرا إلى أنه في ذات يوم خريفي بجبال الأطلس، حيث كان يلتقط صور أشجار الأوكاليبتوس، وقع بصره على دودة كانت تحفر في جسم أملس لإحدى الأشجار، فأخذ يتأملها، وكانت كل مرة تعيد المحاولة تترك وراءها خدوشا «تشبه المحاولات الأولى للطفل أثناء تعلمه الكتابة، لقد كانت الدودة جائعة ولم تكن تهتم إلى أن يفك أحد حروفها». و»عندما عثرت على رسالة إدريس الخوري بحروفها المائلة المبهمة الصارمة والفوضوية، حروف جائعة تتصيد المعنى الذي يهرب باستمرار» يقول خالد الأشعري «فكرت في تلك اليرقة، وفكرت في وضع مشروع الكتاب، فأنجزت اللوحات انطلاقا من حرف الخوري»، ومزج الأشعري في هذا الكتاب بين الرسومات وكتابات لمبدعين وأدباء وإعلاميين من أصدقاء المحتفي به. وذكر ابراهيم إغلان رئيس قسم التنشيط الثقافي والتواصل بالمكتبة الوطنية، في تصريح لبيان اليوم، أن تكريم الكاتب المغربي إدريس الخوري يأتي في إطار التوجه الجديد للمكتبة الوطنية، الرامي إلى تكريس ثقافة الاعتراف لأسماء من المبدعين المغاربة والاحتفاء بهم وهم أحياء، مشيرا إلى أن هذا التكريم سيصبح تقليدا للمكتبة التي ستعمل مستقبلا على تكريم كتاب ومفكرين وشعراء، عاملة على توثيق ذلك، تماشيا مع هاجسها التوثيقي، أي توثيق الذاكرة الثقافية للمغرب، مشيرا إلى أن الأسماء التي لها حضور ثقافي ورمزي في الساحة الثقافية، ستعمل المكتبة على تكريمها بصيغ احتفائية مختلفة عن النموذج السائد. وأفاد ابرهيم إغلان، في ذات التصريح، أن التفكير في تكريم أبا دريس بهذه الطريقة المغايرة، جاء في الوقت الذي وجدنا فيه الفنان الفتوغرافي والتشكيلي خالد الأشعري يشتغل على مشروعين جاهزين، الأول هو عبارة عن مشروع كتاب والثاني مشروع معرض تحت عنوان «اليرقة» التي تشبه خطوط أبا دريس، فتبنت المكتبة الوطنية الفكرة ودعمت المشروع الذي تحول إلى تكريم منجز وموثق، مضيفا أن المكتبة الوطنية قامت بطبع هذا الكتاب الذي يحمل أسم «ابادريس.. رسومات وحكايات» في طبعة أنيقة يضم إصدار المكتبة الوطنية لكتاب يتألف من 78 صفحة من القطع الكبير، يضم 13 نصا لمبدعين من محيط إدريس الخوري، وفي مقابلها لوحات لخالد الأشعري تشتغل على حروف إدريس الخوري اليدوية، مشيرا إلى أن هؤلاء المثقفين والمبدعين والإعلاميين كتبوا عن إدريس الخوري وعن علاقتهم به بطريقة حميمية سماها المحتفى به ب»كتابات الدصارة أو النميمة الجميلة». نشير إلى أن حفل التكريم نظم وسط معرض اليرقة الذي احتضنه بهو المكتبة الوطنية تحت عنوان «اليرقة وخطوط ابا دريس» لنفس لوحات الفنان خالد الأشعري المتناثرة في الكتاب، والتي يصل عددها إلى 31 لوحة.