دشنت المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، مساء يوم الجمعة، 24 شتنبر الجاري، لاحتفاء جديد بالكتاب المغاربةوهو تكريم من نوع خاص، تميز بإصدار كتاب فني رفيع يخلد للقاء، تتوخى من ورائه المكتبة الوطنية، التي يحتضن فضاؤها يوميا أنشطة ثقافية وفكرية وأدبية وفنية رفيعة المستوى، النهوض بالفعل الثقافي والارتقاء بالتكريم من أشكاله التقليدية والمبتذلة، عبر السعي لترسيخ تقليد أدبي وفني جديد، يجمع بين الإبداع والتشكيل. وكان مفتتح هذا التقليد هو الاحتفاء بالكاتب والقاص المغربي إدريس الخوري، المشهور ب "با ادريس"، في بهو المكتبة بمعرض فني للفنان الفوتوغرافي المغربي خالد الأشعري، الذي قادته اليرقة بالصدفة ودون سابق معرفة، التي تتبعها في خريف سنة 2004، عبر الخطوط والعلامات التي تتركها على جسم الشجرة إلى خطوط القاص إدريس الخوري، الذي دبج بخطه الرفيع تقديما لمعرض "ارتعاشات"، الذي نظمه المعهد الثقافي الألماني "غوته" للفنان الأشعري سنة 1998، فكانت بالتالي، كما ذكر خالد الأشعري ل "المغربية"، الانطلاقة الأولى لهذا العمل الفني، الذي اتخذ بفضل مساعدة المكتبة الوطنية ودعمها شكل كتاب فني ومعرض موازي يحتفي بهذا الكاتب الاستثنائي، الذي بصم الساحة القصصية بالمغرب، والتي وجد فيها الكاتب المحتفى به نفسه، "صيغة استثنائية على مستوى العالم العربي برمته" في كلمة ارتجلها بهذه المناسبة. فما بين خطوط اليرقة وخطوط "با إدريس" نسجت أكثر من قصة، كشف عنها بقدرة رفيعة الفنان خالد الأشعري، الذي ذكر في تقديم كتابه أنه لم يكن يتصور أن يكون لذلك الجسم الصغير الرطب كل تلك القوة على التهام قشور الشجرة، وعلى ترك علامات وخدوش تشبه تلك المحاولات الأولى للطفل أثناء تعلمه الكتابة. وهو ما جعله يتساءل هل هي رسالة موجهة إلى أحد ما؟ وهل هي كتابة مبهمة؟ وهل هو مجرد دور تلعبه الدودة فوق الخشبة؟ كل شيء ممكن/ حسب الأشعري، فهي "في كل الأحوال آثار وأسئلة، حروف شبيهة بحروف – با دريس- مائلة مبهمة، صارمة وفوضوية، حروف جائعة تتصيد المعنى، الذي يهرب باستمرار". وأضاف الأشعري في تصريح ل "المغربية"، أن الدرس الذي استخلصه من اليرقة هو أن "الأفكار بعد إنجازها تتحول إلى فراشات يجب أن تحل محلها أفكار جديدة تأخذ طريقها في الإنجاز وهكذا دواليك". وأشار إلى أن تصويره لأشجار الأوكاليبتوس بالأطلس، قاده إلى تلك الخدوش، التي تتركها اليرقة على جسم الشجرة، وأن الصدفة هي التي قادته إلى خطوط الخوري، في رسالة موجهة إليه، ففكر في الربط بين خطوط اليرقة وخطوط الخوري، ووضع مشروع الكتاب، فأنجز اللوحات انطلاقا من حرف الخوري، واضعا أسفل كل لوحة عنوانا عبارة عن كلمة أو كلمتين بإيحاء قوي، مع استكتاب أدباء وصحافيين ومسرحيين من معارف "با ادريس". والدودة يمكن أن ترمز أيضا إلى دودة القص، كما ألمح إلى ذلك بعض المساهمين في الكتاب، وهي دودة لا تتوقف عن مطالبة إدريس الخوري بمزيد من الأكل والشرب دون أن تهدأ أو تتوقف، وبقدر ما يعطيها "با ادريس" الذي لا يهدأ هو الآخر، بقدر ما تزداد شراهتها. وعن هذا العمل الفني جاء في تقديم المكتبة الوطنية للكتاب أن هذا العمل الباذخ الذي اقترحه عليها الفنان خالد الأشعري فور وقوعه في شباك تلك اليرقة الغامضة المنذورة للكتابة والمحو على لحاء شجرة الكتابة، هو احتفاء بجمالية اسم قصصي استثنائي، لا يسع المكتبة الوطنية للمملكة المغربية إلا جعله متاحا للتداول، وتعزيز ثقافة الانتباه إلى الكتاب المغاربة، وهم أحياء، وسيظلون كذلك، كحالة "با ادريس" تماما. وبهذا الخصوص قال إبراهيم إغلان، رئيس قسم التنشيط الثقافي والتواصل بالمكتبة الوطنية في تصريح ل"المغربية"، إن المكتبة "كانت تفكر في تكريم إدريس الخوري بشكل مختلف، وهو ما وجدناه لدى الفنان خالد الأشعري، الذي قدم لنا مشروعا جاهزا اشتغل عليه منذ حوالي خمس سنوات، فوجدنا بذلك الصيغة المتميزة التي نبحث عنها، فكان هذا التكريم الذي دشنا من خلاله إصدارنا لكتاب فني وإبداعي، والذي ستتلوه أعمال أخرى تحتفي بأسماء وازنة في المغرب". والتي قال عنها القاص إدريس الخوري نفسه إنها "صيغة استثنائية على مستوى العالم العربي برمته" في كلمة ارتجلها بالمناسبة. وأضاف إغلان أن هذا النوع من التكريم سيصبح تقليدا في المكتبة، التي ستعمل مستقبلا على تكريم كتاب ومفكرين وفنانين آخرين، وأنها ستعمل على توثيق ذلك، تماشيا مع هاجسها التوثيقي، أي توثيق الذاكرة الثقافية للمغرب، مشيرا إلى أن الأسماء التي لها حضور ثقافي ورمزي في الساحة الثقافية، ستعمل المكتبة على تكريمها بصيغ احتفائية مختلفة عن النموذج السائد، ومختلفة عن بعضها البعض. وبالموازاة مع الحفل التكريمي للقاص إدريس الخوري، الذي عرف حضورا وازنا للكتاب والمبدعين المغاربة، ولبعض الفاعلين السياسيين، والذي نظم ببهو المكتبة وظل المشاركون فيه واقفين يتأملون اللوحات المعروضة للفنان خالد الأشعري تحت عنوان "اليرقة وخطوط با دريس"، وهي اللوحات نفسها المتناثرة في الكتاب، والتي يبلغ عددها 31 لوحة، لكن بحجمها الحقيقي هذه المرة. ويضم كتاب "با... ادريس رسوم وحكايات"، الذي يقع في 78 صفحة من الحجم الكبير، 13 نصا لمبدعين من محيط إدريس الخوري، وفي مقابلها لوحات لخالد الأشعري تشتغل على حروف إدريس الخوري اليدوية، وهؤلاء الكتاب هم: أحمد لمسيح، وإبراهيم الخطيب، وأحمد بوزفور، وأحمد المديني، وأمين الخمليشي، ومحمد الأشعري، ونحند برادة، ومحمد الميموني، ومحمد هرادي، ومحمد عز الدين التازي، وحسن العلوي، ونجيب رفايف، والطيب الصديقي.